تراهو بطن شايل كرعين

٭ اعتدت أن أكتب نهاية كل يوم حسب حجم الأحداث والموضوعات التي تستوقفني أو التي أود معالجتها.. وقد تمر أيام وأيام وأكتب أمامها يوم عادي روتيني.
٭ أمام يوم 15 نوفمبر 9791 وجدت نفسي مسجلة هذه الجمل:
اليوم ذهبت إلى السوق.. عدت حزينة وكئيبة.. الأسعار مرتفعة جداً.. ما هذا الذي يحدث في المجتمع السوداني.. ما اجتمع أكثر من شخصين إلا وكان الحديث بينهما عن متاعب الحياة.. عن موجة الغلاء العارمة التي لحقت بسلع كثيرة والمستغرب ان تكون من بينها أسعار الماشية ويكون سعر كيلو اللحمة جنيهان ويبلغ سعر ربع البصل سبعة جنيهات ويصل سعر رطل اللبن إلى خمسة عشر قرشاً ويبلغ سعر كيلو الطماطم جنيهاً بالتمام والكمال.. و.. و.. إلى آخر القائمة.
٭ هذه ظاهرات شغلت الكثيرين منا عن الغوص في البحث عن السبب الحقيقي للغلاء.. ثم ماذا بعد؟؟
٭ قرأت هذه الكلمات أكثر من مرة وأخذتني دهشة بالغة مثل التي تأخذني عندما تحدثني حبوبتي عن التعريفة التي كانت تأتي بالسكر واللبن والشاي وعن الخمسة قروش التي كانت تأتي بثوب السرتي والفركة أم صفيحة وعن الستة جنيهات التي كانت مرتب أكبر موظف في الحكومة.. وتقول كان ذلك قبل سنة القنابل وقبال التموين وسنة القنابل المعنية هي إبان الحرب العالمية الثانية.
٭ حاولت تجاوز هذه الصفحة لأخرى علني أجد موضوعاً أو حدثاً أخف على القاريء من هذا الذي ينكأ جراحه ويزيد من آلامه ومواجعه وحسرته.. ولكنه ذات الواقع هو الي شدني وفرض على تقليب المواجع ليس من باب التشفي أو عذاب الذات ولكن من أجل التأمل والبحث الجاد والايجابي أمام الذي يكتنف حياتنا ومعيشتنا اليوم.
٭ فالتعامل مع المقارنة وروايات الأسعار بمنطق الدهشة مثلما كنت أفعل مع حبوبتي لم يعد مجدياً ولا منطقياً فظروف العالم تغيرت وظروفنا تغيرت وطبيعة مجتمعنا تغيرت وحتى انعكاسات اقتصاديات الحرب ومداها الزمني تغيرت.. فبعد كم سنة تغيرت قيمة التعريفة وقيمة الجنيه وبعد كم سنة تغيرت أسعار السلع عندنا من 9791 إلى عام 2018.. سعر رطل اللبن اليوم ثمانية جنيهات وكيلو الطماطم من 10-30 جنيهاً وكيلو العجالي مائة جنيه وكيلو الأسود خمسة عشر جنيهاً.. هذه نماذج طفيفة.. فوقها أزمة الخبز الرغيفة جنيه والماء والكهرباء والدواء والمواصلات.
٭ وبالقطع معالجة هذه المسائل لا تتم من خلال «صدى» ولا تتم عن طريق التحسر واجترار الماضي ولا تتم عن طريق كتابة خواطر تتداعى في الذهن وان كانت مساحة صدى هي المكان الوحيد الذي يجب أن نقرع من خلاله ناقوس التنبيه فالجائع والمريض وغير الآمن يستحيل أن يكون انساناً سوياً قادراً على التفكير أو العمل أو الانتاج.
٭ ولهذا وجدت نفسي أتحدث عن الخبز واللحمة والطماطم والسكر والدواء وجرعة الماء.. ومن هنا أسوق حكاية واقعية «يقال ان أحد الزهاد كان في رحلة من مكان إلى مكان ونفد زاده مع قلته وتواضعه.. ركوه بها ماء ومخلاية بها كسرة ناشفة.. وعجز عن السير وقرب من الهلاك وعند مشارف احدى القرى وجد العناية واطعم وسقى وعندما وقف مواصلاً رحلته تحدث مع نفسه قائلاً.. «أنا كنت قايل كرعين شايل بطن هو تراه بطن شايل كرعين». وصارت قولته مضرب مثل.
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة
و الله البطن شايلا الكرعين الله يهون علينا جميعا ي رب
و الله البطن شايلا الكرعين الله يهون علينا جميعا ي رب