صدمة أخرى في درب اليقين بعروبة السودان

لست أدري ما هو الحافز الذي سنحصل عليه في السودان حال إعتراف المجتمع العربي بعروبة السودان والسودانيين، هب أنهم لم يعترفوا، وقد فعلوا، فماذا سينقصنا؟. فبينما تتطور الدول والأمم من حولنا ويتطور إنسانها وترتقي حياته نحو الأفضل والأجود ويُصبح التنوع الإثني والديني لا يُشكل عائقاً أمام تطورها، نظل نحن في السودان نصر إلى حد خرط القتاد من أجل حشر السودان وإنسانه في خضم هويه ترفضه وتفر منه فرار السليم من الأجرب.
ما دعانا لكتابة هذا المقال هو إصرار بعض السودانيين على إثبات عروبتهم للآخرين في الوطن العربي وهم لها كارهون، وهو أمرٌ مُثيرٌ للحزن والإستغراب في آنٍ واحد إزاء هذا الإلحاح اللجوج، وقد كتبنا مقالات عديدة من قبل نؤكد فيها أن سبب تخلف السودان هو إصرار البعض من أهل السودان إضافةً للذين يتسنمون سدة السلطة اليوم، على إثبات عروبته بصورةٍ مثيرةٍ للشفقة والرثاء وهو إثبات ما لايُفيد ولا يعود بأي نفعٍ لهم وللسودان، بل هذا الحرص يشتت تركيز وإنتباه الوجدان الجمعي ويصرفه عن قضايا جليلة تنتظر منه التحزم والإنتفاض لحلها، وفي أحيانٍ كثيرةٍ يكون الإصرار والحمية المستعرة في قلوب وأفئدة البعض على فرض عروبة السودان في الإقليم العربي الذي يجاورنا سبباً في تفاقم أزماتنا داخلياً، فضلاً عن فرط خبال الفكرة نفسها وعوارها.
الموضوع، القديم والمتجدد، ظهر في ذلك الفيديو الذي تناقلته مواقع التواصل الإجتماعي في السودان على نطاقٍ واسعٍ، تتحدث فيه ناشطةٌ سودانية، في معية ناشطات من دول عربية إستضافتهن قناة ال BBC في برنامج دنيانا، عن هوية السودان العربية – الأفريقية وفخرها بأنها تحمل هذه الهوية، لتجيء مداخلات زميلاتها في البرنامج صادمةً لها ولآخرين في داخل السودان ظلوا يستميتون في إثبات ما أجهدت الناشطة نفسها لإثباته، فقد رفضن جميعهن هذا الإدعاء وأنكرن حتى وجود أي ملمح بيولوجي عربي في شكل ووجه الناشطة يدل على أنها عربية، بل إحداهن أمسكتها من ذقنها قائلة لها أنظري إلى وجهك في المرآة لتتأكدي أنه ليس هناك أي ملمحٍ عربي في وجهك! جرى هذا السيناريو على الهواء مباشرة في قناة تلفاز واسع الإنتشار ذائع الصيت.
ما يهمنا هنا ردود الأفعال التي قيلت وكُتبت في مواقع التواصل الإجتماعي السوداني عقب إنتشار الفيديو، فأغلب الردود صوبت إنتقاداتٍ لاذعة للناشطة السودانية، وياليتها إنتقادات من نوع ذلك الإنتقاد الذي يسهم في حل أزمة الإصرار على إقناع العرب بأن السودان بلد عربي!!، بل هو ذلك النوع من الإنتقاد الذي يُماثل دفن الرؤوس في الرمال أو الهروب إلى الأمام، فمنهم من إنتقدها لأنها فضحتهم ولست أدري كيف فضحتهم وهذا هو ديدن بعض أهل السودان عندما تشاء أقدارهم وتسوقهم إلى السفر إلى الأقطار العربية أو يجمعهم أي محفلٍ مع آخرين من الدول العربية؟، وأصوات أخرى حاولت أن تلقي باللائمة على الناشطة قائلة بأنها لم تُحسن شرح علاقة السودانيين بالهوية العربية والأفريقية بسبب جهلها بالتاريخ، ونموذج ثالث صوَّب جهده لإثبات أنه لايُوجد اليوم في العالم العربي من هو يحمل جينات نقاءٍ عربيٍ خالص حتى ينتقص من عروبة أهل السودان، إضافةً إلى سيل الشماتة الذي إنحدر من قبل دعاة أفريقانية السودان.
على كل حال، فإن موقف هذه الناشطة هو موقفٌ متأصل في وجدان وذاكرة عدد لا يُستهان به من أهل السودان، فبدلاً من إنتقادها يجب تصحيح هذا السلوك التبريري الفج الذي يستحضره هؤلاء كلما جمعتهم الظروف بمواطني الدول العربية فيجهدون أنفسهم في إثبات عروبتهم وعروبة السودان، ومما يزيد الموقف سوءً أن الذين يتحدثون إليهم لا ينكرون عرق السوداني العروبي فحسب بل ينكرون حتى وجود ملمح عربي واحد في وجه السوداني أو السودانية، حتى مسألة إختلاط الدم العربي بالأفريقي عدّوه بمثابة العذر الأقبح من الذنب، وأغلب ظني أن دعاة العروبة السودانيين يهدفون من وراء ذكر مسألة إختلاط الدم الأفريقي إلى البحث عن عذرٍ تبريري لإختلاف سحناتهم عن سحنات محدثيهم من العرب، ولسان حالهم يقول أعذرونا يا جماعة أصلاً نحن عرب لكن إمتزاجنا بالدم الأفريقي جعلنا نبدو مختلفين قليلاً عنكم فسامحونا على هذا الخطأ غير المقصود وتقبلونا.
هذا التلصق المهين في الهوية العربية تأذى منه السودان كثيراً وخصم كثيراً من أرصدته، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، ما كنا نُعير مثل هذا الجهل الموغل في القبح أي إهتمام لولا تأثيره الكامل على السودان، فمن الناحية السياسية يصر الممسكون بأزِّمة الأمور في السودان على إتخاذ مواقف سياسية بناءً على هويته العربية التي يزعمونها، ومما هو معلومٌ بالضرورة أنك عندما تقف موقفاً سياسياً معيناً فهناك تبعات عليك أن تتحملها، فموقفك هذا يتعارض مع مصالح آخرين، فعندما تُعادي سياسياً دولة معينة تأكد أنك ستخسر مصلحتك ومصلحة شعبك جرّاء هذا الموقف، ولذا فإن السودان ظل يدفع ثمناً غالياً كلما اتخذ موقفاً سياسياً معاضد لإحدى الدول العربية بلا مبررٍ منطقي سوى إدعائه بأن هويته العربية تفرض عليه ذلك حتى ولو كان هذا الموقف يجلب الضرر للبلاد ويدمر مصالحها المشتركة مع الآخرين، أما إقتصادياً فتتأثر علاقات السودان الإقتصادية بمثل هذه الأكذوبة فمثلاً إذا قاطعت الدول العربية دولة معينة إقتصادياً تبعناها، لا نلوي على شيء، دون النظر إلى مصلحة بلادنا والسبب دائماً في متناول اليد وهو من أجل التضامن العربي الذي تفرضه الهوية العربية المزعومة، أما إجتماعياً فالأمر لا يحتاج إلى إثبات عدم جدواه فقد علم الصغير قبل الكبير من أهل السودان نظرة مواطني الدول العربية لكل السودانيين، فلم تترك وسائل التواصل الإجتماعي شاردة ولا واردة تصف طريقة وأسلوب التعامل الفظ لمواطني الدول العربية، جلها وبلا إستثناء، ونظرتهم الدونية للإنسان السوداني والرافضة لفرضية عروبته إلا ووثقتها، صورة وصوت، وفيديو الناشطة السودانية هذا لم يكن أولها ولن يكون آخرها.
ختاماً، لن ننكر على أحد في السودان هويته التي يعتقدها ولا ينبغي على أحد فعل ذلك، وكل ما نرجوه أن يحتفظ كل منا بهويته شريطة ألا تتعدى آثارها محيطه الإجتماعي وممارسته الإجتماعية داخل مجتمعه الصغير فيتجاوز ويحاول فرضها على الآخرين، فمن شاء أن يكن عربي فهو حر ومن شاء أن يكن أفريقي فهو حر، ففي الوطن متسعٌ للجميع، فقط يجب علينا أن نكف عن إجهاد أنفسنا في إثبات ذواتنا وفرض حضارتنا وتقاليدنا وتراثنا على الآخرين، وأن نُكرِّس جهدنا هذا للتعافي الإجتماعي داخل وطننا مع إخوتنا في الوطن وتعميق أواصر الأخوة السودانية وأن نكون قد وعينا الدرس جيداً جرّاء سيل الإستفزازات التي تعرضنا لها وما زلنا نتعرض لها من منظومة المجتمع العربي الإجتماعية والتي عُرضت فواصلها عبر أشرطة فيديو متنوعة ومتعددة وعبر قنوات التلفزيونات العربية حتى بدت وكأنها ظاهرةٍ مقصودةٍ تحمل كل ألوان المقت والكراهية وليست رد فعل لأحداثٍ سياسيةٍ وإجتماعية عابرة، ولولا أنني لا أميل إلى التطويل لكنت أوردت بالتفصيل ردود أفعال المجتمع العربي حيال مواقف البشير الداعمه لعاصفة الحزم ثم زيارة والدة أمير قطر للسودان ثم زيارة أردوغان للسودان، إضافة لما ظل يتعرض له المغتربون في الخليج والعمالة السودانية في لبنان والسودانيون اللاجئون في الأردن والمسافرون إلى ليبيا الذين يقصدون العبور إلى أروبا وأسواق النخاسة التي نُصبت خيمها لبيع وشراء السودانيين في ليبيا، هذا قيضٌ من فيض، فبالله عليكم كفوا عن إضاعة الزمن فيما لا طائل من ورائه، فنحن السودانيون لدينا معارك كبيرة تنتظرنا أقلها معركة كتابة دستور دائم للبلاد يوحدنا ويجمع كلمتنا وينظم حياتنا السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
دعونا نجعل من سوداننا وطناً يصعب على الآخرين الحصول على تأشيرة الدخول إليه دع عنك الإنتماء إليه أو مشاركته في الهوية.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هناك دراسة جينية جادة أثبتت أن جينات سكان شمال السودان تتطابق مع جينات شرق أفريقيا في أثيوبيا والصومال ولا توجد أي جينات عربية في الدماء السودانية، قد يكون ذلك يدعم الدراسات التاريخية بعدم وجود أي هجرة عربية للسودان قديما فالمعروف عدم اختلاط العرب مع الشعوب الأخرى ودونكم قبائل الرشايدة في شرق السودان فما زالوا يتأففون من الاخلاط بالسكان المحليين، أما الإسلام فقد دخل السودان من الشمال من مصر.

  2. مقال فى غاية الروعة
    حنضيع زمننا فى اثبات عروبتنا الى ان تقوم القيامة و نرد موارد الهلكة. هؤلاء العرب لا نشبههم و لا يشبهونا و يأتى احد المتنطعين منا و ما أكثرهم و يقول العروبة ليس شكل انما هى لغة و ثقافة فنقول له إن اغلب الدول الأفريقية لغاتها و ثقافاتها أوربية فهل إدعوا أنهم خواجات؟ يا سودانيين بطلوا العباطة و الهبالة البتعملوا فيها دى و التفتوا الى المفيد الذى ينفعكم فى الدنيا و الآخرة.

  3. كلام جميل جدا وان اكثر ما يغيظني ان رئيسنل عندما يزور الملوك والامراء تؤانسنا كل جهات الاعلام ….المركز الصحفي والقنوات والصحف ان الرئيس التقى بشقيقه الملك او الامير وهؤلاء يحكون منا في اكمامهم من هذا الادعاء ولم يحدث قط ان قالت قناة او جريدة عربية ان الملك قابل شقيقه البشير ما حصل ولن يحصل ما الذي نجنيه من هذا التلصّق المقيت؟؟نحمد الله على عقيدتنا وعلى لسان كثير منا العربي وفي ستين داهية هذا التمسّح المقيت

  4. كلام خارم بارم لايستند الا على التهور وردة الفعل على ما اعتقد موضوع الهوية ليس امرا مشاعا يتحدث ويفتي فيه كل من أمسك بقلم.
    رجاء اذا كان التعليق مبني على اسس علمية وتاريخية واضحة اهلا ولكن لمجرد كراهية عنصر لآخر فلا. او لمجرد التفشي وادعاء المعرفة فتلك ثالثة الاثافي.د

  5. مقال دسم. مر بخاطري و انا اقراءه ، مقولة ، ينصح بها الفرنجة الامريكان بني جلدتهم حين يقدمون علي معاشرة الزنوج الامريكان و هي :

    IF YOU GO BLACK , YOU WILL NEVER COME BACK

    وهي تعبر عن مدي قوة هذا المعشر بجوانبه المختلفة وعدم التمكن من الفكاك منه بسهولة. بدوري اهديها لأهلنا من – بني عباس السودان – مقرونة بالمقولة العالمية المشهورة الأخرى التي تقول : اذا كان تكوينك البيولوجي فيه حتي نسبة 1 % من دم زنجي ، فأنت زنجي…
    جفت الأقلام ، ورفعت الصحف… قوموا الي بناء دولتكم يا زنوج السودان – طبعاً في مقدمتكم هؤلاء الزنوج المسميين ب ( احفاد العباس )….

  6. ياخى والله اننى ادعو لسودانيتنا المميزة ولكن اخبرك انه الان تم اكتشاف ان سكان برطانيا العطمى كانوا سود البشرة ايه رأيك !!!

  7. هناك دراسة جينية جادة أثبتت أن جينات سكان شمال السودان تتطابق مع جينات شرق أفريقيا في أثيوبيا والصومال ولا توجد أي جينات عربية في الدماء السودانية، قد يكون ذلك يدعم الدراسات التاريخية بعدم وجود أي هجرة عربية للسودان قديما فالمعروف عدم اختلاط العرب مع الشعوب الأخرى ودونكم قبائل الرشايدة في شرق السودان فما زالوا يتأففون من الاخلاط بالسكان المحليين، أما الإسلام فقد دخل السودان من الشمال من مصر.

  8. مقال فى غاية الروعة
    حنضيع زمننا فى اثبات عروبتنا الى ان تقوم القيامة و نرد موارد الهلكة. هؤلاء العرب لا نشبههم و لا يشبهونا و يأتى احد المتنطعين منا و ما أكثرهم و يقول العروبة ليس شكل انما هى لغة و ثقافة فنقول له إن اغلب الدول الأفريقية لغاتها و ثقافاتها أوربية فهل إدعوا أنهم خواجات؟ يا سودانيين بطلوا العباطة و الهبالة البتعملوا فيها دى و التفتوا الى المفيد الذى ينفعكم فى الدنيا و الآخرة.

  9. كلام جميل جدا وان اكثر ما يغيظني ان رئيسنل عندما يزور الملوك والامراء تؤانسنا كل جهات الاعلام ….المركز الصحفي والقنوات والصحف ان الرئيس التقى بشقيقه الملك او الامير وهؤلاء يحكون منا في اكمامهم من هذا الادعاء ولم يحدث قط ان قالت قناة او جريدة عربية ان الملك قابل شقيقه البشير ما حصل ولن يحصل ما الذي نجنيه من هذا التلصّق المقيت؟؟نحمد الله على عقيدتنا وعلى لسان كثير منا العربي وفي ستين داهية هذا التمسّح المقيت

  10. كلام خارم بارم لايستند الا على التهور وردة الفعل على ما اعتقد موضوع الهوية ليس امرا مشاعا يتحدث ويفتي فيه كل من أمسك بقلم.
    رجاء اذا كان التعليق مبني على اسس علمية وتاريخية واضحة اهلا ولكن لمجرد كراهية عنصر لآخر فلا. او لمجرد التفشي وادعاء المعرفة فتلك ثالثة الاثافي.د

  11. مقال دسم. مر بخاطري و انا اقراءه ، مقولة ، ينصح بها الفرنجة الامريكان بني جلدتهم حين يقدمون علي معاشرة الزنوج الامريكان و هي :

    IF YOU GO BLACK , YOU WILL NEVER COME BACK

    وهي تعبر عن مدي قوة هذا المعشر بجوانبه المختلفة وعدم التمكن من الفكاك منه بسهولة. بدوري اهديها لأهلنا من – بني عباس السودان – مقرونة بالمقولة العالمية المشهورة الأخرى التي تقول : اذا كان تكوينك البيولوجي فيه حتي نسبة 1 % من دم زنجي ، فأنت زنجي…
    جفت الأقلام ، ورفعت الصحف… قوموا الي بناء دولتكم يا زنوج السودان – طبعاً في مقدمتكم هؤلاء الزنوج المسميين ب ( احفاد العباس )….

  12. ياخى والله اننى ادعو لسودانيتنا المميزة ولكن اخبرك انه الان تم اكتشاف ان سكان برطانيا العطمى كانوا سود البشرة ايه رأيك !!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..