الى عزيزي المناضل!

منعا للألتباس لا اود ان يُفهَم من مقالى هذا انني اقصد شخصاً بعينه، بقدرما المقصود هو نقد سلوك شبه جماعي درج عليه بعض المناضلين في ونساتهم العامة وفي تعاملهم مع خصوم الراي، ويتجلى هذا السلوك بشكل شبه يومي في اكثر من مشهد ومؤقف، على سبيل المثال لا حصر، لدينا جملة اصبحت مألوفة في الشارع الجنوبي (لمن شاكلنا واحد وعشرين سنة انتو كنتو وين؟).
ان خطورة هذا النهج ( الخاوي الافلاسي ) الذي يعتنقه بعض المناضلين ليس في كونه حجة (عاجز منطق) وحسب بل في ان معتنقه يعامل الناس في واقعه المعاش على هذا الاساس فيوجد لديه صنفين من الناس، مناضل وطني شريف، وخائن وضيع جبان، مع العلم ان الصفات الاخيرة وقعت لا لشيء سوى ان صاحبها لم يحمل سلاحا في تاريخ حياته، فالمؤكد ان مفهوم النضال لديه لايمكن ان يتعدى اطار (حمل السلاح) الي سواه، وعليه فكل من لا ينتمى الي عالمه المقدس لا يحق له ابداء راي مغاير لرأيه في شأن الوطنيات او الشأن العام، ومما لا شك فيه ان من شأن هذا الفهم الاعوج، ان يبعث برسالة تلقائية سالبة لغير المناضلين مفادها انه اذا اردتم الانضمام الي معسكر الشرفاء اصحاب الوطنية المعترف بها شعبيا، فعليكم بحمل السلاح اولا حيث يؤتي من فوهه بصك الشرف الوطني، وأجزم “وليس في الجزم اثم” ان بعض الحركات المسلحة التي تحارب الحكومة حاليا، خرجت الي الوجود من رحم هذا المفهوم الخاطئ.
ولكن الذي يدعو للدهشة والحيرة حقا، انه بعد كل هذا الخذلان والعار الوطني الكبير الذي سببته حرب (المناضلين) فيما بينهم، تجد من يرمون باللائمة على الحكومة، ويعتبرونها تساهلت كثيراً مع الخونة المارقين، ولم تكن ديكتاتوريا بما فيه الكفاية في قمع اصحاب الراي النشاذ والقضاء عليهم من المهد قبل ان تستوي عقولهم المدمرة، ويرون ان قيام الحرب والفوضى السياسية التي تعيشها البلاد نتيجة طبيعية لهذا التساهل، وكأنما يريدون القول ان الشعب الجنوبي عبارة عن شعب عنيد، ومن واجب الحكومة اخضاعه بقوة الحديد والنار.
سبق لي وسألت مناضلا قبل ثلاث سنوات خلت وقلت له: كم يلزم من الوقت حتى تستو عقول معارضيكم السلميين الي المستوى الذي لا يخرب ويدمر؟ لم اجد منه ردا مقنعا ولازلت انتظر الاخوة المناضلين كي يجيبوا عليه، ولكن دعوني اقول لعزيزي المناضل … لا احد في الواقع ينكر نضالاتك، ولا احد يقلل من حجم بطولاتك، ولا احد يشك في وطنيتك، فهذه اشياء مثبتة لك بواسطة التاريخ والذاكرة الجماعية للشعب الجنوبي، وطالما الجميل محفوظ، فأنت لست بحاجة الي ترديده على مسامع الناس مثل الببغاء كلما ضاق صدرك براي مغاير، ما نتمناه فقط هو ان تفهم ان للنضال اوجه واساليب كثيرة غير حمل السلاح، فالذي كان يزرع ارضه وقت حرب التحرير ليوفر لنفسه وللمناضلين امثالكم لقمة العيش الكريم لا يمكن تجريده من الصفة النضالية لانه لم يحمل السلاح، والأم التي انجبت ابنائها وزودت بهم صفوفكم داخل الاحراش أعتقد انها كانت مناضلة مثلكم، والذي تحمل المشقة والتعب وكل صنوف الاذلال وثابر حتى اكمل تعليمه الاكاديمي تحت ظروف غير مواتية كان مناضلاً ايضاً ، باختصار شديد الكل ناضل على طريقته، ولا يحق لاي كائن مصادرة نضال غيره.
عزيزي المناضل … وبما ان النضال في صحيح معروفه مجرد وسيلة لبلوغ غاية او هدف معين وليس غاية في حد ذاته، وان اي تعديل لمعناه المتعارف عليه يفقده محتواه ومضمونه النبيل، ولكن تلزمني الصراحة ان اقول لك انه لن يستقيم عود الوطن والمناضل أعوج.
ألقاكم.

تعليق واحد

  1. مقال في قمة الروعة كل الشكر استاذ سايمون بالله ما تحرمنا من مقالاتك الشيقة هذه و كل الشكر و التقدير يا استاذ

  2. مقال في قمة الروعة كل الشكر استاذ سايمون بالله ما تحرمنا من مقالاتك الشيقة هذه و كل الشكر و التقدير يا استاذ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..