مقالات سياسية

التغيير يجب أن يكون إدارياً وليس سياسياً!

مشكلة السودان، كما يعتقد كثير من المراقبين، هي إدارية بالدرجة الأولى! ولذلك لا يجدي التغيير السياسي نفعاً، بل الأجدر أن تلتفت الدولة إلى مواطن الخلل في الخدمة المدنية، وتسند الأمر إلى ذوي الكفاءة والخبرة والتأهيل؛ لكي ينصلح حالنا ووضعنا الإداري الذي ظل يتدهور منذ أن حشرت فيه السياسة أنفها؛ فقعدت به وأصابته في مقتل، وكانت النتيجة تردي الأوضاع في كافة المجالات، سواء في ذلك الاقتصاد أو غيره من الخدمات الأساسية. عموماً، تتحدث وسائط التواصل الاجتماعي عن تغيير وشيك فيما يتعلق بمناصب الولاة، وغيرهم من شاغلي المناصب الدستورية والسياسية والحزبية، أو بالأحرى إعادة تحريك وتنقلات من موقع لآخر! ومع أن هذا الأمر قد يكون إجراءً معتاداً حسب ترتيبات الحزب الحاكم الداخلية، إلا أنه ليس أولوية في الوقت الراهن بحسبان أن البلاد بحاجة ملحة لمن ينتشلها من الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها في هذا المنعطف الحرج، وذلك لن يتحقق إلا بتغيير الذهنية التي تدار بها الخدمة المدنية والملف الاقتصادي بكافة جوانبه. يقول أحد الباحثين في مجال الإدارة: “إن الادارة عملية ضرورية في أي عمل منظم على جميع المستويات الإدارية داخل أي مؤسسة وتقوم بدور مهم في حياة المجتمعات وأن التقدم الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي ما هو إلا ثمرة حقيقية لطبيعة النظم الادارية المتبعة في المجتمع حيث لا توجد دولة متخلفة اقتصادياً وإنما هنالك دولة متخلفة إدارياً لأن الإدارة هي المحرك الرئيس في عملية التنمية”. ويعلم الجميع أن الخدمة المدنية في السودان قد كانت مضرب المثل، من حيث الانضباط والدقة والكفاءة في الأداء، ولكنها تعرضت لاستهداف مستمر خلال كافة الحقب التي مرت على البلاد منذ الاستقلال وحتى الآن؛ ولذلك فقدت خيرة كوادرها بسبب التطهير الوظيفي وسياسة التمكين مما جعل كثيراً من ذوي الخبرة والكفاءة يلجئون إلى الهجرة والاغتراب بحثاً عن مصادر الرزق؛ فاستفادت منهم دول الجوار؛ خاصة في منقطة الخليج العربي، فأحدثت تحولاً كبيراً في نظمها الإدارية يشهد به الجميع. ويكفي أن نضرب مثلاً أن معهد الإدارة العامة في الرياض بالمملكة العربية السعودية قد استوعب نخبة من أساطين الإدارة في السودان على رأسهم المرحوم الدكتور قلوباوي محمد صالح الذي وضع اللبنات الأساسية لهذا الصرح العتيد! ومن جانب آخر، يُعاني الاقتصاد السودانيّ من تدهور في أغلب المجالات؛ ممّا أدّى إلى التأثير على النمو والتنمية الاقتصاديّة في السودان، ونتج عن ذلك تراجع العديد من القطاعات الاقتصاديّة، وارتبط هذا التدهور الاقتصاديّ بمجموعة من الأسباب، من أهمها تدهور البيئة الإدارية في معظم القطاعات الحيوية كالزراعة بشقيها النباتي والحيواني، وقطاعات النقل مثل السكة الحديد والنقل البحري والنهري، والناقل الوطني الخطوط الجوية السودانية التي كانت ضحية لسوء الإدارة والتصرف حتى كادت تخرج من الخدمة تماماً فخسرت معظم محطاتها وركابها حتى أصبحت الخطوط الأجنبية تستأثر بأكثر من 80% من النقل الجوي من السودان وإليه! ولا داعي للحديث هنا عن الفشل المريع في الصناعة وغيرها من الأنشطة المشابهة التي تحتاج بطبيعة الحال إلى إدارة مقتدرة وتخطيط سليم وتوجه وإرادة سياسية لا تقبل التردد ولا التقاعس أو المحاصصة، لأنها عمل فني يقوم على أسس واجبة الاتباع، إدارياً وتقنياً. إزاء هذا الوضع، هنالك، في واقع الأمر، خطوات محددة ينبغي وضعها في الاعتبار والعمل بمقتضاها إذا كنا فعلاً نريد أن نخرج من عنق الزجاجة ونضع حداً للأزمة الإدارية التي تشهدها كافة المرافق في الدولة وعلى كل المستويات الاتحادية والولائية والمحلية! أولاً، يجب أن نتفق ونقر جميعاً، خاصة داخل دوائر اتخاذ القرار، بأن مشكلة السودان هي ذات طبيعة إدارية، وأن الخلل الإداري قد أوقف دولاب التنمية والإنتاج في البلاد، وأن المعالجات السياسية ليست هي المدخل المناسب لحل المشكلة؛ ولذلك يجب أن نبحث عن حلول عملية وقابلة للتطبيق والتنفيذ واضعين في الحسبان أن أي تأخير في هذا الصدد سوف يؤدي إلى تفاقم الوضع، إذا لم يؤد إلى وضع كارثي لا تحمد عقباه! وبداية لا داعي لتجريب المجرب، بل يجب أن نبدأ بتغيير الذهنية الإدارية السائدة قبل اللجوء إلى تغيير الأشخاص، مع وضع أنظمة وحلول وبرامج إدارية صارمة من شأنها إعادة الخدمة المدنية إلى سيرتها الأولى إبّان عصرها الذهبي؛ إذ لا يوجد مخرج إلا بهذا الإجراء الذي يتطلب قدراً كبيراً من الجهد والتصميم والمقاومة الشرسة حتى نتخطى عقبة المصالح الشخصية والجهوية التي يتخوف أصحابها من مثل هذا التوجه الذي لا مفر منه البتة! وثانياً، علينا الابتعاد عن التعيينات السياسية في المناصب الإدارية على سبيل الإرضاء والمحسوبية أو المحاصصة؛ فلعمري هذا هو أس البلاء. وللخروج من الأزمة القائمة لابد من اتخاذ استراتيجية ترتبط بواقعنا وحاجات مجتمعنا وطبيعة الأفراد الذين هم بحاجة لرفع المعنويات والتوجيه والرقابة والتدريب المستمر وإكساب المهارات الضرورية، مع السيطرة الكاملة على الموارد والإمكانيات المتاحة وصولاً إلى الكفاءة والاستقرار والإنتاج والتطور.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مُقدمة سليمة وتشخيص صحيج ولكن الخُلاصة خاطئة.

    لا بُد من التغيير السياسي لإحداث التغيير الإداري.

    ما أوصلنا لهذا الحال البائس هو التغيير السياسي الذيجعل الولاء السياسي وليس الكفاءة معياراً لتولي المنصب العام.

    هل نسيت الإحالة للصالح العام، والتمكين؟؟

    هذا أس البلاء.

    تسييس الإدارة، مُصيبة.

  2. فى وجود هذه العصابة استمرار حالة الفوضى من مصلحتهم لتمر من تحتها كل الفساد الذى يمارس وان ترهن كل مصالح البلد لاشخاص معروفين.لا بد من تغيير هذا النظام .

  3. لك خالص تحياتي.
    مع انك ذكرت ملامح الخلل بدقة ولكني اراك اغفلت في تحديد من هو المتسبب في الخلل الذي ذكرت. واستبعدت تماما المسؤولية عن حكومة ما يسمى بالإنقاذ.واذكرك بنك انت من كتب في ذات المقال عن سياسة التمكين وآثارها فمن هو الذي مكن الناس؟الم يكن هو علي عثمان نفسه.وليست سياسة التمكين وحدها بل ايضا القرارات الخاطئة كما هذه الأيام في موضوع العملة.

  4. مُقدمة سليمة وتشخيص صحيج ولكن الخُلاصة خاطئة.

    لا بُد من التغيير السياسي لإحداث التغيير الإداري.

    ما أوصلنا لهذا الحال البائس هو التغيير السياسي الذيجعل الولاء السياسي وليس الكفاءة معياراً لتولي المنصب العام.

    هل نسيت الإحالة للصالح العام، والتمكين؟؟

    هذا أس البلاء.

    تسييس الإدارة، مُصيبة.

  5. فى وجود هذه العصابة استمرار حالة الفوضى من مصلحتهم لتمر من تحتها كل الفساد الذى يمارس وان ترهن كل مصالح البلد لاشخاص معروفين.لا بد من تغيير هذا النظام .

  6. لك خالص تحياتي.
    مع انك ذكرت ملامح الخلل بدقة ولكني اراك اغفلت في تحديد من هو المتسبب في الخلل الذي ذكرت. واستبعدت تماما المسؤولية عن حكومة ما يسمى بالإنقاذ.واذكرك بنك انت من كتب في ذات المقال عن سياسة التمكين وآثارها فمن هو الذي مكن الناس؟الم يكن هو علي عثمان نفسه.وليست سياسة التمكين وحدها بل ايضا القرارات الخاطئة كما هذه الأيام في موضوع العملة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..