تنظيم العبور ..ام مكافحة التهريب ؟!

نبض المجالس
منذ أن تسلم الأخوة الجنوبيين دولتهم ويمموا شطر الجنوب عبر إرادة الانفصال (السياسي) قبل حوالي ست سنوات واسسوا دولتهم الوليدة علي أنقاض الحرب الأهلية التي قضت على أخضر الأرض ويابسها منذ ذلك التاريخ أخذت العلاقة بين الدولتين (السودان القديم في الشمال والدولة الوليدة في الجنوب ) أخذت طابع الشد والجزب والشك والتربص واضحت هذه العلاقة وكأنها رهينة للمزاج السياسي بين القيادة السياسية في كلا الدولتين وصاحب ذلك أن الحدود بين الدولتين أصبحت خطوطا ساخنة لم تهدأ إلا لتبدأ طورا جديدا من التعقيد والتوترات مما أثر بشكل فاعل علي حركة النقل والعبور بين الحدود، خصوصا أن الانفصال الذي حدث بين الدولتين كان أشبه بالانفصال السياسي المجرد من أي توابع أخري فالجنوبيين أو معظمهم يبدو وكأنهم لم يدركوا حقيقة أن هناك دولة أخري في الجنوب يجب أن يتعايشوا مع واقعها ويعملوا علي إعادة بناءها من جديد مهما كانت ظروف تلك الدولة ولكن آثرت كتلة كبيرة منهم البقاء داخل حدود (الدولة السودانية الأم ) أو عاد بعضهم حينما اشتدت قسوة الحرب هناك والتي لم تكن هذه المرة بين الجنوبيين و (الجلابة ) كما كان متعارف عليه وإنما بين الجنوبيين ومليشياتهم القبيلة والعسكرية.
لم يكن من السهل أن تتخذ القيادة السياسية في كلا الدولتين إجراءات أو قرارات حاسمة لإغلاق الحدود في حركة الدخول والخروج بين الشعبين وبالاخص المجتمعات القبيلة التي تتواجد علي امتداد الحدود الممتدة والفاصلة بين الدولتين لم يكن هذا ممكنا حتي في أسوأ مراحل الحرب أو القطيعة السياسية والدبلوماسية بين دولة الشمال( وربيبتها ) في الجنوب بحكم الطبيعة والتمازج والتداخل القبلي وأيضا بحكم أن الجنوبيين ليس أمامهم أي خيارات سوى العودة إلى الخرطوم التي كانوا قد لوحوا في وجهها مع نشوة الانعتاق (بأي. .بأي خرطوم ) .
ولكل هذا فإن (المعابر ) بين الدولتين فهي مفتوحة اصلا ولا تحتاج إلي قرارات رئاسية أو ولائية باغلاقها أو فتحها من جديد علما بأن قضية الحدود هذه بين الدولتين لم تحسم حتى الآن بشكل نهائى ولكنها لازالت (عالقة ) تتفاعل وتتحرك بحسب المزاجات والتضاريس السياسية وبحسب المناخ السائد بين القيادتين.
بالأمس اصدر نائب رئيس مجلس الوزراء القومي السيد مبارك الفاضل قرارا رسميا قضى بتشكيل لجنة اتحادية خاصة برئاسة وزير النقل والطرق المهندس مكاوي محمد عوض وتعنى هذه اللجنة بفتح وتنظيم المعابر في الحدود بين الدولتين السودانيتين (الشمالية والجنوبية ) ربما يمكن فهم هذه الخطوة من الحكومة في سياق عدم قدرتها علي سد كل المنافذ التي تسربت عبرها معظم المنتجات والسلع الضرورية الي دولة الجنوب وغيرها من دول الجوار عبر نشاط تهريبي منظم ولذا فكأنما تريد الحكومة أن تدعو هؤلاء المهربين للعبور بسلاسة عبر محطاتها الي دولة الجنوب فالتهريب ظل عاملا أساسيا في إفشال السياسات الحكومية الخاصة بالدعم الاجتماعي لمواطنيها أو هكذا تعتقد الحكومة فكلما انتعشت حركة التهريب عبر الحدود كلما تقاصرت قيمة الدعم الاجتماعي، فهذا المعادلة لابد للحكومة من معالجتها اما بإغلاق أو ضبط عمليات العبور أو من خلال تبني المزيد من مشروعات الدعم الاجتماعي للشرائح المتضررة من سياساتها لدعم للسلع الضرورية، وليتنا هنا نفهم فكرة الحكومة وعبقرية في تشكيلها لهذه اللجنة والتي حشدت لها كما جاء قرارها كل الجهات ذات الاختصاص ..فهل تفلح هذه اللجنة في ضبط وتنظيم عمليات العبور وتوقف التهريب إلى دولة الجنوب.؟!.