المنشار.. طالع نازل ياكل

لا أحسبُني مغالياً إن قلتُ إننا المجتمع الوحيد الذي يؤسس تعاملاته الرسمية على المثل الشعبي القائل: (اعطِ الخبز لخبازو ولو ياكل نصو).. أجد نفسي متفقاً تماماً مع الشق الأول من المثل (اعطِ الخبز لخبازو..)، واستهجنُ تماماً الشق الثاني منه (ولو يأكل نصو)… ففي الشق الأول توافق وانسجام مع مبدأ التخصصية، وفي الشق الثاني تشجيع للسرقة وخيانة الأمانة، وفيه أيضاً تبرير ممقوت لاستسهال الحرام وتحليله…!!!..

وجدتُ هذا المثل المُشار إليه مُجسداً في الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات لمكافحة التهريب، حيث قضت بمنح الشخص الذي يقوم بضبط سلع مهربة 50% من قيمتها..!!! بمعنى أنك إذا أحبطت محاولة تهريب طن ذهب لك نصفه حلال عليك… ومعنى ذلك أيضاً لا تثريب عليك إذا كنت جندياً بشرطة المطافي، وقمت بعملية إطفاء حريق شب بمؤسسة حكومية وأنقذتها من براثن اللهب لك الحق في أن تطالب بـ”50%” من تلك المؤسسة ـ ما فيش حدِّ أحسن من حد -، ولن يستنكر عليك أحد هذه المطالبة لأنها مبنية على أسس معمول بها… وينطبق على ذلك إنقاذ حياة مريض بواسطة طبيب يؤدي عمله في المستشفى أو غريق بواسطة جندي في شرطة الدفاع المدني، وعلى دورية الشرطة التي تنقذ بنكاً من السرقة، وعلى المراجع العام الذي يكتشف لصوص المال العام ويحبط محاولاتهم.. (ولا سرقة المال العام ما معانا تهريب بس..؟!!).. يتراءى لي أن القرار الذي يقضي بمنح الجهة التي تضبط الأشياء المهربة 50% منها، قرار مؤسس على المثل الشعبي: (اعطِ الخبز لخبازو ولو ياكل نصو..!!!)..

حاولت كثيراً في المرات السابقة أن أستوعب هذا القرار من زوايا مختلفة، وأن أجد المبرر لاتخاذه لكني حقاً فشلت، والحق أن مثل هذه القرارات تضعف روح الانتماء والشعور بالمسؤولية تجاه القيام بالواجب المقدس…

فلا بأس من تحفيز الموظف الذي يبذل جهداً مميزاً يسهم في زيادة الإنتاج، ولكن أن يصبح الأمر محاصصة 50% كتلك، فهذا ما سيظل موضع استنكارنا لما فيه من إشارات سالبة تُضعف الشعور بالانتماء الوطني، فمعنى ذلك أنك حينما تقوم بواجبك في حماية الاقتصاد القومي تقاسم الدولة في مواردها (النُّصْ بالنُّصْ)، فالأمر في تقديري مثل عمل الجندي في ساحة المعركة، فالأخير يحمي الأرض والعرض ولا يجوز أن يُمنح نصف الأرض التي يحررها من قبضة الغاصبين، والثاني يحمي الاقتصاد من المهربين فلا يجوز أن يمنح نصف المضبوطات المحررة من قبضة المهربين طالما أنهما يقومان بواجبهما ومع ذلك لابأس من التحفيز وليس ” التقاسم”… فاتني أن أقول إننا الآن تجاوزنا ذلك المثل، فأصبحنا نعطي الخبز لغير خبازه، ونتركه ليأكل نصفه، وبعدها نُرقيه في الوظائف ربما لكونه أصبح “مِنشاراً”.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة