ما مِتنا ولكن ذُبحنا في عٌتمة الصمت!!

خلف الستار

كان أخر لقاء لنا في مدينة نيالا البحير عند إنفجار مشكلة دارفور،حيث تم الترتيب علي أن نذهب ثلاثيتنا سويا للعاصمة،ومنها يُغادر أخي الأكبر {علي مهاجر} الي جامعة دنقلا،ونتجه أنا {صالح مهاجر}وأخي الكبير {عبدالرحمن مهاجر}صوب الجزيرة الي مقر جامعة القران الكريم حيثُ أخذ،ثم أودعه قاصدا مدينة المناقل التي أدرس فيها الإنتاج الحيواني وهي إحدي كليات جامعة الجزيرة العريقة،وبعد الإنتهاء من الخطه قال لي علي إذهب أنت للوالد في شمال دارفور،وبشره بخبر قبولنا في الجامعات هذا العام وأبلغه تحياتنا ثم عُد،وأما أنت ياعبدالرحمن أبقي هنا وعليك بالتجهيزات،وأنا سوف أذهب الي منطقة بالقرب من زالنجي ومعي بعض الإسبيرات لعربة عمي المتعطلة،وسأعود حالاً بعد المُعالجة كي نلتقي ونأخذ قطار المشترك الي العاصمة،وبعدها قصد كل واحدٍ منا مرماه وكنا فرحين جدا،وكنتُ الأكثر فرحا لأني متجهاً نحو ملاقاة أبي وأحمل في جوفي عدة بشريات!وعندما وصلت الفاشر هاتفت علي وسألته عن أخباره فقال:الأن أمكثُ في مدينة كاس غربي نيالا بمعية الخوال الكرام،منتظراً رحلات اللواري التي تغادر الي منطقة كورلي،ولا تقلق بشأني فقط إنطلق ليس أمامك الكثير من الوقت،وهاتفني عندما تصل وأرجوا أن لا تضيع الكثير من الوقت،ولا تقلق البته بشأن المال لأني أدخر منه ما يكفيفينا هذا العام.
ومضيتُ حتي وصلت لمقر الوالد في منطقة{حِيليلية}حيثُ وجدتُ الكثير من الترحاب،وبشرياتي غمرت الأجواء بالمزيد من البهجة والسرور،وجُلست مع والدي نتفاكر كم من الأبقار يُمكن بيعها كي تُكفينا حد المصروف،وفي تلك المناخات الخاصة التي تتحدثُ فيها الوالدة بملء أشداقها لنساء القرية،عن مدي فخرها وفرحتها بدخول أبناءها للجامعات،جاءنا رسول من المدينة يحمل نبأ آليم أفسد فرحتنا وأصابنا بالصدمات،حينما قال أن الجنجويد قتلوا إبنكم {علي مهاجر} وهو عائدا الي نيالا!وتم فتح بلاغ ضد مجهولين وقالت السلطات إنهم مجرمون مٌحترفون وقطاع الطرق،يمتلكون أسلحه حديثة ولا نستطيع تتبعهم وليكن الله في عونكم كثيرون يموتون هكذا!وقطعا إبنكم لم يكن الأول ولا الأخير بس ربنا يصلح الحال.
فحدث ما حدث ولكم أن تتخيلوا حجم المأساة في لب الفرحة!وكيف تصبح الدنيا مُظلمة في رمشة عين،تتحطم فيها الأحلام والطموحات لغدٍ أجمل،وينقلب المسار المرسوم سلفا وينهد في لحظة،فأفكر في شراء السلاح كي أنتقم من القتلة،وتارةً أخري أرجح كفة تفكيري في الإنضمام للحركات المسلحة،التي ظهرت بشراسة وقتها وتمتلك فنوناً مُتقدمة في القتال،جذبت لها العديد من الشباب وقلت يجب أن أكون قائدا،وأقود كتيبة من المُقاتلين الأشاوس وأدك كل حصون أؤلئك الذين يقتلون الأبرياء ويملاؤون الأرض جورا وفسادا،فتصارعت في جوفي كماً هائل من الهمم والخطط التي لم تري النور،وظلت تغلي كلما أزور قبر أخي أترحمه،وبقيت الغصه تطعن في الحلق سنينا لا تعرف معني النسيان،وفي إحدي الليالي المطيرة في الخارج راودني الحنين الي دياري،فهاتفت عبدالرحمن وقال لي قد أصبحتُ مديرا للإستثمار ببنك الإدخار،وإشتريتُ عربة موديل بالأقساط وقطعة أرض سكنية،فسرني ذلك كثيرا وغمرته بوابل من التهاني وكلمات التشجيع،وطلبت منه تكملت مراسم زواجه كي يُصبح موظفاً أكثر مسؤولية،وقلت له قسما لن أنتظرك بعد هذا العام{2016}إن لم تفعلها،قد كبرنا ويجب نسف حصون العزوبية بصواريخ باتريود!فتبسم ضاحكا وقال:ما رأيك في 14/2 القادم نقتحم فيه سويا القفص الذهبي،فقلتُ تاريخ جميل يستاهل التخليد والإبتهاج،إذن عليك مُغادرة جوبا التي تعُمها الفوضي بسرعة وستجدني في لهيب الإنتظار،فبدأت أحزم أشيائي بكل جد ولهفة،منتظرا عيد الكريسمس كي أودع النصف الأخر من بلادي،وفي عز تلك الأجواء المُفعمه بالحيوية وصلني نبأ إختطافه يوم 11/1/2016 فتركت كل ماهو أمامي وخلفي،وإتجهت نحو الخرطوم ومنه لفاشر السطان،لأن هنالك أنباء تشير الي إخفائه في مناطق شرق جبل مرة،والناس يحكون أن العصابات التي تخطف وتساوم،لهم العديد من المخابيء والأوكار يحتجزون فيها الرهائن،ويطالبون بالفدية عليك فقط إجراء عمليات تفاوض ناجحة!فإنطلقتُ صوب تلك المناطق وجالست زعيمهم،الذي رحب بي ترحيبا حارا عندما قلت له أخي موظفا في البنك،ونحن كأسرته جاهزون لتسوية الأمر فتبسم ثانيةً وقال:ده الشغل جيبو ليهو الشاي،بالمناسبة إنتا زول فاهم تعرف الأوصول بس خليني أعمل تلفونات للعيال،وبعد كمية من المحادثات إعتذر لي متأسفا،وقال:اي في مجموعة بس أخوك ما معاهم وكان تضمن لي حقي،بلمك مع زعيم المنطقة المجاورة وش البقرة،هو رجل فاضل ومخضرم والجماعة البخطفوهم من جنوب دارفور بشتريهم وبربح فيهم،فإتصلت به فقال:أنا هسي مشغول في تجهيزات قواتنا لأنو الحكومة دايرة ترفعهم قدام،يبقي أرجع لي بعد تلاتة أيام وخليك جاهز بديك النجيض،وبعد المدة رد مُعتذرا إنو أخواك ما جابوا لينا جاي،بس فتشوا إن ناس الأمن غادي،وعلي تلك الشاكلة ظللتُ أتجوال في مناطق دارفور عاما ونصف دون جدوي،وذات مرة هاتفني أحد الذين أطلق سراحهم بعد إختطاف دام 13شهرا،وقال:قبل مده جاء أوناس قرب قريتنا يستغلون عربة بوكس،ومعهم رجل مُقيد يرتدي جلابية قتلوه وأحرقوه بالوقود!فهرولتُ الي تلك المنطقة قرب الجنينة،بعد إكمال إجراءات نبش القبر لأخذ عينة ومقارنة الدي أن آي بجيناتي،وفي خاتمة المطاف جاءت النتيجة مختلفة،وعندما أعود لمنزلنا أجده يفتقد طعم الحياة،ومتوشحا بجلباب الحداد ويكاد يجف فيه دموع الوالدة،الأخوات وجموع نساء المنطقة،وقلقهم يزداد بذهابي وعودتي دون نتيجة!وبعدما أمسكت بمجموعة من المتهمين من خلال هاتفه،الذي ظل يعمل لستة أشهر بعد إختطافه!ومعظم المتهمين يتبعون للأجهزة الرسمية بمختلف مسمياتها!وفي تلك الأزمنة زادت وتيرة التهديدات من زويهم،وأتباعهم الذين يستغلون اللاند كروزرات المدججه بالأسلحة الثقيلة،وبفوقها رعاة أبقار وأباله مُلثمون أعينهم تشعُ حمقاً وكراهية للمجتمع،فإمتنع أغلب الشهود للإدلاء بشهاداتهم خوفا من البطش،ويقولون والله قلبنا معاك بس الله غالب دي ما بلد!
والمُثير للإندهاش بعض المتهمين يفتحون بلاغات ضدي،وضد عبدالرحمن بالتزامن عند القبض عليهم،ويحررون مرارا وتكرارا العديد من أوامر القبض حتي في المُختطف نفسه،فهم مع أجهزتهم ليسوا سوي شرذمه يعبثون بالقانون كما يشاءؤون!حتي المحامون يرفضون القضية ويقولون:الجماعه ديل عندهم ضهر والقصة دي ما بتمش!كما أن أفراد المباحث يغضون الطرف ويتزاوغون،وقال أحدهم بصراحة ناسك ديل كان قبضناهم أكل عيشنا بنقطع بس أعفي لينا!لستُ أدري في أي عهد نعيش نحن؟وكرامة الإنسان تنتهك علنا نهارا جهارا أمام الجميع والناس صامتون!إعلموا أيها السودانيين/ت إن هذة قضية من ضمن الاف القضايا المتكدسة داخل أضابير الوطن،وفي اقسام الشرطة التي لا تقبض علي المُجرمين،والمحاكم التي لا تعرف كلمة العدل،فالمواجع متزايدة والمتفرجون سوف ينهلون من مواعين العذاب غدا أو بعده،طالما ذبح الإنسان في بلادي بات مشروعا أمام الجميع.

صالح مهاجر
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..