“منهج المباغتة”

دائماً ما تلجأ الحكومة الى تبني منهج “المباغتة” في إنتاج قراراتها وسياساتها خصوصاً إن كانت هذه القرارات ذات اتصال مباشر بقضايا المواطنين، فبالأمس خرجت علينا هيئة الطرق والجسور التابعة لوزارة النقل بعبقرية جديدة استلهمت فيها فكرة توسيع رقعة “الجباية” للخروج من عجز ميزانياتها الخاصة، فحدثتها نفسها بأن أي سيارة أو أي “كائن آلي” يمشي على أربع أو حتى رجلين يلزمه أن يدفع لوزارة النقل مبلغ “جنيهين” عن كل ساعة تمكثها سيارته على حافة أي شارع أو “زقاق” بافتراض أن الوقوف على هوامش هذه الشوارع دون دفع “الجنيهين” من شأنه أن يعيق حركة السير بالخرطوم ولهذا فإن السلطات هنا ونعني بها وزارة النقل لا يرضيها هذا الوضع وبالتالي فهي جادة لإصلاحه أو هكذا كانت عبقرية التفكير التي جاءت بقرار فرض رسوم على الوقوف على جنبات الشوارع.
ولكن وبافتراض صدق النوايا وسلامتها وخلوها من أي أجندة جباية فإن تكليف قوات من “الهدف” فقط دون غيرهم ونشرهم بشكل كثيف في مهمة جديدة على كل الشوارع في منطقة وسط الخرطوم وربما تمتد إلى حواضر المحليات الأخرى سواء بولاية الخرطوم أو الولايات الأخرى علماً بأن هذه المهمة هي من صميم عمل شرطة المرور، ولكن الراجح في هذا المسعى هو إنفاذ فكرة البحث عن إيرادات عبر توسيع مواعين التحصيل المالي بقانون أو من غير قانون، وبإمكان هيئة الطرق أن تعمل على تنظيم “المواقف” وفك الزحام عن الطرقات دون أن تأخذ مليماً واحداً من كل صاحب سيارة.
وحتى المبررات التي صاغتها وزارة الطرق لإعطاء الشرعية لهذه الرسوم المفروضة منذ الأمس على توقف السيارات على أرصفة شوارع الخرطوم بأن هيئة الطرق تريد توظيف واستثمار هذه المبالغ في رصف وصيانة الطرق الداخلية هو مجرد ادعاء تكذبه معطيات الواقع، فالتجارب تتحدث عن نفسها وتفتح أبواباً من الأسئلة المشرعة.. هل فعلاً استثمرت وزارة الطرق كل ما تأخذه “سابقًا أو لاحقاً” من رسوم في محطات المرور السريع عاد بالخير لصالح هذه الطرق؟؟.
لو أن وزارة الطرق التزمت فقط “بالمانديت” الذي حدد توصيفات ومهام هذه الوزارة ومسوؤلياتها لما احتاجت لهذا المبلغ البائس حتى تعيد عبره إصلاح الطرق وتنظيمها، كما لو أن شرطة المرور نفسها التزمت هي الأخرى بمهامها في تنظيم مواقف السيارات ونشر ثقافة المرور وتحديد الاتجاهات ووضع العلامات المرورية لما احتاجت لمثل هذه القرارات لفك الازدحام بالطرق.. ولهذا فهناك كاسب وآخر “ضحية” في معظم القرارات الرسمية التي تصدرها الحكومة عبر مؤسساتها لأن هذه القرارات وفي كثير من مراحلها تقدم للمواطن دون أن يكتمل نضوجها.
[email][email protected][/email]



