قصة الاشقاء الثلاثة الذين اغتالهم مجرمي اليونيميس

في يوم الاحد 21 /1 /2018م الساعة الرابعة فجرا، وردتني مكالمة هاتفية من احد عناصر القوة الامنية المتمركزة في حي جبل دينكا، وقال لى انهم تلقوا بلاغا يفيد ان منزل العم “مور دينق كواج” تعرض الي هجوم مسلح في مساء السبت20/1/2018 وان ثمانية مسلحين مجهولين اوسعوا كل من في البيت ضربا بمؤخرة بنادقهم الاوتوماتكية، ثم اقتادوا ثلاثة اشقاء من المنزل وهم “دينق وايويل وكون” الي جهة مجهولة بعد ان تركوا المنزل خاوي على عرشه من الممتلكات
نهضت من السرير وانا في ذهول تام، اي، انني كنت بين مصدق ومكذب الذي سمعته بأذني، وحتى اقطع الشك باليقين، هرولت مسرعا في الحال حيث منزل الاسرة المنكوبة والذي لا يبعد عني سوى بضع امتار نحو الجنوب من حيث اسكن، وعند وصولي تأكدت لي الفاجعة التي ألمت بالاسرة الكريمة، ولان الاسرة كانت غارقة في نوبة البكاء عارم لم اجد من يشرح لي بالتفصيل حيثيات الواقعة الأليمة في تلك الصباح الحزين، غير انني شاهدت بعض افراد القوة الامنية الذين هاتفني احدهم وهم يتحسسون بنادقهم بغيه تعقب “اثر مزعوم” للمجرمين، فلحقت بهم، وانطلقت عملية البحث عن المفقودين، وكان جل التركيز على تقاطعات مجاري مياه الامطار والخيران العميقة.
لم يمض لبحثنا سوى دقائق معدودات حتى توقفنا عند صوت غريب يخرج من جهه الشرق، تعذرت لنا رؤية مصدره بالعين المجردة لان الظلام كان لا يزال يخيم على الجو الصباحي، فكان دليلنا الوحيد هو (حاسة السمع)، وبمساعدة اضواء المصابيح الكهربائية (البطاطير) التي نحملها تمكنا من الوصول الي مكان الصوت الذي كنا نسمعه، واتضح انه يعود لاحد الاشقاء المخطوفين (دينق) الذي توفي لاحقاً في المستشفي، وجدناه مرمى على الارض فاقدا للوعي ومصاب في جبهته اليسرى بعدة ضربات قاتلة بآلة الساطور، تكفل الباقين باسعافه بينما واصلنا نحن عملية البحث عن شقيقيه المفقودين وبعد مرور ساعة قابلنا رجل في مسن، وحكى لنا ان ثمانية مسلحين قبضوا عليه في ليلة أمس واجبروه تحت تهديد السلاح بان يحمل على رأسه بعض المنهوبات، ولم يخلو سبيله الا عند الطريق المودي الي مقر البعثة الاممية في البلاد (اليونميس) وقال ايضا ان ثمة شخصين أعزلين برفقة هؤلاء المسلحين يستخدمونهما في مهمة “دفر” عربة (الدرداقة) التي تحمل بعض الامتعة المنهوبة.
ولحسن الحظ كان الظلام يوشك على مغادرة الاجواء وهذا اتاح لنا رؤية اثر (لستك الدرداقة) التي تحدث عنها الرجل، تقصينا اثره على الارض ذهابا حتى انتهى عند باب اليونميس جنوب جبل كجور، وما ان رانا افراد قوات البعثة الاممية هرعوا نحو خنادقهم العسكرية المحفورة عند الباب واشغلوا محركات سياراتهم المدرعة تأهبا للقتال، ورايت ما يقارب تسعة اشخاص بالزي المدني، يبدو من ملامحهم انهم جنوبيون ويحملون اسلحة اوتوماتيكية ايضاً، واخذوا مواقعهم خلف خنادق قوات البعثة الاممية.
وتفاديا لوقوع حرب محتملة مع عناصر قوات البعثة الاممية تشاور افراد القوة الامنية الذين كنا نرافقهم ، عما يجب القيام به في هكذا ظروف، فاقترح احدهم ان يذهب اليهم عند الباب شخص مدني عادي لا صلة له بالعسكرية ليخبرهم ان هذه القوة العسكرية التى ترونها لم تأت لمقاتلتكم وانما في الواقع تتعقب مجرمين اجرموا في الليل ودخلوا بالمنهوبات وشخصين اسيرين الي مقر بعثتكم، وبالفعل تطوع الكثيرين ، بما فيه شخصي، ان نقوم بهذا الدور، الا كانت الاشارة دائما تاتينا من افراد البعثة الاممية تأمرنا بمغادرة المكان دون ان يسمحوا لنا بمناقشتهم في اي أمر، وتحت اصرار شديد منا على الحديث معهم اوفدوا واحداً منهم لمقابلتنا، وللأسف الرجل لا يتحدث الانجليزية ولا حتى العربية، فتعذر معه الحديث لاننا ايضاً لا نتحدث الفرنسية لغته، عدنا ادراجنا الي الوراء حيث القوة الامنية واخبرناهم بالامر. فقال لنا احدهم ان هنالك ثمة توجيهات اتت اليهم للتو من السلطات العليا تأمرهم بمغادرة المكان.
عدت الي منزل الاسرة المنكوبة وتحدثت الى واحدة من قريبات المخطوفين كانت متواجدة اثناء وقوع الحدث، فقالت لي انه في تمام الساعة “9” مساء أمس كنا نشاهد التلفاز داخل المنزل، وتفأجانا بقوة مسلحة تتألف من “8” افراد يحيطون بنا من كل الجهات، يحمل اربعة منهم سلاح الكلانشنكوف واخرين مسلحين بآلة الساطور، قاموا بتهديدنا وطلبوا منا تسليم هواتفنا لهم وفعلنا، فشرعوا في ضربنا ضرباً مبرحاً مقرونة بالسباب والشتائم ذات الالفاظ المسيئة الي اقليم بحر الغزال، وبعده اقتادوا ثلاثة من اشقائي ” كون وأيويل ودينق” الي جهة مجهولة، ونهبوا بعض ايضا ممتلكاتنا بما فيه التلفزيون الذي كنا نشاهده.
في منتصف النهار، هاتفني احدهم من الحي وقال لي ان الشرطة عثرت على (الدرداقة) المفقودة وبها بعض المنهوبات في نفس المكان الذي كنا نقف فيه في الصباح جوار اليونميس، فعدت مرة اخرى ووجدت جمهرة من الناس تقف فعلا امام الدرداقة، وفي الحين اتت ثلاث سيارات تتقدمها سيارة تابعة للبعثة الاممية واثنين تتبع للسلطات الامنية ، اتت ودخلت على عجل الي (حوش) اليونميس دون ان يعترضها احد، وبعد دقائق خرجت السيارات وغادرت المكان ولم نفهم ما دار بين الحكومة واليونميس في هذه الزيارة الخاطفة.
وبعد ثلاث ايام من الحادث وردتني نباء العثور على شقيقين مقتولين في ذات المكان الذي دوابنا على زيارته، فذهبت مرة اخرى لاجد ان الشقيقين قتلا فعلاً على طريقة شقيقهما الذي يرقد في المستشفي، وتوفى هو الاخر تزامناً مع خبر العثور على شقيقيه.
اما حكاية سيارة (اليونميس) المقبوض عليها عند السلطات الامنية، فبحسب مصادر متطابقة تحدثت معها اكدت لي انه بعد ان ارتكب مجرميي اليونميس فعلتهم بالابرياء، باعوا الاغراض التي نهبوها بالداخل وتورط بعض افراد البعثة الدولية في شراء هذه المنهوبات، ويجدر الاشارة الي ان هؤلاء في ليلة السبت يوم وقوع الحادث كانوا قد اعتدوا ايضاً على “كنيسة” مجاورة لمنزل الاسرة المنكوبة ونهبوا منها عددا من الكراسي، وتفيد ذات المصادر ان احدهم وهو من مصلى الكنيسة ويعمل مع اليونميس تعرف على هذه الكراسي بالداخل، واخطر ادارة اليونميس بالامر، فطلبت منه الادارة ان يبقى الامر سراً وتعهدت باعادة الكراسي الي مالكها في سرية تامة، ولكن الاخير لم يلتزم واخبر السلطات الامنية بخصوص التنسيق السري الذي يجري بينه وبين اليونميس بشأن الكراسي، وبناءً على ذلك وقعت سيارة اليونميس التي كانت تحمل الكراسي بغيه تسليمها في فخ محكم نصبته السلطات الامنية، ولكن سائق العربة تمكن من الفرار الي داخل المخيم ومعه مفاتيح السيارة.
تكفلت الاسرة المنكوبة بتكلفة ترحيل السيارة المقبوض عليها بالرافعة الي قسم شرطى (قوديلي) حيث البلاغ من حر مالها.
وذكرت مصادر أخرى مطلعة ان السلطات الامنية وجدت اثار دم بداخل السيارة ولم ترد سلطات اليونميس حتى هذه اللحظة على اسباب وجود هذا “الدم” في سيارة مملوكة لها، ويرجح الكثيرون من المتابعين للحادث ان الدم دليل على ان السيارة استخدمت من قبل في نقل جثتي الشقيقين بعد مقتلهما داخل اليونميس الي الخارج حيث وجدا يوم الاربعاء.
وأخيرا خرجت ادارة اليونميس من صمتها، بعد ان ضاقت ذرعاً بذيوع صيت سيارتها المقبوض عليها بتهمة عمليات اجرامية في كل ارجاء المدينة جوبا وجنوب السودان بصفة عامة، وقال رئيسها ” ديفيد شيرار” لوسائل الاعلام يوم الاثنين ان ايواء المجرمين ليس من ضمن المهام المؤكلة لبعثته في جنوب السودان، ووعد بحسم الامر في ادارته.
غير ان سلطات الشرطة ذكرت ان اليونميس سلمتها عدد ثلاثة افراد فقط يشتبه بتورطهم في الحادث الذي راح ضحيته ثلاثة اشقاء، ويجهل الجميع حتى هذه اللحظة مصير باقي المجرمين الذين لم يطالهم يد القانون!، هل لا يزالوا يتواجدون داخل اليونميس ام هربوا منه بعد ان سلمت الادارة ثلاثة منهم الي سلطات الشرطة؟ والسؤال الاهم اين تلك الاسلحة التي ينفذ بها المجرمين جرائمهم الان؟ هل سلمتها ادارة اليونميس ايضاً الي السلطات الامنية ام تحتفظ بها بالداخل؟ الايام وحدها كفيلة بالاجابة على هذه الاسئلة
ولنا عودة في ذات الموضوع.
ألقاكم.