صرخة أم مجروحه للإنسانية جمعا!!

خلف الستار
قد يُفزع صرختها البعض لأنها من إحدي الأمهات السودانيات مفطورات القلب والجبين،تُدعي زهراء إبراهيم وتُكني بأم علي علي إبنها الأكبر،وهي أم لسبعة أبناء ثلاثة بنات وأربعه بنين،يكبرهم علي ويليه عبدالرحمن ثم الاخرون،أنجبت الأول والثاني في قريتها مهد صباها وسط أهلها الطيبين،ثم هاجرت مع زوجها مهاجر الي مدينة نيالا غربي السودان،ومكثوا فيها زهاء العقدين فأنجبوا بقية أبناءهم،وطيلة هذه المدة لم يروق لهما حياة المدينة البازخه،فعادا مرة أخري الي موطنهم الأصل بصحبة الصغار،والكبار تركوهم للدراسة في المدينة،رغم إيمانهم بمهنة الزراعة ورعي الماشية أفضل لهما ولي أبنائهم،ولكن تأثيرات حياة المدينة جعلت أم علي تحلم بأن يصبح أبناءها دكاترة ومهندسين،فمنذ عودتها للقرية ظلت تمارس مهنتيها المُفضلتان،التي ورثتهما من أباءها وأجدادها بإتقان بالإضافة الي صناعة منتجات الألبان بأنواعها،وبيعهم في الأسواق وتصدير السمن والزبدة للمدن الكبيرة،وتجمع مالها وتدخرها ليوم الفرح الكبير،وأحيانا ترحم نفسها وأطفالها من شراء الكثير من الإحتياجات،والذين يحتجون ترد عليهم من أراد منكم حياة أفضل،عليه بالإجتهاد في دراستة ومنْ يفعل ذلك سوف يلتحق بأخوته في المدينة،وغالبا تدندن في مزرعتها صباحا وهي تقطع الحشائش،وعند عودتها في المساء علي ظهر دابتها،تردد أنغام المدينة {جناي البريدو أحضر جديدوا وأحننوا في إيدوا يا الله حضرني،يخلص مدرستو وجامعتوا ويشتغل دكتور يعالج لي أمراضي ما يحوجني الحاجه في الدنيا الحواجه يا الله حضرني} كل تلك المُفردات تُترجمها بلغة أهل القرية،وتمضي في نشوتها دون شعور بالتعب والعناء،وفي ذاكرتها فرحة نجاح أبنائها في الشهادة السودانية،منتظرين فرحتهم الأخري بقبولهم في الجامعات،فمرت الأيام وجاءت نتائج القبول كما تشتهي،فحمدت الله كثيرا وقالت هذا هو يوم الفرح الأصغر،وبينما هي وسط نشوتها تُعد في أموالها المدخره وتفكر في كيفية تقسيمهم،جاءها نبأ إغتيال إبنها الأكبر علي فهاجت وماجت وصرخت حد السُكات وتلعثمت،ولم تبارح مُقلتيها الدموع مرارا وتكرارا إلا بعد تخرج الثاني عبدالرحمن،من كلية الإقتصاد ونيله وظيفةً بالبنك،فأعادهم لمدينة نيالا البحير مرة أخري،وشرع في تسجيل إخوته جميعا في المدارس الخاصة،كي يتمكنوا من تكملة تعليمهم بسلام،ثم عمل جاهدا علي ترميم المنزل وصيانته،ومضي يتصاعد في وظيفته رويدا رويدا الي أن وصل لمرتبة مدير قسم الإستثمار بالبنك،وإمتدت سواعد خيره لأسرته الكبيرة ومجتمعه،وحُظيه بمكانة إجتماعية وإقتصادية جيدة وسط أهله،فحست أم علي بالكثير من الراحه لأن الله أخذ منها عليا،في زهرة شبابه مُنتصف العشرينيات،ولكن عوض فقدها بنجاح عبدالرحمن المُستمر،فظلت تخاف عليه كثيرا وتفضل ألا يخرج بعربته ليلاً،لأن مدينة نيالا باتت غير أمنه بعدما سيطر عليها الرجرجه والرعاة ولصوص السلطة السافلين،منتشرين في الطرقات علي ظهور سياراتهم المُدججه بالأسلحة الثقيلة،ودائما توصيه أن يعود مبكرا ويبتعد من مصادقة الأقوام الجُدد!وتظل تعترض علي قيادته العربة بوكس دبل كاب،أو ما يُسمي بالبوكس طالبان وجمل حسب لغة أهل السوق،لكنه يضحك كثيرا ولا يهتم بوصايا والدته،ويثق في نفسه كثيرا ويقول ليس له أي علاقة بالسياسة والسياسين،لذا ليس له أعداء ورغم ذلك تطلق أم علي أوامرها بشكلٍ حاد،وتصرخ عليك ببيع هذة العربة فقلبي لا يسترح أبدا ما دمت فيها!وأيضا أخرون من الأسرة يقولون ذلك فيستجيب قولا ولكنه لايبالي،الي ان جاءت الطامه الكُبري عند ذهابه الي أصدقائه ولم يعُد حتي الأن!
فصدق ما كانت تشعر به أم علي ومخاوفيها تجاهه،فصُدمت للمرة الثانية بصورة أكبر في إبنها الثاني وفلذة كبدها علي التوالي،واُظلمت دنياها نهارا وبكت حتي إنتهت الدموع،وظلت تبكي من غير دموع أكتر!وكيف لا وهي التي كانت تحس دوما بقدوم المكروه والخطر!وترتعش أحلامها قبل بزوغ فجرهم التليد،فهذا النوع من الآلام لا يعرفه إلا الإنسانيون الخُلص،فلها الحق في بكائها المُستمر لانها لم تتهنأ بفرحة العديل والزين،ووضع الجرتق لهما الإثنين!فمرارة حادثين متتاليين في ولدين متتاليين أحدهما عشريني والاخر ثلاثيني أمرٌ عصيب ومؤلم للغاية،فلا طعم للحياة سوي القسوة والغلظه وإحتقان العذاب،طالما هي تري بأم عينها أصحاب إبنها المُتآمرين الخاطفين،يمشون في الشوارع مُتبخترين لا قانون يُسائلهم،ولا عدالة تنصف مظلوما مكتوم!
هي تعلمُ أن هنالك الكثيرون يعرفون ما جري لإبنها ولكنهم جبناء صامتون!وأيضا تعرف المُجرمون الخاطفون وتحاول إستنطاقهم بعيدا عن القانون ولكنهم ينكرون!دفعت الكثير وكل ما تملك للذين يتصلون من أجل تأكيد حياته أو مماته ولكنهم أرزقية حقيرون يأخذون ولا يفعلون!ومازالت تصرخ وتنادي للسودانيون الغيورين لحسم مأساتها ولكنهم لا يستجيبون!أو لا تعرفون معني قلب أم ينزف دما من شدة الآلم؟أو لم تنجبكم حواء السودانية التي أنجبتني وتربيتم علي حضنها المليء بالحنان والرقة والإنسانية؟أو لم تكونوا من طينة هذة الأرض الطيبة التي لا يعرف أهلها الغدر؟أين هي الشهامة والاصالة السودانية والقيم والمُثل التي تُفاخرون بهم وسط الشعوب!ألم ترثوا وتنهلوا من أجدادكم الأوائل سمات البطولة والفداء؟فمن يهن يهن الهوان عليه،ومن يتآمر سوف يتآمر الدهر عليه،ومن لم يفرج لأخر كربته عاش مكروبا في دنياه،ومن يتصفحُ تفرجا في المأسي دون تضامن سوف تدور الكره عليه،فلا سعادة في الحياة ما دام صرخات الأمهات المظلومات المجروحات لا تُسمع.
صالح مهاجر
رويترز