من الجيولوجيا والجغرافيا والتاريخ للحقيقة والتاريخ (2)

عزيزي القارئ، هل تتذكر ما جاء بالحلقة الأولى، والسبب وراء كتابة هذه الحلقات؟ بالتأكيد انت من المتابعين لما يصدر من الاعلام في مصر والسودان منذ عدة اشهر بخصوص الحضارة والقدم والاصل والحق و الاحقيات وغيرها من الامور.
في راينا كل هذه المهاترات نابعة من العواطف والولاءات للدولة الحالية التي ينتمي اليها الاعلامي، لكن نحن اهل العلم نرى ان اي قول لا تسنده مراجع يصبح قول على عواهنه. رأيت ان نبدأ حديثنا و ننهيه بالرجوع الى والاعتماد على المراجع الجيولوجية والجغرافية والتاريخية دون الانحياز الا للعلم فقط، فكلنا لادم وادم من تراب. عذرا فقد يكون ما يأتي بالمقالات علمي جدا، لكن سنحاول بقدر الامكان تبسيطه حتى يمكن فهمه بواسطة الجميع .
قام علماء الجيولوجيا بتقسيم تاريخ الكرة الأرضية الى 4 (أزمنة كبرى)، وهي من الأقدم الى الأحدث كالآتي: الأول، زمن الحياة القديمة، زمن الحياة الوسطى، وزمن الحياة الحديثة. قسمت هذه الأزمنة الى (عصور) ، وهذه بدورها قسمت الى (عهود). هذا التقسيم لا يتم على أساس فترات زمنية متساوية. بعضها طويل جدا، والبعض قصير جدا. كل زمن وكل عصر له مميزات خاصة وحفريات (احفوريات وهي بقايا الكائنات الحية التي يتم الحصول عليها في الصخور الرسوبية) خاصة وتركيبات جيولوجية خاصة أيضا. قد تكون هناك تحركات في طبقات الأرض وظهور جبال وهضاب ووديان، وظهور كائنات حية مختلفة في كل منها. تاريخ الأرض الجيولوجي يرجع الى 4.567 بليون سنة. نحن نفكر في التاريخ البشري بوحدات زمنية مثل القرون والعقود والأجيال والسنوات، وهو مهم من ناحية ترتيب افكارنا وربط الأحداث. بذات الطريقة يلزم لتاريخ الأرض الطويل تقسيمات زمنية تقدر بعشرات ومئات الملايين من السنين.
1) الزمن الأركي (أي الأول، ما قبل الكامبري) ، وفيه تصلبت الأرض وكونت قشرتها، وفترته 1500 الى 2000 مليون سنة، ويعادل زمن بقية الأزمنة التي تلية بثلاثة أو أربعة أضعاف. ظهرت الحياة في أواخره في شكل نادر للحيوانات الاسفنجية والأعشاب. حدثت فيه اضطرابات عنيفة وبراكين عظيمة.
2) الزمن الباليوزوي، (الحياة القديمة) وينقسم الي المبكر (400-600 مليون سنة) المتأخر (220-400 مليون سنة). ظهرت فيه أحياء تختلف كل الاختلاف عن أحياء عصرنا الحاضر. زالت كلها وانقرضت تماما. مداه الزمني 330 مليون سنة. تم تقسيمه الى عدة عصور: الكامبري، الآردوفيشي، السيلوري (تتبع للمبكر)، الديفوني، الفحمي والبيرمي (تتبع للمتأخر). في بداية زمن الحياة لقديمة كانت الأرض تتألف من 6 قارات قديمة . جوندوانا (افريقيا + أميركيا الجنوبية + الهند+ استراليا + القارة القطبية الجنوبية). البلطيق (حاليا اسكندنافيا). لوراسيا (حاليا أميركيا الشمالية)، سيبيريا، الصين ثم كازاخستان. قبل حوالى 540-550 مليون سنة مضت كانت هذه الكتل (القارات ) الستة واقعة على طول خط الاستواء، ولم تكن هنالك يابسة فوق خط عرض 60 درجة شمالا وأسفل 60 درجة جنوبا. القارتين الأولى والثانية انحرفتا شرقا وجنوبا قبل 450-490 مليون سنة. بقيت القارات الأخرى في مكانها تقريبا. قبل 430-435 مليون سنة احتلت القارة الأولي التي تضم افريقيا منطقة القطب الجنوبي. القارات الخمس الأخرى أخذت تقترب من بعضها متحركة جميعا نحو القطب الجنوبي. في نهاية العصر القديم، وبالذات في العصر السيلوري (405 -410 مليون سنة) اتحدت القارتين الثانية والثالثة ، وتقاربت بقية القارات أكثر. أما القارة الأولي فقد التزمت مكانها في القطب الجنوبي، وفي جميع المراحل لم تتجاوز القارات خط عرض 60 درجة شمالا. أي أن القطب الشمالي كان مغطى بمياه المحيط الهادي القديم.
قبل 340-360 مليون سنة تحركت سيبيريا (القارة الرابعة) تجاه القطب الشمالي متجاوزة خط عرض 60 درجة شمالا. أما القارات الخامسة والسادسة فقد تجاوزتا خط عرض 30 درجة شمالا. أما في الفترة من 310-300 مليون سنة مضت اتحدت القارة الأولي بالثالثة والثانية اللتان اتحدتا من قبل . أما السادسة (كازاخستان) فقد التحقت أخيرا بسيبيريا والتحمت بها. أما الصين فقد تحركت شرقا. في الفترة من 250 -260 مليون سنة التحمت القارات مع بعضها عدا الصين التي بقيت قريبا من كازاخستان وسايبريا دون أن تلحم معهما. في نهاية الزمن اتخذت القارات شكلا طوليا (شمال ? جنوب) بدلا من مستعرضا (شرق ?غرب)، كما التحمت القارات تقريبا وكونت قارة واحدة تقريبا (نتيجة التصادمات) سميت (بانجيا) قبل 250 مليون سنة ومعناها (كل اليابسة) يحيط بها محيط واسع اسمه بانثالاسا ويعني (كل البحار). امتاز هذا الزمن بالأنشطة البركانية العنيفة والترسبات في البحار القديمة وظهور جبال وهضاب في أوروبا وأميريكا الشمالية وشرق استراليا. ظهرت فيه القواقع وأسماك بدائية وفي أواخره برمائيات وزواحف. تطورت فيه النباتات البدائية ونمت بسرعة في البحار أولا ثم في اليابسة والنباتات السرخسية والمخروطيات خاصة في العصر الفحمي في المناطق التي بها بحيرات ومستنقعات، ومنها تكون الفحم.
3) الزمن الميزوزوي، أي زمن (الحياة الوسطي =125 مليون سنة) الذي سمى كذلك نظرا لأن الحياة الحيوانية والنباتية وسط ما بين ومن الحياة القديمة وزمن الحياة الحديثة، يرجع بعض أنواعها الى أسلاف عاشت في العصور القديمة، وتطورت أنواع أخرى عاشت في هذا الزمن واستمرت وارتقت في عصور زمن الحياة الحديثة. تم تقسيم هذا الزمن الى (العصور) الترياسي و الجوراسي و الكرياسي (الطباشيري). بدأ بتكوين البانجيا وانتهى بانفصال وتباعد القارات عن بعضها مرة أخرى. بدأ التكسر قبل 200 مليون سنة. لوراسيا تحركت بعيدا عن جوندوانا . قبل 180 مليون سنة انفصلت الهند عن القارة القطبية الجنوبية واستمرت في جوندوانا الحركة شمالا حتى تجاوزت خط 30 درجة جنوبا (حوالي 135 مليون سنة) ، ووصلت قبل حوالى 65 مليون سنة. قبل 135 مليون سنة أخذت المياه تتوغل الأجزاء الوسطية بين افريقيا وأميريكا الجنوبية نتيجة لتباعد القارتين عن بعضهما وتكون منخفض يمثل المرحلة لتكوين المحيط الأطلسي الجنوبي. في نهاية العصر الطباشيري كانت أميريكا الشمالية وأوروبا متصلتان ببعضهما بواسطة جرينلاند . فيه تطورت وارتقت بعض الحيوانات البحرية اللافقارية كما انقرض بعضها ، وارتقت بعض الأسماك بما يشبه الموجودة حاليا. اما في اليابسة شاعت الزواحف وازدهرت وتطورت وبلغت أحجاما عملاقة كالديناصورات والسلاحف والتماسيح. اختفت بنهاية زمن الحياة الوسطى، وظهرت الحيوانات الثدييه الأولية متطورة من الزواحف، منها الكانجرو. كما ظهرت الضفادع والفراشات والطيور الأولية. كانت الطيور ضخمة وذات أسنان. كثرت الحشرات وكان بعضها يشبه الحشرات الحالية. كما ظهرت السحالي واشباه الثعابين والتماسيح الحالية. في أواخر زمن الحياة الوسطى ظهرت النباتات المزهرة ومنها أنواع النخيل.
4) الزمن الكاينوزوي، أي زمن (الحياة الحديثة)، أحدث الأزمنة، والأحياء التي عاشت فيه تشبه الأحياء الحالية. تم تقسيمه الى (عصرين): الثالثي (70 مليون سنة) والرابعي (مليون سنة).
أ) قسم الثالثي الى العصور الباليوسين والايوسين والأوليجوسين والميوسين والبليوسين. تميز العصر الثالثي ببراكين عظيمة وحركات انكسارية على نطاق واسع أدت الى حدوث الأخدود الافريقي العظيم الذي يفصل الآن بين أسيا وافريقيا ويقع في البحر الأحمر ومنخفض نهر الأردن. ارتفت سلاسل الجبال الضخمة مثل الألب والهيمالايا وأطلس والروكي. بدأ توزيع اليابس والماء يتخذ شكله الحالي (تقريبا). ازدهرت الأسماك الفقارية والرخويات في البحار، واقتربت الحيوانات البحرية من أشكالها الحالية وظهر العديد من الحيوانات البحرية الثدييه. أما على اليابسة استمر وجود الزواحف كالثعابين والسحالي. تضخمت أحجام الحيوانات الثدييه، وظهرت منها أنواع عملاقة انقرضت بانتهاء العصر الثالثي، اندثرت الطيور ذات الأسنان، حلت محلها طيور بدون أسنان، وكثرت الحشرات وتنوعت. انتشر اسلاف الفيل الحالي والجمل، وظهر البقر الوحشي والغزلان والحمير البرية والخيول والدببة والذئاب وغيرها. كما ظهرت أنواع عديدة من (القردة) منها القردة العليا. تكاثرت النباتات المزهرة وانتشرت انتشارا كبيرا منها النخيل والصنوبر والتين وغيرها.
ب) أما الرابعي فيحتوي على عصري البلايوستوسين (الجليدي) والحديث. تكويناته تتركب من (رواسب الأنهار الحالية ) من حصى ورمل وطمي والكثبان الرملية والرواسب التي تتراكم في البحيرات والبحار والمحيطات. الأحداث الجيولوجية تمثلت في بعض نشاط بركاني محدود، واتخذت القارات والمحيطات توزيعها الحالي تقريبا مع انخفاض درجات الحرارة العالمية مع تراكم الجليد بكميات هائلة في اوروبا واسيا وأميريكا الشمالية . أما (الصحراء الكبرى الافريقية ) فقد ازداد فيها سقوط المطر (العصر المطير). حيوانات العصر السابق ما زالت موجودة حتى وقتنا الحالي وانقرضت بعض الثدييات، وقد ثبت بما لا يدع مجال للشك بأن (الانسان كان موجودا) في البلايوستوسين وعثر على عظامه والأدوات الحجرية التي يستخدمها في الصيد والدفاع عن النفس. أما في العصر الحديث فقد بلغت الأحياء أعلى درجات الكمال، وهو عصر الانسان الحديث.
من أهم الدروس التي نخرج بها مما جاء أعلاه في ما يتعلق بهدفنا من تقديم هذه المعلومات أن هنالك عدم استقرار حالة سطح الأرض. فاليابس قد يهبط ويصبح قسما من قاع البحر، والأخير قد يرتفع ويصبح جزءا من يابس قارة ما. توزيع اليابس والماء قديما كان مختلفا عن ما هو عليه الأن.
نعم الموضوع قد يكون علمي بحت، لكنني حاولت تبسيطه حتى نصل الى النقطة التي تلي ذلك عن تاريخ افريقيا والنيل بفروعه والبحر الأحمر والانسان والبشرية والحضارات خطوة خطوة، نرجو أن تجعلنا نتعامل مع تاريخنا بجدية، ونعيد كتابته بعد تكثيف الحملات الأثرية بدعم خارجي (منظمات وجامعات ودول) وداخلي (حكومة وقطاع خاص وجامعات) حفظا لتاريخ الانسانية ككل ، وضع السودان والسودانيين في موقعهم الصحيح بالنسبة لبقية الأمم ، معتمدين على الجيولوجيا والجغرافيا والتاريخ (كعلوم) لا يمكن المغالطة في اكتشافاتها وحقائقها. الى الحلقة القادمة ان شاء الله . أللهم نسألك اللطف (أمين).
بحث مفيد واصل فيه يا بروف فنحن في امس الحاجة لمعرفة ماضينا
صياغة ركيكة وفطييرة. الله يلطف بالسودان أن كان الكاتب كما يقول بروفسور.
كلام علمي من بروف خبير. شكرا لك لقد استفدت جدا من هذه المحاضرة القيمة أتطلع إلى الحلقة القادمة بشوق
بحث مفيد واصل فيه يا بروف فنحن في امس الحاجة لمعرفة ماضينا
صياغة ركيكة وفطييرة. الله يلطف بالسودان أن كان الكاتب كما يقول بروفسور.
كلام علمي من بروف خبير. شكرا لك لقد استفدت جدا من هذه المحاضرة القيمة أتطلع إلى الحلقة القادمة بشوق