هدنة وزير الصحة

قبل يومين كتبتُ عن صراع الوزارات والفوضى التي تعمها نتيجة لفشل الحكومة في إخضاعها للقوانين والنظام، وجعلها تعمل في تناغم مع بعضها البعض وفقاً لمصالح الدولة وحقوق المواطنين التي لا تتحقق بمعزل عن بعضها. من تلك الوزارات المتصارعة اخترت مثالاً وزارة الصحة ولاية الخرطوم التي يدور الصراع بينها وبين الوزارة (الأم) على الملأ، مما يؤكد أن الوزارات أصبحت دويلات تخضع للوزراء أكثر من الدولة، وهذا ليس اتهاماً رغم أن أغلب الوزراء لا يعترفون بذلك. بالأمس اعترف وزير الصحة الاتحادي بحر إدريس أبو قردة بالصراع الذي يدور بين وزارته وزارة الصحة الولائية، فقد نقلت صحيفة (الجريدة) أن ?أبو قردة? كشف عن هدنة بينه وبين مامون حميدة، إشارة إلى وقف العدائيات بينهما، وقال إنَّ الصراع بينهما ليس شخصياً وإنما يتعلق ببعض الملفات الصحية.
كلنا يعلم أنَّ الصراع بين وزراء جميع الوزارات ليس شخصياً وإنما يتعلق ببعض الملفات، ولكنه في النهاية هو صراع يؤثر على الوطن والمواطن، ولكن الذي لا يمكن إنكاره هو أنَّ هذا الصراع تحركه الكثير من المصالح الشخصية، وإلاَّ لما كلفوا أنفسهم الدخول في معارك من البداية. يبدو أنَّ واحداً من تلك الملفات التي تشعل الحرب بين وزارتي الصحة الاتحادية والولائية، هو أيلولة بعض المستشفيات الاتحادية للولائية والتي شدد أبو قردة على ضرورة مراجعتها، ليس اعترافاً بالخطأ لأن هذا لا يوجد في قاموس الحكومة، وإنما استناداً لتوصيات الحوار التي اعتبرها واجبة التنفيذ، وستخضع بموجبها الأيلولة للتقييم ليوضح ما إذا كانت فاشلة أم لا.
وطالب وزارة الصحة ولاية الحرطوم بالتناغم مع النظام الصحي الاتحادي، وقال إنَّ وزارة الصحة الولائية غير ملتزمة بالرقابة والشراء الموحد ولذلك تقع العديد من الإشكالات التي تظهر في حملات التفتيش، وهذا موضوع مهم طبعاً ويحتاج إلى حسم بما يحقق المصلحة العامة. كلنا يعلم أنَّ مستشفيات الإيلولة اقتلعها مامون حميدة من الاتحادية (حمرة عين) وليس بناءً على دراسات وسياسات تغلب المصلحة العامة، بدليل أنَّ هذا الموضوع أثار جدلاً واعترض عليه الكثير من الأطباء واحتجوا، ولكن حكم القوي على الضعيف فقد وقف إلى جانب حميدة والي الخرطوم السابق عبد الرحمن الخضر والرئاسة ذات نفسها، ولأن مامون حميدة يعتبر نفسه كبيراً وبروف وابن المؤتمر الوطني وحركته ومستثمر في المجال الصحي وخبير، فهو لا يريد أن يكون تحت إمرة وزير أقل منه، ولذلك الصراع غير إنه ذو طابع مصلحي له أبعاد نفسيه، فهو من منحه الرئيس لقب (البلدوزر) ولذلك يتوقع أن يخاف منه الجميع، وعليه فهو يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء، فلم يجد أبو قردة مفراً إلا أن يجنح إلى الهدنة بناءً على ما أقره الحوار بشأن مستشفيات الأيلولة، كحيلة يسترد بها حقاً من حقوق الوزارة الاتحادية. عموماً أعتقدُ أن الحكومة بحاجة ملحة جداً إلى مراجعة وضع وزارة الصحة الولائية والاتحادية، وتصحيح كل ما ارتكب من أخطاء في حق الاتحادية، فليس هناك خلل أكبر من أن تلجأ الوزارة الاتحادية لعقد هدنة مع وزارة، يفترض أنَّها تحت إشرافها.
التيار



