العولمة .. ثقافة واحدة .. أم ثقافات متعددة؟

نجوى الفوال: تفاعل الثقافات أهم إيجابيات العولمة، ود. أنور مغيث: لا بد من تطوير آليات الثقافة العربية لبلوغ طور التحدي.

ميدل ايست أونلاين

هيمنة أم تفاعل؟

اختلف مفكرون مصريون حول ظاهرة العولمة التي اكتمل عقدها، بعد أن شملت جميع المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، لتصبح واقعًا ملموسًا، حيث رأى البعض أن العولمة تفتح العالم بثقافاته المتعددة على مصراعيه أمام إنسان القرن الحادي والعشرين، ليصبح أمام مصادر متنوعة للعديد من الثقافات، يختار منها ما يشاء، بالإضافة إلى اتساع هامش الحرية المتاح للإنسان العربي، لاسيما بعد هذه النهضة الشمولية على المستوي الإعلامي، فيما اعتبر آخرون العولمة هي استعمار جديد للدول النامية، بعد أن فشلت الدولة العظمى في استعمارنا عسكريًا، حيث إن إزالة الحواجز والتعريفات الجمركية بين الدول المتقدمة والنامية، وتحول العالم إلى قرية واحدة مفتوحة، سيوفر مناخًا تنافسيًا غير متكافئ، مما يترتب عليه انهيار الاقتصاديات الضعيفة، فكيف نستفيد من العولمة، وفي الوقت نفسه نواجه الهيمنة التي تفرضها ثقافة العولمة؟

لقد تساءل المفكر الراحل محمود أمين العالم عن المقصود بثقافة العولمة؟ وهل المقصود بها أن العولمة أفرزت بشكل تلقائي ثقافة إنسانية كلية موحدة، أزالت – أو في طريقها لإزالة – الخصوصيات الثقافية العامة؟ أم أن المقصود بها أن العولمة قد أضافت ثقافة إنسانية موحدة جديدة، إلى جانب الثقافات القومية الخاصة المتنوعة؟ وهذه التساؤلات تفرض تساؤلاً آخر حول طبيعة العلاقة بين هذه الثقافة العالمية (ثقافة العولمة) وبين الثقافات المحلية المتفردة: هل هي طبيعة تجاور ومعايشة أم تنافر وإحلال؟

ولذلك فإنه علينا أن نحدد أولاً وقبل كل شيء حقيقة العولمة وطبيعة العلاقة بينها وبين الثقافة، فالعولمة بصورة موجزة هي مرحلة راهنة من مراحل تطور الحضارة الإنسانية عبر مسيرتها التاريخية، فهي شكل من أشكال سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي سيادة عالمية شاملة، مما يترتب عليه توحد العالم نتيجة دخوله تحت نمط واحد من الأنماط الأيديولوجية.

وقد بدأ تشكل هذا النمط الرأسمالي منذ القرن السادس عشر، حيث اتسم بالتنافس والتنوع إلى أن بلغ في الثمانينيات من القرن الماضي، صورته شبه النهائية، وعندئذ تنبهت أنظار العالم ليس فقط على المستوي السياسي، بل تم ذلك على المستوى الاقتصادي أيضًا، وعندئذ تمكنت بعض الدول من السيطرة على العالم سيطرة شبه كاملة، وفي ظل هذه السيطرة تشكلت طبيعة علاقة الدول الأقوى بمن هي أضعف منها، حيت اتسمت الروابط بينهما بالهامشية، كما سعت تلك الدول القوية إلى استغلال الدول الضعيفة، ولا يخفى على أحد الآن وجود سبع دول كبرى تسعى إلى الهيمنة الكاملة على العالم.

إن العولمة قد اتسمت بطابع الهيمنة، أي هيمنة بعض الدول الكبري ذات القدرة الإنتاجية المتقدمة على بقية دول العالم، ولهذا كان من الطبيعي أن تسعى هذه الدول الرأسمالية المتقدمة إلى تنميط العالم تنميطًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. ومن هنا تتضح ثقافة العولمة بأنها ثقافة الدول الأقوى، التي ستفرضها مع الجوانب الأخرى كالسياسية والاقتصادية، فكما أن لكل مجتمع ثقافته الخاصة، كذا العولمة لها ثقافتها المرتبطة بها والمعبرة عنها، ووفق هذا المنظور فهي ثقافة حتمية لا مفر منها.

? إيجابيات وسلبيات

د. نجوى الفوال أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ترى أن أهم الآثار الإيجابية للعولمة، هو فتح العالم بثقافاته المتعددة على مصراعيه أمام إنسان القرن الحادي والعشرين، ليصبح هذا الإنسان أمام مصادر متنوعة للعديد من الثقافات يختار منها ما يشاء، بعد دراسة ووعي، وفي ذلك ميزة له لم تتوافر لإنسان الفترات الماضية – ولاسيما حقبة الستينيات في مصر علي سبيل المثال – حيث فرضت الدولة عليه ثقافة معينة تخدم مصلحتها وتوجهاتها وحجبت عنه غيرها من الأشكال الثقافية.

وهناك جانب إيجابي آخر وثيق الصلة بما سبق، يتمثل في اتساع الهامش المتاح من الحرية أمام المواطن، لاسيما بعد هذه النهضة الشمولية على المستوى الإعلامي، والتي من خلالها تطرح كل القضايا للمناقشة بلا تحرج أو خفاء، وهو ما ينجم عنه ثراء وتنوع في المعلومات ومن قبلها مصادرها، أما أبرز الجوانب الإيجابية في ظاهرة العولمة، فهو تحقيق وحدة العالم المنشودة، وخاصة بعد هذا الكم الرهيب من الصراعات، فضلاً عن توسيع وتعميق الثقافات الإنسانية مع تشابكها وتفاعلها تفاعلاً كبيرًا.

وتري د. نجوى الفوال أن من سلبيات العولمة وأكثرها تشعبًا لما يترتب عليها، هو تأثير العولمة على الهوية القومية بالسلب؛ إذ أن الدول الرأسمالية الكبرى تسعى من خلال العولمة لفرض ثقافتها القومية الخاصة وعولمتها دعمًا وتعميقًا لهيمنتها السياسية والاقتصادية، فإذا لم تكن الثقافة القومية قوية حدثت لها تشوهات كاملة قد تصل إلى درجة الطمس، فتلك الوحدة المزعوم تحقيقها من قبل العولمة، من المفروض أن تكون وحدة متجانسة لا وحدة مفروضة لمصلحة طرف مهيمن على أطراف أخرى، ولمواجهة هذا الجانب السلبي تطالب الفوال بالعمل على رفع كفاءة الثقافة القومية، حتى تستطيع مواجهة الفرض المتوقعمه من قبل ثقافة العولمة، وذلك من خلال رفع ثقافة الفرد بتطوير التعليم وتنشيط وتنمية وسائل الاتصال المختلفة.

? ثلاثة وجوه

د. أنور المغيث أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان يقول: يمكن معرفة طبيعة كل من الثقافة القومية وثقافة العولمة، وكذا معرفة طبيعة العلاقة بينهما، وسبل حل تلك الإشكالية من خلال ثلاثة وجوه: وجه تبريري وآخر للتكيف وثالث للمواجهة، فالأول يعمل على تسرب معطيات الثقافة إلى أصحابها من خلال تقديم تبريرات وبراهين على صحة تلك الصورة التي ينشأ عليها الفرد، بينما يعمل الثاني على ترسيخ تلك الصورة وتكيف الأفراد على التعايش من خلالها على المستوى القومي أو المحلي ثم على المستوي العالمي، ومن هنا يأتي الوجه الثالث، الذي يقوم بحماية تلك الثقافة، أولاً من الطمس ثم تهيئتها للاستفادة من الثقافات الأخرى.

أما د. هالة مصطفى أستاذ العلوم السياسية فتنتقد الوضع الثقافي الراهن، فهو – كما ترى – سلفي الطابع يغلب عليه الركون إلى الماضي دون سعي حقيقي للتجديد والتطوير والعمل على المواجهة الموضوعية والصادقة لتحديات العصر، التي يأتي على رأسها ظاهرة العولمة وخطرها على واقعنا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا: فالعولمة ببساطة عملية تجديد للرأسمالية بعد انهيار النظام الاشتراكي، ولكنها رأسمالية ناتجة عن التطورات التكنولوجية والمعلوماتية المذهلة، وهو ما يجعل الأمر جد خطيرًا؛ حيث يترتب عليه إزالة الحواجز والحدود والرسوم الجمركية بين الدول، وبالتالي قيام الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات، والنظرة الموضوعية لمثل هذه الإجراءات تكشف مدى خطرها على الدول التي لم تتجاوز صفة المجتمعات الزراعية – وما أكثرها – والتي ستقف في مواجهة ظالمة مع دول تجاوزت عصور ما بعد الصناعة، وهناك إشكالية أخرى خاصة بالثقافة العربية في مواجهة ثقافة العولمة، وهذه الإشكالية تتعلق باللغة العربية والتي توصف بأنها مليئة بالتناقضات المتنافرة وازدواج الرؤى.

في حين يهاجم د. حسام عيسي أستاذ القانون بجامعة عين شمس ثقافة العولمة مؤكدًا أنها تهدف إلى طمس الثقافات القومية وفرض ثقافة عالمية موحدة، حيث إن العولمة هي الوجه الحديث للاستعمار الذي فشل في السيطرة الدائمة على شعوب العالم الثالث من قبل عن طريق الاحتلال العسكري، وعندما تبين له عدم جدوى الغزو العسكري سعى إلى غزو آخر، وهو الغزو الثقافي أو ما يسمي ثقافة العولمة، فهما وجهان لعملة واحدة، وليس أدل على ذلك من الجانب الاقتصادي للعولمة، فإزالة الحواجز والتعريفات الجمركية بين الدول المتقدمة والدول النامية، وتحويل العالم إلى قرية واحدة مفتوحة – من شأنه توفير مناخ تنافسي غير متكافئ – مما قد يترتب عليه انهيار الاقتصاديات الضعيفة إزاء المنافسة الشرسة وغير العادلة من اقتصاديات الدول المتقدمة، والوضع الثقافي غير ذي فرق كبير من هذا الوضع الاقتصادي.

تعليق واحد

  1. لا ننسي ان الاعلام هو الناقل الاساسي للثقافات من مكان الي آخر وبما ان الاعلام اصبح موجه وتحت سيطرة الثقافات الاغني فهذا يعني ان العولمه تفيد الاغني والذي يملك الاموال وتنشر ثقافته وتطمس الفقير الذي لا يستطيع ان ينقل ثقافته بالصوره المرجوه

  2. “أما أبرز الجوانب الإيجابية في ظاهرة العولمة، فهو تحقيق وحدة العالم المنشودة، وخاصة بعد هذا الكم الرهيب من الصراعات، فضلاً عن توسيع وتعميق الثقافات الإنسانية مع تشابكها وتفاعلها تفاعلاً كبيرًا.”

    نعم، وهى كذلك.

    “وتري د. نجوى الفوال أن من سلبيات العولمة وأكثرها تشعبًا لما يترتب عليها، هو تأثير العولمة على الهوية القومية بالسلبيّة إذ أن الدول الرأسمالية الكبرى تسعى من خلال العولمة لفرض ثقافتها القومية الخاصة وعولمتها”

    من الجيّد أن تؤدّى العولمة إلى إذابة الهويّات “القوميّة” لفتح الطّريق أمام تشكّل هويّة أكثر “كونيّةً”. أمّا القول بأنّ الدّول الرّاسماليّة الكبرى تسعى من خلال العولمة لفرض ثقافتها القوميّة الخاصّة فهو قول مردود، ﻷنّنى لم أسمع يوماً بهويّة قوميّة “أمريكيّة” أو بهويّة قوميّة “أوروبيّة” بالمفهوم التّقليدى للقوميّة، ﻷنّ تلك البلدان هى بلدان تتألّف من قوميّات متعدّدة تتمازج وتتماهى فى بعضها مكوّنة بلداً واحداً.

    لقد بدأ قطار العولمة بالسّير منذ وقتٍ طويل ولم يعُد بمقدور أحد إيقافه أو تحديد خطّ سيره أو التّنبّؤ بالمحطّات التى سيمُر بها.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..