البشير والسيسي.. ملف محسوم وورقة ضائعة

طالعت العديد من المقالات والتقارير التي تدفقت من أعلى قمم أديس أبابا السياسية الشاهقة الأحلام.. أميزها لغةً وعبارة ما رسم مشاهده السينمائية المشوقة قلما الأستاذان محمد لطيف وضياء الدين بلال حول لقاءات البشير والسيسي وديسالين..
وهناك وصية قديمة متداولة يقدمها لك بحب شديد من يعجبه إعجابك بمبدع ما.. شاعراً كان أو فناناً أو نجم كرة قدم بأنك لو أردت أن تحتفظ بأجمل صورة عندك لهذا المبدع فعليك أن لا تقترب منه كثيراً، لأن كل خطوة تقترب بها من مبدعك المحبوب ستكون محسوبة خصماً من رصيد إعجابك به حتى إذا وصلت إليه وجمعتك به علاقة اجتماعية لصيقة وعدت بعد وقت وجيز لتتفقد مخزن إعجابك القديم به قد تجده خاويا على عرشه تماماً إن لم يزكمك غباره ويؤذيك.. هذا من الشائع حول العلاقة مع المبدعين..
وعلى العكس تماماً ما يشاع عن العلاقة مع الساسة، حيث أن الأمر في حالتهم يبدو مختلفاً فمعظم الذين يحدثوننا حين يحدثون حول عوالم أصحاب السلطة عن قرب ومعرفة لصيقة تجدهم يتحدثون بإعجاب كبير عن الجوانب الأكثر إشراقاً في شخصيات السياسيين..
أما عن أجواء الأحداث عموماً وسحر الحضور والوجود الفيزيائي في موقع الحدث، فللحضور أثره الكبير في مواقف الراصد وتأثيره الظاهر في الصور القلمية والتفاعلات المدونة في متون المقالات والتقارير، لذلك لم أفاجأ بشحنة التفاؤل الضخمة التي تعبأت بها مقالات الأستاذين محمد لطيف وضياء الدين وسردهما السينمائي المشوق لتفاصيل المشهد الذي جرى في أديس أبابا وهما من الحاضرين لأن أقرب الصحفيين إلى مكان الحدث ? أي حدث ? ومهما كانت توقعات هذا الصحفي وقناعاته السابقة فإن أجواء الحدث قد تستقطب موقفه نحو الحالة التي تعم في المكان.. تفاؤلاً كانت أو تشاؤماً بالنتائج والتوقعات وتقييم مستوى نجاح تلك اللقاءات..
لذلك من يقرأ مقالات ضياء ولطيف يشعر أنهما الآن متفائلين تماماً بما تم وما ستأتي به اللقاءات والمسارات التشاورية القادمة، بعد قمة ثلاثية ناجحة سبقتها قمة ثنائية أزالت أقفال الأبواب المغلقة..
وقد تكون أزمة سد النهضة في طريقها فعلاً إلى الحل وينتهي هذا الملف باتفاق تخرج بعده إثيوبيا من كيمياء المعادلة التاريخية في العلاقات السودانية المصرية، لأن ملف سد النهضة هو ملف واضح ترغب الدول الثلاث في مناقشته والتواصل حول نقاط الخلاف والبحث عن سبل حله..
أما العلاقات السودانية المصرية فلم يتم إطلاقاً طرح جميع قضاياها وملفاتها الخلافية على طاولات النقاش الشفاف الموضوعي برغبة مشتركة لإنهاء هذه الخلافات بشكل تام كما يحدث الآن في ملف سد النهضة، لذلك تجنبت تصريحات القمة الثنائية الحديث التفصيلي حول ما تم بين الرئيسين بخصوص ملف حلايب وشلاتين الذي كلما رغب السياسيون في تقديم مظهر جديدٍ للتوافق وتشابك الأيادي أودعوا ورقته في جيب داخلي حتى يقضي الله بأزمة سياسية جديدة تستدعي إخراج تلك الورقة من طي التناسي مرة أخرى.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالى