يحيا السيد الجنرال رئيسا الى الابد!

ظاهرة الديكتاتور قديمة قدم التاريخ. فهو ليس الحاكم لدولة فقط، انه شخص ما، عديم الأهمية، يمشي بيننا! فقد نجده في البيت، الشارع، العمل، المدرسة، الجامعة، الحزب، أحد الاصدقاء أو الزملاء في الشلة، أو اي نشاط من أنشطة الحياة العامة، لكننا سنركز على الحاكم المستبد، الذي يتحكم في مقدرات شعبه وموارده!
هذا الحاكم ذو العقل السوداوي المنغلق، المسكون بالخوف، رغم كل أجهزته المدججة بترسانة أسلحة قاتلة، ومع ذلك يخشى مجرد المسيرات السلمية والهتاف! اللذان يقابلهما بالرصاص الحي (سبتمبر ٢٠١٣)؟!
وأجهزة الديكتاتور لا تكتفي بذلك، إذ تحصي على الشعب و نشطائه أنفاسهم: تراقب الهواتف، وتوظف جيشا من الدجاج الاليكتروني، ينشط في التهكير و بث الشائعات!
ليس ثمة حدث إجرامي عنيف ضد الشعب ياتي مصادفة، فكل الاحداث الاجرامية ثمرة التعاون الآثم بين أجهزة دولة الديكتاتور المستبدة! من تحرش أو أغتصاب في احد الاقاليم، إلى سطو مسلح لاحد الاسواق النائية!
فمؤسسات الديكتاتور الزائفة ترتبط بخيوط تنتهي جميعها في يده، باليد نفسها التي تمسك بخيوط الأمن والمخابرات والجيش، يمسك الديكتاتور بخيوط الحوار المزعوم، و عصابات النهب المسلح (الجنجويد/ الدعم السريع)، والنظام العام والقضاء الفاسد والشرطة المتواطئة، الخ..
وعلى الرغم من أن الديكتاتور يدعي الثبات، إلا أن خوفه على غنائمه، يجعله شقياً بتفكيره، فيما قد يحدث!.. وهو في النهاية ديكتاتور مهزوم ضعيف مُهان مغترب، عن ذاته وعن شعبه، وفي صدره هلع مزمن يتغذى من جبنه وخسته! اللذان يخبئهما خلف أقنعة التكبر والعناد والعنجهية والصلف!
فهاجس الديكتاتور يرتبط ارتباطاً قسرياً وضرورياً بالقوة، أي بالعنف، وبالخوف إلى حد الهلع من فقدان هذه القوة، فليس امتلاك القوة وممارستها هو هاجس الديكتاتور وشاغله، بقدر ما إن هاجسه الجنوني الأعظم، يكون في خوفه الهستيري من فقدان هذه القوة، واضاعته مصادر صناعتها وادامتها.
وفيما تتضخم وتتورم و تتوحش بمرور الوقت (أنا) الديكتاتور منذ لحظة استيلائه على السلطة، يبدأ الشعب المقهور في التقهقر والتقزُّم والتخلف والتضاؤل نفسياً، لكن لكل هذا حدود يحكمها الصبر والتاريخ، ودرجة الغليان الداخلي، ونزع كل أقنعة الخوف من عنف شبكات المجرمين، التي يسيج بها الديكتاتور نظامه!
فكما يستنفر الديكتاتور كل نواحي الشرّ لديه، يستنفذ الشعب كل القوة والرفض والاندلاع كالنار لا تبقى ولا تُذرّ، وعلى الرغم من رعب أجهزته الأمنية وجيشه وحاشيته، وتفشي شبكات المصالح التي تربط بينهم كالسرطان، الا ان التاريخ يحدثنا أن هذا العالم الذي أحاط به الديكتاتور نفسه، لهو من الهشاشة المفرطة، بحيث تتضعضع أركانه من مجرد الهتاف!
ولغرابة ظاهرة الديكتاتور وشذوذها عن الفطرة السليمة، وخطورتها على الجنس البشري والحضارة الانسانية. وسلام المجتمع وقيمه واخلاقه، انشغل بالكتابة عنها، المفكرين والفنانين، و الباحثين في مختلف ضروب المعرفة وحقولها، ولم يكن غريبا أن يفرد لها ماركيز (كمثال) حيزا مقدرا في سردياته الكبرى: (ليس للكولونيل من يكاتبه، الجنرال في متاهته، رحلة موفقة سيدي الرئيس، الخ)
وفي كل ما قرأنا عن الديكتاتوريين، نلحظ بوضوح
اضطرابهم الشخصي والسلوكي. فالديكتاتور يتسمر على كرسي السلطة، لا يريد مبارحته قيد انملة، ينظر من عليائه كاله! وعندما يتجلى أمام الجماهير ينضم (برا من راسوا!.. كلام الطير في الباقير!)..
الكرسي والجماهير: الثنائية التي يشعر الديكتاتور من خلالها انه (حفيد آلهة)، يستمد سلطته المطلقة منهم، ليحيل حياة مخلوقاته شقاء وضجر!
هذه المخلوقات التي لم تكن تعرف، قبل استيلائه على السلطة، ماهو البرجر والهوت دوج، ولا تعرف قبله الموبايل والفيس بوك والواتس!.. الديكتاتور يتوهم أنه صانع الحضارة، لهذه المخلوقات المهمشة المنتهكة في تخوم العالم الكبير!
الديكتاتور شخصية سيكوباتية، معطوبة الضمير.. مهمّشة.. توّاقة للسلطة بصورة مرضية، ورغم أنها تعاني قصورا عقليا مريعا، بمثابة البيئة الحاضنة لكل أفكاره الشريرة وأكاذيبه، التي يجب أن تفضي به إلى (التيجاني الماحي)، الا أنها تقوده للاستيلاء على السلطة (للأسف)!!
الديكتاتور هو من يقود نظاما إستبداديا عنيفا، وعندما يشعر بـ عرشه يهتز تحت رجليه، لا يستخدم لحماية هذا النظام، سوى المجرمين الخطرين، و أرباب السوابق وعصابات النهب المسلح المرتزقة (الجنجويد)، الذين يكاد تعدادهم وحدهم، يقارب تعداد الجيش الرسمي، فالديكتاتور لا يكترث لخطر بناء جيشين داخل دولته، أو خطورة بناء دولة داخل الدولة! طالما أن ذلك يحمي سلطته! فهو مغرم بالتفتيت والتقسيم والتجزئة والاضعاف! ولذا لا يتورع عن فصل جزء من بلده (الجنوب)، في سبيل الاستمرار والبقاء! ولن يتورع عن فصل أجزاء أخرى (ج النيل الازرق، ج كرفان، دارفور، الشرق، الخ..) فهو لا يريد لهؤلاء المهمشين ازعاجه بمطالبهم، يقلقون قيلولاته البديعة!
والديكتاتور مغرم باستخدام اللصوص المتخصصين، في صناعة الوهم! بتزوير ارادة الشعب و الانتخابات، وتصفية المعارضة، لإحكام قبضته على ثروات الشعب ومقدراته! وصناعة (متوالية) من أحزاب (الفكة) والنقابات الزائفة، يتحالف معها ويجيز بها قوانينه ودستوره، ويتحاور معها حواره الوطني المزعوم، الذي يكتب مخرجاته وحده! ويترشح، ويفوز على هذه الأحزاب المستنسخة من حزبه الحاكم، ليظل رئيسا مكرسا الى الابد!
علاقة الديكتاتور بالسلطة كعلاقة الثور في مستودع الخزف. لا يعي منها سوى الجانب العشوائي والمظلم، فيطلق له العنان لـ تتمخض ممارسته لها، عن كوارث متلاحقة، تنفجر بوجه الجميع.. الذين تبدو على قسماتهم الدهشة، كانهم يتفاجأون بحجم الفساد والسرقة والنهب المنظم!
الديكتاتور لا يعبأ ، وككل أشقائه الديكتاتوريين عبر التاريخ، عندما يسقط.. يترك خلفه دولة مفلسة، خاوية على عروشها، ومثقلة بالديون وتفتقر للقيم والأخلاق! فالديكتاتور لا يسرق الأموال فقط، بل يسرق حتى الاحلام والأحاسيس والمشاعر، ويزيف الماضي ويصادر المستقبل، ويزرع الحاضر بالقنابل الموقوتة! فالديكتاتور غاية متعته افقار شعبه وتجهيله، والتحالف مع الأمراض المزمنة المنقرضة تاريخيا ضده! فهو لا يريد شعب قوي، يصمد في الشوارع لمقاومته!
الديكتاتور يستهتر بشعبه، لدرجة ان يشيد لابيه (مسجدا) فاخرا بالاموال المنهوبة من قوت الشعب، ويمضي لينام (نوم قرير العين هانيها) فيما شعبه ينام على معدة خاوية وجسم عليل ونفس منكسرة، وبؤس مقيم!
وقد يجعل الديكتاتور من قبر أمه، عندما تموت (مزارا مقدسا)، فهي ليست أقل مقاما من أمنا العذراء والدة السيد المسيح، و لذا يسخر السلفيين شذاذ الافاق! ل يخطبوا في صلاة الجمعة، عن كراماتها ويلزم العطالى، السفهاء من رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة، بتدبيج المقالات عن قداستها، ويفرض على حاشيته الحج، الى قبرها (المكرم والمشرف من جنابه)، وليس من بينهم من يستطيع قول (تلت التلاتة كم! ولا على كيفهم! والما عاجبو يلحس كوعو! ويحجون صاغرين!)..
الديكتاتور لا يعتمد في ادارة دولته، الا على أمثاله من المشوهين نفسياً، و السيكوباتيين والقتلة و المهووسين جنسيا من المغتصبين الاشرار!
الديكتاتور أعمى البصر والبصيرة، و ذاكرته لا تنفعل ولا تتفاعل.. لا تمتد يداه إلا للقتل والتعذيب والنهب والسرقة، و(يكذب) منكرا كل ما صنعت يداه، (يقول المدنيين غشونا) مع انه مرآة نفسه.. يدّعي أنه لم يفعل ولم يرَ، ودائماً يصدق نفسه ويكذب الآخرين، ولا يرخي أذنيه لسماع إلا ما يحب، ممن صنعهم وصنعوه.. الذين يوهمونه بانه (حبيب الشعب)، والضامن الوحيد لإقالة البلاد من عثرتها.
الديكتاتور من أجبن مخلوقات الله، فهو لا يمشي بين الناس إلا محاطا بالحرس، ولا يركب عربة لم يتم فحصها (وهو الخبير بتفجير طائرات أعدائه) رغم انها مصفحة ومزودة بأحدث أجهزة التنصت والمراقبة، ودائما محمية بحثالة لا تعرف الرحمة.. تقتل بدم بارد على الشبهة فقط، كل من يقترب من السيد الرئيس الديكتاتور! المسكون بخوف مزمن حتى من ظله! والاشباح التي تتراءى له طوال الوقت، والكوابيس التي تقلق منامه فيصحو مذعورا، مرتاعا كل ليلة!
مترقبا ما سيحدث بينه الحاكم وشعبه المظلوم، لحظة يندفع بقوة لا يستهان بها، تكمن في صدورهم العارية، وحناجرهم اليابسة! يقوضون اخيرا عدم الثقة، الشك، الريبة، الكذب، النفاق، الذي وسم عهد الديكتاتور المبجل! يقوضون خوفهم من أجهزته الدموية، و يفتحون صدورهم لتضحيات التغيير الجسام!
يطيحون بالخوف؛ فيسقط الديكتاتور، الذي لا يصدق أحد أنه مضى بخزيه وعاره للأبد وبغير رجعة!
دائما يحيط الديكتاتور نظامه بشرذمة من (أصحاب المصالح، الفاسدون، من رجال الأمن والجيش و المتواطئون، السلفيون البائسون الذين يفتون بحرمة الخروج عليه)، تنمو هذه الشرذمة وتتناسل الى شراذم، تنتسج في كل مفاصل الدولة، وتمثل عبئا رهيبا على كاهل الشعب، تكتم انفاسه!
عنف الديكتاتور وأجهزته يتغذى باستمراره ومنظومته القهرية، بكل ما فيها من الاعيب صرف الانظار عن قضايا الناس الحقيقية الملحة، وبكل ما فيها من تهتك، وفضائح مرتبة وقضايا عبثية، يفتعلها حثالات النظام العام لشغل الشعب!
النظام العام كأحد مؤسسات الديكتاتور المهمة، في تنقيص حياة الشعب باسم الأخلاق، يمثل حجر الزاوية في تشجيع وحماية الرزيلة، و نشر إدمان المخدرات وانتشارها، والتواطؤ مع الاجهزة المختصة لحماية شبكات المسؤولين من خاصة الديكتاتور، الذين يقفون خلف تجارة الدعارة والمخدرات!
النظام العام هو من يقوم بنشر ثقافة الجنس الرخيص، والابتذال والتدني الثقافي والفني، وكل ما من شأنه ازهاق (الروح الأبية العفيفة لهذه الأمة)، بما في ذلك المساهمة في تدمير الشباب، بشتى السبل حماية للديكتاتور من وعيهم وغضبتهم!
النظام العام لا يجرؤ على الاقتراب من شقق أبناء وبنات المسؤولين في نظام الديكتاتور، المفروشة. بل ويحمي لياليهم الحمراء، لكنه يتعرض لصحفية او ناشطة مهمومة بقضايا المجتمع، مزورا لائحة اتهامات مختومة بفتاوى السلفيين المأزومين السفهاء، الذين لا يعيشون معنا في هذا الزمان وهذا الواقع وهذا الوطن، اذ لا تزال مؤخراتهم المكتنزة، تقعي في حوزات القرون المظلمة، يتلقون ما يسمونه علما!
فبراير ٢٠١٨
كولشيستر، فيرمونت
[email][email protected][/email]