كلمة التجاني سيسي في مؤتمر اصحاب المصلحة

يعقوب الدموكي
[email protected]
كلمة الدكتور/ التجاني سيسي محمد رئيس حركة التحرير والعدالة في مؤتمر اصحاب الملحة في 30 مايو 2001 قاعة الوسيل فندق ريتز كارلتون الدوحة .
بسم الله الرحمن الرحيم
ايها الاخوة والاخوات ،
انها لسانحة طيبة ان نلتقي في هذا اليوم وفي لحظة هي الاخطر في تاريخ بلادنا منذ استقلالها ، ذلك بان عظمة الامم تتمثل دائما في ارادتها لقبول التحدي ، ورغبتها الصادقة في التقدم فضلا عن عزيمتها في مواجهة قضاياها بعلاجها لا بالالتفاف عليها وغض الطرف عنها .
نجتمع اليوم وبلادنا مقبلة علي علي دفع استحقاقات اتفاقية السلام الشامل والتي أفضت في نهاية الامر الي ذهاب ثلث سكانها وكذلك موارد تفوق الاحصاء من ثروات طبيعية ومعدنية وحياة برية , ولم يتبق لنا الا الذكري في بلد لم يعد يعرف بالمليون ميل مربع ، كما اختفت حدود الجوار مع ثلاث دول .
نجتمع اليوم ودارفور تئن لمعاناة انسانها في معسكرات النزوح واللجوء بل وحتي داخل مدنها ، وفي ظروف أقل ما توصف بها بأنها أسوأ كارثة انسانية في تاريخ افريقيا . نجتمع اليوم اخوتي الكرام بعون الله ونحن العزم علي أن نساهم قدر جهدنا واستطاعتنا علي وضع حد لهذه المأساة التي يكتوى بنارها أخوتنا واخواتنا من الايتام والثكالي ممن ظلوا مسكونين بالحزن واليأس بعد فقدان العائل أو الزوج ، أو فلذات الاكباد . والأسوأ من كل ذلك فقدان الرجاء والامل في حياة هانئة كريمة .
اخوتي ان دارفور التي نحبها بات مصيرها اليوم بأيدينا ، لنقرر مستقبلها والي اية وجهة نمضي بها نحن أبناء دارفور جميعا ، وبالجميع أقصد هنا كل أبناء دارفور علي اختلاف رؤاهم ، توجهاتهم ، انتماءاتهم ومشاربهم الفكرية والسياسية والحزبية . لا أحد يملك لوحده فصل القول بهذا الشأن ولكن الكل مدعوون للاسهام قدر الاستطاعة والقدرة والخبرة في حدودها القصوي ، مستلهمين في ذلك ارثنا الدارفورى العظيم في حل مشكلاتنا وتخطي صعابنا و تدبير سبل حياتنا . والعمل علي تطوير حياتنا السياسية والاقتصادية بما يضمن الحقوق ويكفل الحياة الكريمة لأى فرد في مجتمع دارفور .
ان دماء عزيزة قد روت تراب دارفور وكانت بمثابة القربان لقيام دارفور الشامخة منذ قرون مضت ، مثلما هي اليوم من أجل المساواة ونيل الحقوق والوطن الواحد . وانه لغني عن القول ان أي حرب مهما طال أمدها فلابد أن تنتهي ذات يوم الي طاولة التفاوض وساحة الحوار، ولا جدال فان ارادة السلام دائما هي أقوى من قرار الحرب ، لان الحرب تخلف مرارات وغبائن بين الاطراف ، تتطلب سعة في الافق ورحابة في الصدر للاستجابة لمتطلبات السلام ودفع استحقاقاته .
ان قيام هذا المؤتمر اخوتي الاعزاء لم يأت من فراغ ، لانه ببساطة شديدة يعود الي الرغبة الأكيدة والقناعة الراسخة لدي حركة التحرير والعدالة بأن يكون مواطن دارفور شريكا أساسيا في حل المشكلة فهو الذي عاني بالدرجة الاولي من ويلاتها ، وهو الذي دفع ثمن تفاقمها كما أنه الأدرى بمصلحته . واي حل يريد لهذه المشكلة وبأية كيفية ؟ لذلك فان اشراك مواطني دارفور في حل الأزمة ليس من قبيل المناورة او التاكتيك ، انما هو خطوة صادقة وجريئة واعمال لروح التشاور والمشاركة وتحمل المسئولية.
وللعلم فان بلوغ هذه المرحلة التي نقبل عليها اليوم ، انما جاء نتيجة لروح سادت منذ اللحظة الاولي التي تكونت فها حركة التحرير والعدالة ، والشروع في البحث عن حل مشرف لأمة دارفور ، فكانت البداية دعوة كريمة قدمتها دولة قطر المضيافة ، الي الاطراف السودانية للتشاور فيما بينها ، وتكوين رؤي مشتركة حول كيفية تحقيق حل منصف وعادل لمشكلة دارفور . وكان قد سبق ذلك خطوة توحيد بعض الحركات المسلحة تحت راية حركة التحرير والعادالة . ولا يفوتني بهذه المناسبة تكرار الشكر لدولة قطر أميرا وشعبا وحكومة علي اريحيتها وكرمها وصبرها والتي لولاها لما تمت كل هذه الخطوات .
اسمحوا لي اخوتي الاعزاء ، لاعود بكم الي الوراء قليلا الي لحظة ميلاد هذه الحركة ، حركة التحرير والعدالة ، وتحديدا الخطوة الاولي من مشوار المفاوضات المضنية ، لقد كان أول انجاز بهذا الشأن هو الاتفاق الاطارى الذي تم توقيعه في 18مارس 2010م ، وكانت ابرز سماته هي ان يكون حل مشكلة دارفور شاملا وعادلا ، ان يكون حل مشكلة دارفور شاملا وعادلا ، لا اقصاء فيه لأي طرف او مجموعة او شخص ، وأن يشارك في تحقيق السلام كل قوى دارفور الفاعلة بمساعدة الشركاء والمسهلين والأصدقاء ، وبتوفيق من عند الله . وبنفس القدر أن يساهم الجميع في تنفيذ بنود اي اتفاق ينجز ، واضعين نصب أعيننا تجربة اتفاقية ابوجا 2006م وضرورة تفادي ما صاحبها من علات لتفاديها ، وعدم تكرارها ، لأنها لم توقف الحرب ولم تحقق السلام ، بل انها وللأسف الشديد عمقت الأزمة ، وأفضت الي المزيد التمزق السياسي والاجتماعي نتج عنها أيضا المزيد من الانشقاقات في صفوف العمل الدارفورى الثورى المسلح .
لقد حدد الاتفاق الاطارى منهجا واضحا للتفاوض ، وذلك بان يقدم اي طرف من الاطراف المتفاوضة موقفه التفاوضي الي الوساطة المشتركة والتي تقوم بدورها بدمج رؤي الأطراف في ورقة واحدة في كل الملفات الخمسة التي تم التفاوض حولها وهي 1) تقاسم السلطة والوضع الادارى لدارفور 2) التعويضات وعودة النازحين واللاجئين3) تقاسم الثروة 4) ملف العدالة والمصالحات و5) ملف الترتيبات الامنية .
وتقوم الوساطة بعدئذ بتقديم الورقة الي اللجان المشتركة للتفاوض فيما بينها من أجل التوصل الي نقاط التقاء ومن ثم الاتفاق حولها ، واذا ما لم يتيسر ذلك ، ترفع المواضيع محل الاختلاف الي لجنة التسيير ، وهي لجنة مشتركة مشكلة من الوساطة المشتركة ورؤساء اللجان . وفي حالة عدم الاتفاق كذلك ، يحال الموضوع الي الوساطة المشتركة ، لاقتراح حل يكون ملزما للأطراف المتفاوضة .وحق علّي هنا ان اشير الي أننا فاوضنا بشراسة ولكن بشرف ولا نحمل علي أكتافنا دينا أو اغراء من أحد سوي ضمائرنا وأحساسنا بالمسئولية تجاه أهلنا وبلدنا.
وبهذه المناسبة أعيد للأذهان ، ، بأننا لم لم نهدف الي التفاوض منفردين مع الطرف الحكومي هنا في الدوحة أو في اي مكان اخر، ولكن بطبيعة الحال ما كل ما يتمني المرء يدركه ، اذ لم يكن أمامنا من خيار ، بعد انسحاب اخوتي في حركة العدل والمساواة من منبر الدوحة ، وعزوف الحركات الاخرى عن المشاركة ، مع قناعتنا الاكيدة بان يكون الحل شاملا ، لذلك كان قرار حركة التحرير والعدالة هو المضي في التفاوض ، والعمل في ذات الوقت لاقناع الاخرين والرافضين للانضمام الي المنبر ، وذلك في مسعي صادق للبحث عن مخرج سلمي لمشكلة دارفور ، بجانب المحافظة علي هذا المنبر ، حتي لا نكون مثل من يخفي المحافير لدفن جثة أبيه ، كما يروى تراثنا السوداني .
واشير هنا الي أننا كنا ولا زلنا واضحين بهذا الشأن وهو ألا يكون السلام في دارفور ومصير انسان دارفور رهينة لأحد ، واننا يجب ألا نعلق مستقبل أجيال دارفور بفرد أو فصيل ، لاننا نعلم تمام العلم أن الاقليم غني بتنوعه الاجتماعي والقبلي وان الحل يجب ان يرتضيه الجميع ودون اقصاء لاحد .
ولعله من الضرورى هنا ،الاشارة الي ان القبول بمبدأ التفاوض يعني بالضروورة نيل بعض المطالب وفي نفس الوقت تقديم بعض التنازلات يعني (خد وهات ) ولكن ايها الاخوة فان الاعوام العجاف التي عاشها انسان دارفور ، وويلات الحرب التي ذاقها ، كفيلة بان تعلمنا درسا ، مفاده ألا يكون السلام مجالا للمناورة ، أو يكون وسيلة للتكسب السياسي ، او سبيلا للاثراء الشخصي او الاثني . واننا ببساطة لن نزايد ولن نتاجر ولن نناور فيما يخص معاناة اهلنا في دارفور .
الاخوة الاعزاء ،
ان الاتفاق الذي سيتم التوصل اليه ، لابد ان يحقق سلاما دائما وعادلا وشاملا في دارفور، ويضع حدا لمعاناة النازحين واللاجئين ، ويؤمن العودة الطوعية الامنة والكريمة لهم الي قراهم ، ويضمن اعادة اعمار ما دمرته الحرب ، بجانب وضع خطة تنموية شاملة وعاجلة ، للنهوض بدارفورلالحاقها باجزاء السودان الاخرى ، لقناعتنا الراسخة ، ان التنمية حق وواجب تقوم به الدولة تجاه مواطنيها لا منة منها ، ولا شك ، فاننا ممتنون بهذا الشان غاية الامتنان لدولة قطر ، التي دعت الي انشاء صندوق لاعادة اعمار دارفور وتنميتها . والكل يعلم ، أن دارفور زاخرة بمواردها بل متفردة دون أقاليم البلاد الاخرى ، بثرواتها في باطن الارض وظاهرها ، وقبل ذلك طبعا بانسانها المعطاء من الجنينة حتي بورتسودان ومن نمولي الي اقاصي الشمال .
وأعود للتاكيد مجددا ان حركة التحرير والعدالة ، حريصة كل الحرص الا تعود الحرب الي دارفورمهما كلف ذلك ، كما تدعو الاخوة في الحركات الأخرى ، وبعد هذه التجرية المريرة ، الي اعمال الفكر ، والنأي عن المصالح الشخصية والانية لنعمل معا لأجل تحقيق السلام ، وبهذه المناسبة ، فقد مضي بعض اخوتي بعد نشر مسودة مقترح السلام في أبريل الماضي ، الي المزايدة بشكل افتقر حتي لابسط أخلاق النقل ، وأمانة المقارنة ، ولكن ولدواعي أبعد ما يكون عن البحث عن السلام والتفاوض .وخذوا عني (أنه لا يصح الا الصحيح نهاية الامر) .
وعودا علي بدء فان حركة التحرير والعدالة ترى ان اي اتفاق لا يشارك أهل دارفور في انجازه ، لا يمكن ان يكتب له النجاح ، كما أن اي اتفاق ، يضمنه مواطنو دارفور ويرتضونه ، لهو الأدعي بالدعم والأجدر بالمؤازرة ، لانهم في نهاية الامر من يجني ثماره
وتجدد الحركة الزامها بالسلام وبما تم التوصل اليه هنا في الدوحة وهي علي اتم استعداد للتوقيع تماما حال تجهيز الوثيقة النهائية.