قراءة في مسار الثورة السودانية وسؤال البديل (١)

الثورات الشعبية عمل انساني محض يمثل نهاية حقبة محددة في تاريخ أمة معينة، وبداية حقبة أخرى. وإذا كان من الصعب حصر الأسباب التي قد تؤدي إلى قيام ثورة في بلد ما أو التنبؤ بتاريخ اندلاعها ومآلاتها، فإنه من الممكن رصد عدد من المؤشرات التي إذا ما ظهرت في دولة معينة يصبح اندلاع الثورة فيها حتمياً في أي وقت. وفي الحالة السودانية فان بعض هذه المؤشرات على سبيل المثال لا الحصر هي:
* وجود تناقض واضح بين الخطاب والمصالح التي يرتكز عليها النظام السياسي القائم وبين خطاب ووعي المجتمع.
* وجود قطيعة واختلاف بائن بين الشعب وتطلعاته، وبين النظام وسياساته ومشاريعه.
* تحول النظام السياسي إلى عائق للدولة عن الاستجابة للتحديات والمصالح الوطنية .
* شعور الأغلبية أن النظام فاقد لجميع مبررات وجوده، وأنه لا أمل في إصلاحه من الداخل.
* وجود إجماع وطني على فساد النظام السياسي.
* عدم وجود آلية لتغيير النظام بشكل سلمي بسبب الدكتاتورية، و تزوير إرادة الشعب.
ان توفر كل هذه المعطيات في الواقع السوداني انتج حالة من القطيعة النفسية – بين النظام الحاكم وبين الشعب المتذمر ? والمطلوب هو تحويل هذه الحالة إلى إرادة تعمل على الانتقال بمشروع التغيير الوطني من حيز ” الوجود النظري” إلى حيز ” الوجود بالفعل”، بعد ان اكتملت أربعة شروط اساسية في الواقع السوداني الماثل وهي:
* وجود وعي سياسي عميق في المجتمع ونظرته إلى السلطة والثروة، وما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الحاكم وبين المحكوم.
* وجود إرادة جماعية واحدة تنصهر فيها إرادة جميع الأفراد الطامحين إلى التغيير والإصلاح.
* وجود استعداد لتحويل تلك الإرادة الجماعية من حالة التصور النظري إلى حيز الواقع العملي.
* وجود نواة صلبة من القوى الوطنية سياسية كانت ام اجتماعية مستعدة للتضحية وقادرة على قيادة الجماهير وإذكاء حماسها.
وهذا ما يبين أن مظاهر الثورة الحالية بالسودان ليست مجرد سخط شعبي عارم على موقف سياسي أو قرار حكومي أو حالة اقتصادية فقط، وليست فقط انتفاضة شعبية لإسقاط نظام سياسي قائم مهما كان استبداد هذا النظام وفساده، بل هي تحول وتطةر نوعي في الوعي الشعبي والوطني وإرادة جماعية وعمل جماعي يجب ان تنصهر فيه دعوات الثوار ونظريات الساسة والمفكرين، وأحلام الشباب، وأشواق المضطهدين، وتطلعات المظلومين، وغضب المهمشين من أجل تحقيق هدفين اثنين هما:
* تقويض النظام السياسي والاجتماعي القائم وجميع الأنساق الثقافية والسياسية والاجتماعية التي كان يستمد منها شرعيته.
* إقامة نظام اجتماعي وسياسي بديل يعيد رسم العلاقات التي كانت قائمة بين أفراد المجتمع من جديد، ويغير العلاقة بين الحاكم وبين المحكوم بشكل جذري.
وهذا ما يجعلني أخلص إلى أنه لانجاز الثورة الناجحة وكمدخل للاجابة على سؤال ماهو البديل فانه لا بد من:
* أن يشترك في تفجير الثورة جميع أبناء الوطن بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية.
* أن تهدف الثورة إلى إرساء قيم مشتركة تحظى بإجماع وطني.
* أن تمثل قطيعة ثقافية وسياسية واجتماعية مع الماضي.
* أن تنقل المواطن من منزلة التابع إلى منزلة الفاعل المؤثر.
* أن تحول الحاكم من مركز المستبد إلى مجرد موظف من حق الأمة أن تختاره بإرادتها، وأن تعزله باختيارها، وأن تحدد له صلاحياته وتقيد سلطاته وأن تحاسبه وتسائله.
لا بد ان نعي بأن السؤال الأساسي ليس ” من هو البديل؟ ” وانما ” ما هو البديل ” ، فالبديل بالضرورة ليس فرد او حزب محدد وانما البديل هو نظام واعادة بناء للدولة السودانية ادارياً وقانونياً وسياسياً …الخ. والبديل الحقيقي ينبع من ارادة الشعب وصياغته لشكل ومضمون التغيير الذي يريده كما هو موضح أعلاه.
هناك مطلوبات عديدة يجب العمل عليها للتأكيد على جديتنا في التغيير، وهو ما يجب ان تنتبه له قوانا الوطنية السياسية والاجتماعية وهو ان التغيير مشروع شامل وجذري ومن أجل مخاطبة هذا الشعب واكتساب ثقته مجدداً فان هناك واجبات داخلية يجب علينا العمل على دفع استحقاقاتها وهي تتمثل في الاتي:
* المبادرة بالنقد الذاتي للتجربة الوطنية عامة والحزبية خاصة.
* ان يبدأ التغيير والاصلاح من داخل مؤسساتنا السياسية والاجتماعية.
* ان نقدم البديل في خطاب يستوعب قضايا واشكالات الجماهير ويستوعب رؤاهم ومواقفهم في الحلول.
* العمل على اعداد وتنفيذ مشروع المؤتمر الدستوري بمعزل عن النظام القائم وان يشارك فيه جميع المكونات الوطنية السودانية لوضع مشروع متفق عليه لاعادة بناء الدولة السودانية يشمل مهام السلطة الانتقالية والاستحقاقات الديمقراطية في كافة جوانبها بما فيها مسودة مشروع دستور جمهورية السودان.
* االتوافق على شكل متقدم في الممارسة السياسية والدبلوماسية المقاومة للنظام والمحفزة للثورة وهو تكوين ” حكومة منفى ” من جميع المكونات السياسية والاجتماعية بمهام واختصاصات واضحة وجلية.
لقد آمنت جميع قوى التغيير السودانية بنقطة صحيحة وهي اننا في حالة من الثورة الكامنة، وآن الأوان للعمل على تفجير مكامن هذه الثورة واستنهاض قدرة التغيير الاجتماعي والسياسي وسط جماهير شعبنا، والتأكيد على ان اساس خطاب التغيير هو معالجة الاشكالات والقضايا المطلبية والمعيشية للسودانيين، كما ان ايقاف الحروب ورفع الضرر ورد المظالم والتمييز الايجابي في التنمية لمناطق النزاعات هي ايضا متطلبات اساسية وضرورية يجب ان يستوعبها خطابنا للتغيير الشامل.
يتبع
[email][email protected][/email]