“عاصفة الردع” .. مكابدة في الزمن الضائع

تعجل فيصل محمد صالح وأنتظر ضياء “الضباح” ..
الزَّميل العزيز ضياء الدين بلال رئيس تحرير ” السوداني” الذي عرفته و زاملته في عرين الصحافة السودانية، صاحب قلم حصيف، يختار فكرته بذكاء ويوصلها للقاري بموضوعية، وفوق هذا وذاك تميَّزه أخلاقه الرفيعة وأدبه الجمٍّ ، لا يُسيء إلى الآخرين، ولا يعتدي بجارح القول.
ولأني أعرفه استغربت تلك المقالة التي سلخ فيها المهندس إبراهيم محمود نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم، قبل ذبحه، وفي مخيلتي وكل الناس أن الرجل ممد الآن في انتظار سكين “الضباح”.
الواقع يقول أن ما كتبه رئيس تحرير السوداني من حقائق، هز ذاك العرش الذي ظل عليه الرجل عاكفا ، فقد تهادى إلى أسماعنا إنه حُمل ذاك العرش على عجل إلى قائد “الدولة العميقة” الذي ما أن رآه حتى سأله عنه، فقال كأنه هو؛ حتى يجد لنفسه مخرجا بـ”كأنه” ومع ذلك؛ قيل له:” لننسفنه نسفا .. وأن لك موعدا لن تخلفه”.
لا أدري لماذا قفز إلى ذهني وأنا أقرأ مقال ضياء، ذلك المقال الذي كتبه ذاك الصحفي “المنبوذ” حتى من زملائه الصحافيين السودانيين المتميزين بقيمهم وأخلاقهم التي عُرفوا بها أينما حلوا، عقب أن جُرد ذلك الرجل من قوته وكافة سلطاته آنذاك، ثم انبرى له بقلمه المأجور يعري في تاريخه ليري للناس سوأته، ولكن المسكين من حيث لا يدري كشف عن وضاعته؛ وما أن سمع الناس بقرار عودة السلطة للرجل، حتى احتفوا بذاك المقال الأشهر أيما احتفاء، فتزاحمت به الأسافير، كأنهم مذكرون أن البر لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت.
لا ننكر أن المقارنة معدومة تماما بين المقالين وكاتبيهما، وما حاوياهما من حقائق، لكننا نتحدث هنا من حيث توقيت النشر وجرد الحساب الذي قطع على نائب رئيس الحزب الطريق للتجمل فيما تبقى من وقت ضائع؛ فقد كشر قائد “الدولة العميقة” عن أنيابه، فهرول العاطلون والمتسلقون منهم نحو متاجرهم ليبيعوا قائدهم والناس بضاعتهم الكاسدة الخاسرة، ويعلم الله ورسوله وقائدهم والناس أجمعين، أنهم ما قدموا وما فعلوا غير الكذب والفساد الصراح، ثم طفقوا يعرجون نحو الوعود والتمني.
ما أن فرغت من قراءة مقال الزميل ضياء حتى قفز إلى ذهني كذلك، المقال الذي كتيه الزميل العزيز فيصل محمد صالح وهو يرد على نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد، حينما قال عبارته المقيتة بحق الشعب السوداني الأبي “ما في زول أقوي من الحكومة .. و البمد راسو بنقطعو” مذكرا إياه وهو يستدعي قصيدة عمر الطيب الدوش ” مسؤول كبير غير الله أتعدم ” قائلا له :”إنك تستحق رداَ مباشراَ وباسمك، رداَ لا يحتمل اللف والدوران، ولا يتجمل بأدب زائف وليس في مكانه ــ لم يورثنا السيد حسبو نائب رئيس الجمهورية ورهطه مع ما ورث من أسلافه، لم يجدنا قطعة أثاث أو متاع يتصرف فيها كما يشاء، فأنت في نظر من جاءوا بك مجرد حسابات محاصصة قبلية، فإن تغيرت ستجد نفسك في الشارع مع من سبقك من بقايا المحاصصات القبلية والجهوية “، وقبل أن يختم مقاله عرفه بأنه صحفي يقيم في الخرطوم، داعيا حسبو وعصبته أن يشهروا سيوفهم، قائلا:” الرؤوس ستمتد وستمتد بلا نهاية؛ وأنه سيأتي يوم يحاول أن يفر برأسه ولكن هيهات”.. هكذا ياعزيزي ضياء كان الرد في وقته لم ينتظر فيصل به حتى الصباح.
إن ما أزحت عنه الستار أخي ضياء، وبُصرت به الناس، كان وقعه سيكون على الناس أفعل لو كان في غير هذا الوقت؛ فالناس لا تزال تذكر ذلك اليوم الذي ساوم نائب رئيس المؤتمر الوطني صحيفة “السوداني” بين الإعلان واستمرار عمود الصحافية سهير عبد الرحيم ، فاختارت سهير أن تذهب حتى لا تجر الضرر على كل الناس، ليتفرق بعد ذلك لملاحقتها في كل مكان تذهب إليه .. فلم تجد حلا غير الانزواء من أن تبيع قلمها، مسلمة أمرها للعلي الكبير قاهر الجبابرة والطغاة.
إن الزمن الضائع الذي يلعب فيه المهندس إبراهيم محمود، كما جاء في حديثه، لن يعصمه ورهطه من الطوفان، كما أننا نطمئنه بأنه لا يلعب وحده، ومع ذلك نقول لا فكاك من زوال حتى ولو استعنتم بإستراتجية المدرب “جوزيه مورينيو ” في شوط المدربين في الزمن الضائع و المعروفة بـ” ركن الحافلة ” أمام المرمى بهدف حمايته من الفرق الأقوى، وفي ذات الوقت تُعين على خطف الهدف لتحقيق الألقاب لفريق يصعب ترشيحه للبطولات الكبيرة.
ربما أدرك الآن قائد “الدولة العميقة”، أن إستراتيجيته في اختيار قادة ضعفاء ليقودوا عمل حزب يحكم دولة بحجم السودان كان خطأ كبيرا، أورثت البلاد وحزبه فاتورة باهظة التكلفة؛ وما محاولة “عاصفة الردع” لإعادة الأمور إلى نصابها إلا مكابدة في الزمن الضائع.
* أحمد عثمان جبريل صحافي سوداني “جريدة الجزيرة ـ الرياض ”
[email][email protected][/email]