اليوم العالمي للحد من الفقر

قطع النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء القومي الفريق بكري حسن صالح باستحالة بناء دولة ما لم تحل مشكلة الفقر و جاء ذلك لدى مخاطبته ملتقى الخرطوم للمسؤولية المجتمعية الذي عقد بقاعة الصداقة مؤخرا واصفا محاربة الفقر بالهم مستشهدا بالقول المأثور : ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) و في ذات الصياغ وجه نائب رئيس الجمهورية الأستاذ حسبو عبد الرحمن بضرورة مراجعة السياسات و البرامج الإستراتيجية للدولة و تقييم ما تم تنفيذه من دعم في سبيل تخفيف الفقر بالبلاد لكن وقبل أن يقطع النائب الأول باستحالة بناء دولة ما لم تحل مشكلة الفقر ة و قبل توجيه نائب رئيس الجمهورية بضرورة مراجعة السياسات و البرامج كان عليهما أن يبحثا و يتساءلا عن الأسباب التي أدخلت جل أفراد الشعب السوداني في دائرة هذا الفقر اللعين !! من الذي وضع تلك السياسات و البرامج و من الذي قام بتنفيذها حتى أوردت الناس ذلك المرد المهلك !! بل لماذا وضعت أصلا تلك البرامج و السياسات و هل وضعت هذه السياسات بدون علم أو دراية بعواقبها أي بمعنى أنها صيغت على عجل أم أنها كانت مقصودة لذاتها ؟؟ و في تقديري أن هذا القطع أو التوجيه من نائبي رئيس الجمهورية سوف لن يساهم في الحد من الفقر الذي أصاب جل أفراد الشعب السوداني و هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟؟!!
يمكن القول بأن الإنقاذ عندما تسلمت السلطة أقامتها على مبدأين و هما ( فرق لتسد ) و (جوع كلبك ليتبعك ) لذلك جاءت كل سياستها منطلقة و مستندة على هذين المبدأين فاستنادا على مبدأ فرق لتسد فقد عمدت الإنقاذ إلى تقسيم الأحزاب السياسية فانقسم كل حزب الى مجموعات من الأحزاب الصغيرة حتى تجاوز عددها المائة حزب و كذلك انقسمت الحركات المسلحة التي تعارضها إلى مجموعات صغيرة أيضا للدرجة التي بلغ عدد الحركات المسلحة التي شاركت في الحوار الوطني ثمانية و ثلاثين حركة وفقا للتصريحات الرسمية وكذلك تدخلت الإنقاذ في أوساط الإدارات الأهلية في محاولة منها لكسب ودها و تأيدها و حتى يسهل لها ذلك قامت باعتماد قيادات أهلية جديدة من المواليين لها داخل العديد من القبائل و حتى الجماعات الدينية لم تسلم من تدخلات الإنقاذ حيث شهدت العديد من تلك الجماعات انشقاقات حادة داخلها بل حتى الإنقاذ نفسها لم تسلم من تلك الانشقاقات فارتدت بعض سهامها عليها و أما على مستوى التقسيم الإداري للدولة فقد كانت بادية للعيان منذ أيامها الأولى فبدأت بالجنوب وصورته بأنه العدو الأول للدين و الوطن فخاضت حروبا مع الجنوبيين صبغتها بصبغة دينية حتى تعقدت الأمور للدرجة التي يصعب فيها رتقها فما كان من الجنوبيين إلا المطالبة بحق تقرير المصير و قد كان لهم ذلك و بعد ذلك التفتت إلى دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق و دخلت في صراعات مع أهالي تلك المناطق لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة حتى تعقّد الأمر هناك أيضا فوضعت دارفور تحت الوصاية الدولية لما يزيد على عقد من الزمان و أفرد لمنطقتي جنوب كردفان و النيل الأزرق وضعية خاصة في اتفاقية السلام الشامل و لازال الأمر معقدا هناك للدرجة التي بدأت تتعالى فيه بعض الأصوات مطالبة بحق تقرير المصير لمنطقة جنوب كردفان وليس هذا فحسب بل قامت بتقسيم البلاد على أساس عرقي تعزيزا لسياساتها تلك فالناظر لخارطة السودان يلاحظ أن تقسيم الولايات الحالي قد تم بصورة تكرس للجهوية و تعزز من روح التعصب القبلي حيث نجد أن كل ولاية من ولاياته تمثل مركز ثقل لقبيلة أو قبائل بعينها بل حتى المحليات جاء توزيعها على ذات الأساس لزرع الفرقة بين المواطنين
أما على مستوى المبدأ الثاني و هو جوع كلبك ليتبعك بدأت الإنقاذ بسياسة الخصخصة التي تبنتها منذ أيامها الأولي و التي كانت السبب المباشر لكل الإخفاقات الاقتصادية التي مرت بالبلاد ولازالت تعاني منها بل ستظل تعاني منها و أردفت ذلك بسياسة التمكين التي بسببها فقد الآلاف من العاملين بالدولة مدنيين و عسكر وظائفهم و أدخلوا في دائرة الفقر اللعينة و حتى الصناديق التي أنشأتها لتخفيف وطأة معاناة أولئك الذين أحالتهم للصالح العام بعد أن تأكد لها خطأ و ظلم سياستها تلك لا أحد يعرف من هم الذين استفادوا من أموال تلك الصناديق و فيم أنفقت حتى اختفت و حتى عندما حاول ضحايا سياسات الحكومة حل مشاكلهم بأنفسهم بالبحث عن بدائل لطلب الرزق نجد أن الحكومة و على مستوى معتمديها و محلياتها قد جيّشت الجيوش لمطاردة أولئك المساكين و بصورة غير إنسانية و لا يقرها دين أو خلق كريم كأنهم يطاردون عدوا اعتدى على البلاد فكلنا يشاهد يوميا و بصورة راتبة حملات ( الكشة ) التي يقوم بها عمال المحليات محروسين بقوة من العسكر المدججين بالسلاح ضد الباعة الجائلين و بائعات الأطعمة و المشروبات الشعبية فكيف و هذا هو أسلوب تعامل الحكومة مع الذين أفقرتهم بسياساتها يتم الحد من الفقر ؟؟
لا أعتقد بأن مراجعة السياسات و البرامج التي وجه النائب الثاني بمراجعتها سوف تحد من الفقر ذلك لأن الحكومة و في صباح كل يوم جديد تصدر من السياسات و البرامج وتتخذ من القرارات ما يزيد من معاناة هذا الشعب و إدخاله قسرا في دائرة الفقر لقد أصبحت عقلية كل المسئولين بالدولة عقلية تجار جشعين يلهثون و راء الربح الفاحش و السريع فالحكومة قد رفعت يدها عن التعليم حتى أصبحت تجارة و سلعة محتكرة لدى ميسوري الحال فالمعلم الذي يقوم بعملية التدريس قد أصبح من الفقراء الذين يحتاجون لدعم الدولة و الكتاب غير متوفر و الإجلاس غير متوفر بل الحكومة تفرض على التلاميذ رسوم الامتحانات التي تجرى خلال العام و التي بسببها يطرد أبناء الفقراء من مدارسهم أو يهددوا بالحرمان من الجلوس للامتحان و هذا حتى على المستوى الجامعي فكيف و الحال هذه يمكن الحد من الفقر و الحكومة تصدر مثل هذه القرارات و حال الخدمات الصحية لا يقل سوءا عن حال خدمات التعليم بل كل الخدمات التي كانت تقدمها الدولة للمواطن أصبحت مدفوعة القيمة و بصورة قسرية
فأي سياسات و برامج يمكن أن تراجع للحد من الفقر ؟؟ نسب القول لأحد الحكماء : إنك لن تستطيع حل أي مشكلة بنفس الأشخاص الذين تسببوا فيها فحتى إذا تمت مراجعة السياسات و البرامج فمشكلة الفقر ستظل قائمة طالما أن الأشخاص هم الأشخاص
عوض صالح باحث اجتماعي وخبير اقتصادي/لندن

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..