المظاهرات أيام زمان

تعوَّد صلاح وهو شاب في مقتبل العمر أن يُحيي عمه (أبو أحمد) في الصباح الباكر كلما غادر منزله للعمل، في المقهى المجاور له على الشارع الرئيسي ولا بأس إذا سنحت له الفرصة من أن يدردش معه بعض الشئ في الأمور اليومية لحال البلاد والعباد حتى يحين موعد وصول البص فكأنما هي ترياق يأخذ جرعة منه ليعينه على العصف الذهني عند كل صباح… فابو أحمد للذي يراه كأنه يتخذ من برندة المقهي منزلا رديفا لمنزله فقد تجده دائما وهو يرتشف فنجانا من القهوة أو كوبا من الشاي متأملا في السابله والماره يمرون أمامه وعيونهم تبحلق في اللاشئ حيث الأفق البعيد الذي تنطبق فيه السماء بالأرض كما يتراءىَ لهم دون تركيز ويتسارعون في الخُطى كأنما يُساقون بسوط الفقر الى المجهول ولا غرابة أن تجدهم يتصادمون بصدورهم أحياناً ثم يتراجع ويميل كلٌّ الى جنبه ليواصل مسيرته كالمعتاد دون أن ينبس ببنت شفه أو يقدم اعتذارا وكأن شيئا لم يكن… هكذا علمتهم الحياة في كنف ثورة الانقاذ ـ التفكير في اللاشئ والسير في الطرقات على غير هدى….
وكعادته ذات صباح ما إنْ حيّاه حتى أومأ اليه برأسه أنْ تعال … فلما دنى منه ابتدره قائلا ماذا أعددتم لمظاهرة الغد؟ صمت الفتى لوهلة كأنما ألجمه السؤال، ثم انفجر ضاحكا يستعيد لِمامَ (شِتات) فكره ويضرب كفاً بكف… تصور يا عمو نسيتو خالص إنو بكره في مظاهرة من الأصل وعلى كل حال لن نتمكن من المشاركة لانني معزوم مع أصدقائي فطور مُدَنكل (فول مصلح وكبده… أصلو طوَّلنا منّو)… والعازمكم منو إن شاء الله؟ زميلنا المغترب … أصلو جايي مش من السعودية، بل من الأمارات وعازمنا بكره… ولما رأى عدم الجديِّه بادٍ في عينيه أراد أن يخفف عنه بعض الشئ فقال له:
شوف يا صلاح ، زمان أيامنا كانت للمظاهرات مذاق خاص ولا يحددون خط السير ومكان التجمع كالذي اخترعتموه أنتم الآن… يوم المظاهرة كان يوما مشهودا كيوم الزينة لدى فرعون وملَئه (وأن يحشر الناس ضُحىً)..

تلقى الشوارع خالية والمحلات مغلقة إلا من المتظاهرين الذين يخرجون في وقت واحد، زرافاتٍ ووحدانا، كلٌّ من مكان تواجده فيتجمعون رويدا رويدا كالزبدة التي تتجمع في (الدلو) عند خض اللبن… يتجمعون في شوارع بعينها كجراد منتشر يسدون الأفق فلا مدارس ولا مصالح حكومية أو غير حكومية في ذلك اليوم إلا وكأنَّ على رؤوسهم الطير، صمت مطبق فلا تكاد تسمع إلا حفيف أوراق الشجر وأزيز الحناجر تغلي كالمرجل… كده كانت المظاهرات تؤتي أُكلها وكانت الحكومات تتبارى لتلبي مطالب الشعب ولكن في حاجة تانية.. فالسودان زمان ما زي سودان اليوم… السودان زمان كان يعطي ولا يأخذ، فالمدارس مجانية حتى كانوا يطلقون علينا بأولاد المدارس فكانت المدرسة تأِّكلنا وتشربنا وتأوينا في داخلياتها وتربينا كمان، عكس مدارس اليوم التي تنفض جيب الطالب حتى أخر جنيه وكان هذا الجنيه الذي لا يساوي عندكم (من قطمير) في أيامكم هذي كان بمقدوره أن يكفي الواحد منا فطورا لمدة شهرين كاملين من كشك العم داؤد أو مطعم العم محمد ضرار الله يرحمهما ويحسن اليهما فكانت الحياة في تلكم الأيام جميله وسهلة ليس فيها تعقيدات كالتي نراها اليوم وكذلك المستشفيات في المدن والأرياف الكشف والعلاج والنوم والأكل مجانا فيها حتى للحالات الطارئة كان لكل مستشفى إسعافٌ خاص أبيض اللون يقف على باب المستشفى على أهبة الاستعداد والسائق بداخله لا يبرح عنه قيد أنمله إلا لوجبة سريعة أو كوب من الشاي استعدادا لإحضار أي مريض مهما كان موقعه بالمجان الى المستشفى… وعلى عكس سودان زمان… فالحكومة الآن بدل أن تعطي تمُد يديها مثل الشحاذين في الطرقات تقول للناس (لله يا محسنين) وهات ما عندك ولو كان فقران وسجمان حتى كرَّهتْ الناس في السودان فهاجر من هاجر وبقي من بقي… وكان أبو احمد يسهب في الحديث وقد أخذته الحماسه من إنصات الشاب له قبل أن يفاجئه قائلا ممكن تختصر يا (عمو) أنا سامع صوت البص جايي علينا فهرول عنه بعيدا وهو ينظر اليه يبتعد وينأى بعيدا لتبتلعه دوامة الحياة كغيره الى المجهول..

حمدي حاج هلالي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. وهُوّ هل فى الدنيا ناس طالعه مظاهره عاوزه تقتلع نظام من جذورو يكون هتافُم “سلميه..سلميه..لا للحراميه!” يا سلام! باللهى الهتاف دا معناه شنووو؟ يعنى يا الحكومه الحراميه”انحن واللهى دايرنّك تمشى..لاكين انحن ما ناس دواس ومادايرين ندخل معاك فى مشاكل!!هل كنتو متوقعين الحكومه تلملم اطرافا وتمشى وتسلّمكم القصرالجمهورى! وتقول ليكم”اها بس خلّو الامام الرمز يشوف لى طريقة يخارجنى بيها بنزولن نااعم! يا ناس الم يكن بينكم رجل رشيد وهل فعلا انتو جادّين تقلعو النظام! ايه الفرق بينكم وبين اللى طلعوا زمان بصرّخو”امريكاالطاغيه نحن ليك اتسلحنا.امريكا دنا عذابها..ماعليك كان لاقيتاالآ ضرابها!وكنتو بتضحكو عليهم!
    * يا ناس يا ويحكم..اى عبث هذا!هتافكم دا ممعن فى الغرابه.. نظام جاكم بليل! وشال ديموقراطيتكم اللى من فرط عدم اهتمامكم ان قعدت او مشت الحبيب الرمزكتب
    ليكم ميثاق للدفاع عنها..بالله موش غرايب لاالامام الكتب الميثاق ولا واحد فيكم تذكّرو..الامام قال انه مرق بالباب الورانى..وانتو فضلتو تضحكو وتتندرو على كلام الترابى”اذهب الى القصر رئيسا وانا سأذهب الى السجن حبيسا!

  2. بقيت تكتب قصص يا ضلالى هههههه … بعدين من متين كنت بتطلع مظاهرات… وانت معروف انك كنت كادر اتحاد اشتراكية وطلائع مايو انشاء الله خليت شحدة السعوط واكل بيوت الصبحية والطهورات

  3. وهُوّ هل فى الدنيا ناس طالعه مظاهره عاوزه تقتلع نظام من جذورو يكون هتافُم “سلميه..سلميه..لا للحراميه!” يا سلام! باللهى الهتاف دا معناه شنووو؟ يعنى يا الحكومه الحراميه”انحن واللهى دايرنّك تمشى..لاكين انحن ما ناس دواس ومادايرين ندخل معاك فى مشاكل!!هل كنتو متوقعين الحكومه تلملم اطرافا وتمشى وتسلّمكم القصرالجمهورى! وتقول ليكم”اها بس خلّو الامام الرمز يشوف لى طريقة يخارجنى بيها بنزولن نااعم! يا ناس الم يكن بينكم رجل رشيد وهل فعلا انتو جادّين تقلعو النظام! ايه الفرق بينكم وبين اللى طلعوا زمان بصرّخو”امريكاالطاغيه نحن ليك اتسلحنا.امريكا دنا عذابها..ماعليك كان لاقيتاالآ ضرابها!وكنتو بتضحكو عليهم!
    * يا ناس يا ويحكم..اى عبث هذا!هتافكم دا ممعن فى الغرابه.. نظام جاكم بليل! وشال ديموقراطيتكم اللى من فرط عدم اهتمامكم ان قعدت او مشت الحبيب الرمزكتب
    ليكم ميثاق للدفاع عنها..بالله موش غرايب لاالامام الكتب الميثاق ولا واحد فيكم تذكّرو..الامام قال انه مرق بالباب الورانى..وانتو فضلتو تضحكو وتتندرو على كلام الترابى”اذهب الى القصر رئيسا وانا سأذهب الى السجن حبيسا!

  4. بقيت تكتب قصص يا ضلالى هههههه … بعدين من متين كنت بتطلع مظاهرات… وانت معروف انك كنت كادر اتحاد اشتراكية وطلائع مايو انشاء الله خليت شحدة السعوط واكل بيوت الصبحية والطهورات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..