ثم ماذا بعد انتهاء الدرس ..؟!

لا أظن ان الامر قد عاد يحتاج الى ايراد المزيد من الشواهد على ان الدرس قد انتهى ، وان النمر الذى ظللنا نظنه من عضلات وانياب قد اتضح انه من ورق غير مقوى , الادلة تترى بنفس سرعة تدهور سعر الجنيه : البشير يبكى ابراهيم شمس الدين والزبير امام الضباط “الاسلاميين !” ويرسل آخرين للقاء طه فى السعودية ولاطلاع القيادة السعودية بالدور الذى ينتظر منهم ، بدلا من ابلاغ اصحاب الوجعة التى مسحها البشير فى وجوه المدنيين ، الذين كانوا يعملون لمصالحهم الخاصة ، وطبعا العساكر، وهو على رأسهم ، كان قلبهم على الشعب المسكين ! وواضح ان المطلوب انقلاب يقوم به هؤلاء الضباط الاشاوس لطرد ماتبقى من المدنيين ? البطالين ? ووضع ماتبقى من الامر فى يد القوى الامين ، الاوهو الرئيس ، وليس اى احد آخر ، ليكمل فترته التى منحه اياها الحاج بلة !
أما فى القول الجد ،فان الانقلاب وارد كأحد المخارج التى يفكر فيها البشير ، خصوصا بعد فشل فكرة حرب الشرق التى ارسل اليها حامى الحمى السيد حميدتى ، وهو أحد العثرات التى قد تعترض طريق الثورة الذى عادة لايسير فى خط مستقيم . لذلك لابد للثوار وقياداتهم ان يتحسبوا للممكن والمستحيل والخيالى ، فالذى ستفقده هذه الجماعة الاشعبية والشبقة ، يجعلنا نتوقع ان يفعلوا مالايخطر على بال بشر ، كما ظلوا يفعلون ، للمحافظة عليه ، وليس أقل دليلا من اللجوء حتى لطه !
هذا الانقلاب ، او أى اسلوب آخر يفادى تغييرا جذريا، يجد الاهتمام والتأييد اقليميا ومحليا كما هو واضح من التحركات التى انكشفت حتى الآن ، وبالطبع فان ما خفى أعظم : الرواية غير المستبعدة من اللقاء الذى تم بين البشير وممثلين لامريكا ودولتين عربيتين ، وهى تنسجم مع مصالح هذه الجهات تماما ، وخصوصا الولايات المتحدة ، التى ظلت تستفيد من استغلال ضعف النظام وأخذ ماتريد ، ولكن الذى مازالت تريده بشدة وتسعى اليه فى تنافس مع القوى الاستعمارية القديمة والجديدة ? الثروات البائنة والكامنة ? يجعلها تبذل الغالى والرخيص لبقاء النظام وتجنب أى تغيير جذرى مثل الذى لابد انه حادث عند زوال المصيبة الانقاذية . وينطبق الامر على بعض القوى الاقليمية ، التى لازالت تريد الذهب والعبيد وتعتقد ? وبحق- انهما يتوفران عندنا !
اذن ما الضمان لتفادى الانتكاسات و العثرات التى ستسعى القوى المذكورة فى وضعها أمام الثورة حتى لاتصل الى مبتغاها ؟
وضح مماحدث حتى الآن ان جماهير الشعب قد توصلت الى مكامن قوتها ومكامن ضعف الخصم ، وهى بالتالى قادرة على استكمال ثورتها وان طال السفر . ولكن بما ان ظروف المعركة ليست مطابقة لظروفها فى المرات السابقة ، فلابد من وضع ماتغير فى الاعتبار : التدمير الذى تم بنجاح للعمل النقابى والمدنى عموما، يجعل من الصعوبة ان لم يكن الاستحالة نجاح سلاح الاضراب السياسى هذه المرة . أما المظاهرات فانه مع نجاحها فى كسر حاجز الخوف بل والوصول الى تخويف الخصم بدرجة جعلته يفقد البوصلة تماما ، الا انه يحد من زخمها ، بدرجة تكفى لاسقاط النظام ،عدة عوامل ، منها :
– الحجم الكبير للفئة المرتشية والمستفيدة من استمرار النظام زائدا حجم المتفرجين خصوصا فى العاصمة المتريفة .
– الحجم الكبير للمؤسسات الامنية والذى يمثل ضغطا على دخول المترددين الى ساحة العمل الثورى.
– عدم الاهتمام الكافى بل وعدم المبالاة من المجتمعين الاقليمى والدولى بما يحدث فى السودان لوجود نقاط اكثر سخونة حول العالم ولميل بعض هذه القوى لاستمرار النظام فى صورة أو أخرى . والادلة على ذلك كثيرة ،ليس اقلها مقابلة سكرتير الامم المتحدة للبشير فى هذه الظروف وصمت الاتحاد الافريقى وغيره من المنظمات والدول .
لهذه الاسباب ولغيرها فاعتقادى ان افضل السبل قد يكون هو العصيان المدنى ، اذ انه سيجذب اعدادا أكبر من المترددين ـ وسيغل يد الامن الباطشة الى حد كبير وسيؤثر على النظام فى كثير من الاوجه . الشرط الرئيس للعصيان هو تجويد التنظيم.فاذا كانت المقارنة بين مظاهرتى 16 و31 يناير هى ان الاولى كانت اقل عددا وأكثر تنظيما ، فان العصيان يحتاج الى تنظيم ادق ولزمن أطول . كذلك لابد من توفر امكانيات مادية تجعل الجماهير قادرة على العيش ولو بتوفر الخد الادنى من الاحتياجات اليومية . ولأهمية هذا الشرط فانى اوجه بحديثى الى القادرين من الناس ، خصوصا من الراسماليين غير الاسلامويين ، فأقول لهم : انتم أدرى بما فقدتموه طوال الثلاثة عقود الماضية ، ولكنكم فى هذه الايام تفقدون قيمة مالديكم من اموال كل ساعة وهى موجودة فى حساباتكم المصرفية او فى خزائنكم، أفليس من الاجدى ان تساعدوا بها على تنفيذ واستمرار العصيان بتوفير احتياجات الناس ، وبالتالى الاسراع بانهاء الدرس فى أقل زمن ، وهو ما سيكون فى صالح الجميع ، خصوصا وان هذه الجماهير ستتلقى هذه المساعدة وقد قدمت السبت بتحمل ثقل كسر حاجز الخوف ؟!
وعند انتهاء الدرس بالسيف او بغيره ، فيبقى السؤال اللينينى الخالد : ماالعمل من بعد ؟
لاأزعم ان لدى الاجابة الكاملة ، ولكنى أطرح بعض الافكار علها تكون بداية لمناقشة ضرورية وعاجلة ، الآن ولي غدا :
أولا : جميل جدا ان المعارضة قد توحدت أخيرا وطرحت رؤية متفق عليها ردا على السؤال الذى ظللت أكرر انه احد موانع التفاف الناس حول المعارضة ، وهو : ماهو برنامجكم بعد زوال النظام الذى خدع الناس لفترة من الزمن ببعض الشوارع والكبارى من فائض ما وقع من الجيوب المتخمة بمال البترول والذهب والضرائب ؟! غير ان هذا البرنامج يحتاج بالطبع الى تفصيل وتطوير ، والاهم من ذلك جهة منفذة لايشغلها شاغل آخر حتى تكون قادرة على انجاز المهمة شبه المستحيلة باصلاح الخراب الاقتصادى والاجتماعى والسياسى ،بل وفى كل مجالات الحياة وفى اقصر مدى ممكن . ولكى يحدث ذلك فلابد من توفر شروط اساسية تؤخذ من تجاربنا الماضية ومن مواصفات الحالة المحلية والاقليمية والدولية التى تحيط بنا ، ومن أهمها :
– ان تتكون الحكومة من تكنوقراط غير حزبيين وغير ملوثين بالمشاركة فى الانظمة الدكتاتورية السابقة جميعها .
– يساعد الحكومة مجلس متعدد التخصصات من الخبراء والمستشارين فى وضع الخطة والاشراف على التنفيذ الحكومى لها. ولاباس من دور للقوى السياسية والمدنية فى رفد الحكومة والمجلس الاستشارى بالرؤى والافكار .
– ان يتم الالتزام باستمرار الفترة الانتقالية المتفق عليها فى جميع الاحوال والظروف وتحت حكومة ذات نفس الصفة التكنوقراطية حتى لو لزم تغيير بعض الاشخاص لعدم الكفاءة .
– التصفية الدقيقة لبقايا نظام الانقاذ فى الخدمة المدنية والمؤسسات النظامية ? الجيش والشرطة والامن وتوابعهم .
– تكوين مجلس سياسى تمثل فيه الجهات السياسية الحزبية والمدنية بالتساوى تناقش المستجدات السياسية المحلية والخارجية ويكون اساسا لوضع الدستور الدائم للبلاد . كذلك من الادوار المهمة لهذا المجلس ان يضع اسس المحاسبة لجرائم الاتقاذ والعمل عل استرداد الاموال المنهوبة وتحسين العلاقات الخارجية والعمل على اعفاء الديون وفوق كل ذلك المحافظة على النظام الديموقرطى وبسط الحريات للجميع لتتفتح الف زهرة وزهرة .

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..