حقا تلاوي وتقلعو

ليس من الحكمة الإحتفاء بالحقوق المستردة فالأصل ـ تمتع المواطن بحقوقه كاملة بلا نقصان ، والجريمة في إنتهاكها وحرمانه منها، لا في الاحتجاج بطلابها، وعليه يجب التمسك بها والعض عليها بالنواجز بل والموت دونها، الا ان الشاهد في منهاج القوم الشائه بتحويل الأصل الى فصل، وإظهار طِلاب الحقوق المنصوصة بالدستور وتحرسها المواثيق الدولية وتصونها، إظهارها كجريمة يعاقب عليها القانون ، وهو ما ظل إحدى مخالفات المسارات ـ العصا الامريكية المرفوعة على رأس رفع العقوبات، وفي مصنف آخرـ الدول الراعية للإرهاب ، ولعل العصا تلك ما لوحت به واشنطن عبر بيان سفارتها بالخرطوم الاسبوع الماضي بقلقها تجاه أحوال المعتقلين السياسيين بالبلاد، على خلفية الإحتجاجات على الأوضاع الإقتصادية وظلالها القاتمة على أحوال المواطن المعيشية ،والذين تم الافراج عنهم مؤخرا،… في مقال الأمس(لا كتَّر خيرك لا بارك الله فيك) ذهبنا الى أن وراء الافراج المفاجيء ضغوط ـ أعظمها ـ بيان السفارة الامريكية، ولا يجب بأي حال قراءة ذلك في سياق العفو الرئاسي أو “تحديث حالة النظام القمعي،
عطفا الى المرونة ، بل قراءة ذلك في سياق “الحقوق المستردة” و”حقا تلاوي وتقلعو” ولا “كتَّر خيرك لا بارك الله فيك” وهو ما اتفق معنا عليه بيان “الجبهة السودانية للتغيير”
برغم ترحيبنا بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، نؤكد بانهم لم يقترفوا إثما أو يرتكبوا جرما بحق الوطن يستوجب الإعتقال والحرمان من الحرية، ويعلم النظام القمعي جيدا بان كل جريرتهم هي التظاهر السلمي والإحتجاج الحضاري تعبيرا عن رفضهم لسياساته، نجدد التحية والإعزاز لكل من رفع صوته في وجه القهر والظلم، ونقف معهم وهم قابعون في سجون النظام، ونتضامن معهم لصمودهم وثباتهم، وهم يواجهون التعذيب النفسي والجسدي، ونثمن عاليا قوة وجلد وثبات المرضى منهم برغم ظروفهم الصحية التي تحتاج للعناية الطبية الدورية
إن إطلاق سراح بعض المعتقلين، لا يغير في طبيعة النظام القمعية والإقصائية والإستبدادية، وحيلة مفضوحة ومكشوفة لا تغير من قناعات شعبنا تجاه سادية النظام وعنفه المفرط تجاه كل ما هو أعزل طالب بحقه العادل والمشروع، فآلة التعذيب والإعتقال ما تزال ماثلة، والقوانين القمعية والمقيدة للحريات والمنتهكة للدستور والقانون والمناهضة لحقوق الانسان ما تزال سارية ونافذة، وبها ظل النظام يحكم هذا الشعب الرافض له ولسياساته لثلاث عقود حسوما
إن هذا النظام الباطش الذي ظل يعتقل ويعذب معارضيه السياسيين، والمدافعين عن الحقوق والحريات، ما يزال جاثما على صدر شعبنا، وأجهزة النظام ورموزه المرتبطين بآلة القمع والبطش والتعذيب ما زالوا في صدارة المؤسسات السيادية والتنفيذية والأمنية التي يصرف عليها من مال شعبنا المعدم أكثر من 70%، والسياسات التي ظل ينتهجها النظام لما يقارب الـ 30 عاما هي نفس السياسات، بل وصلت لإنتزاع اللقمة من أفواه الجوعى وإنعدام جرعة الدواء لإنقاذ حياة المرضى
إن عملية إطلاق سراح بعض المعتقلين في هذه الظروف جاءت نتيجة للعزلة الشعبية الشاملة للنظام، ونتيجة لأزماته المتلاحقة، وخوفا من الغضب والضغط والسخط الشعبي المتزايد، والحملات الجماهيرية المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، وكذلك للحملة العالمية المتمثلة في الحكومات والمنظمات الحقوقية المنددة بسياسات النظام القمعية، والمتضامنة مع المعتقلين السياسيين، وتاتي كذلك نتيجة ليقظة الضمير العالمي الذي ما عاد يتجاهل سياسات النظم القمعية، والمنتهكة لحقوق الإنسان
يخطيء النظام إذا ظن ان مبادرة إطلاق سراح بعض المعتقلين يمكن أن تحسن صورته أو تجمل وجهه الكالح المثقل بالجرائم والإنتهاكات، فالأسباب التي تظاهر وانتفض من أجلها هؤلاء المعتقلون ما زالت قائمة، والقوانين التي تم بموجبها إعتقال هؤلاء الأبطال ما زالت سارية، والزنازين ما زالت أبوابها مشرعة لكل طالب حق، فماذا يعني إذا أُطلق سراحهم اليوم وتم إعتقالهم غدا؟، فالحل لا يكمن في مكرمة الديكتاتور البشير، بل يكمن في إسقاط نظامه ومؤسساته وقوانينه القمعية
ستتواصل الحملة الشعبية، واستنهاض الجماهير من أجل اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، ومن أجل إلغاء الإجراءات التعسفية، وإلغاء القوانين الجائرة المقيدة للحريات العامة والشخصية، وإحلال سيادة الدستور الذي يحترم حق المواطن ويحفظ حقه وحريته في التعبير
لابد من المقاومة الشعبية لإسقاط هذا النظام، المرتبط بكل الجرائم والمآسي واستعادة الديموقراطية وإحلال السلام
عاش كفاح الشعب السوداني
العزة والمجد لطلاب الكرامة والحرية
19/ فبراير/2018
[email][email protected][/email]