مقالات سياسية

وهذا أُهدي لي..!

من القرارات التي لم تجد تفسيراً منطقياً حتى الآن، ذلك الذي صدر قبل أيام بخصوص التهريب، حيث قضى القرار بمنح الجهات التي تقوم بإحباط عمليات التهريب (50%) من قيمة البضاعة المهربة، وبصورة أوضح، إذا أحبطتْ قوات الدعم السريع عملية تهريب لـ(100) كيلو من الذهب، فلها وفقاً للقرار، (50) كيلو، أما الـ(50) الأخرى تذهب لخزينة الدولة.

تزامناً مع القرار الغريب، جاءت الأخبار أنَّ سلطات الأمن بمطار الخرطوم الدولي، أحبطتْ محاولة تهريب سبائك ذهب تقدر بـ (1.5) كيلو، وهذه سوف يذهب نصفها لسلطات المطار، والنصف الآخر لخزينة الدولة، أو هكذا ينبغي.

الجهات التي تقع عليها مسؤولية التهريب، هي بالضرورة، الشرطة، الأمن وقوات الدعم السريع في الحدود.. ما يعني أنَّ هذا القرار يخص هذه الجهات، والهدف ربما هو تحفيز هذه الجهات لتنشط بشكل أكبر وجدي في مكافحة التهريب.

قبل أيام قليلة، تفجرتْ قضية تجار منطقة الفادنية، هذه القضية الشائكة والواضحة في نفس الوقت، لم تكتشفها سلطات المطار، لكنَّ خلافاً بين التجار ومعاونيهم في المطار فتح الباب أمام قصص من ألف ليلة وليلة، الأمر الذي أشار بوضوح إلى عمليات تهريب تتم وينجح منفذوها بدرجة الامتياز، وهو ما أقرَّ به وزير الدفاع.

محاولة لتفسير هذا القرار، ربما توصلت السلطات إلى معلوماتٍ تفيد أنَّ تهاوناً وتعاوناً يتم في عمليات التهريب، فأرادت وضع حوافز مغرية، بدلاً من معالجة الأمر بسد هذه المنافذ، إن كان بسد الثغرات الأمنية، أو بالمحاسبة الفعَّالة لمن يثبتُ تورطه أو تعاونه.

بلا شك، هذه الجهات، وهي قوات شرطية وأمنية، المستفيدة من القرار، لكن السؤال، أليس مكافحة التهريب من صميم مهامها، معلوم أنَّ موازنة الدولة، درجتْ على مدى سنوات أن تمنح بندي الأمن والدفاع أولوية الصرف، فما المنطق في أن تحوز مرة أخرى على (50%) من قيمة البضائع المهربة؟

بصراحة، هذا الوضع يعكس صورة مثيرة للاستفهامات والتساؤلات، هل تقاعست الجهات الرسمية في مهامها الرئيسية واضطر الأمر إلى تحفيزها بنصف القيمة؟.

إن كان الهدف الرئيسي في مثل هذه الإجراءات والقرارات هو محاصرة الأموال الهاربة وإعادتها إلى خزينة الدولة، فقد ارتكبتُ جريمة مال عام جديدة، ففوق أنَّها أضاعت نصف قيمة المال بذهابه إلى فئة محددة، فهي أيضاً اقتربت من حدود الرشوة.
التيار

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..