الراحل الترابي… حضورا عبر أطروحاته(2ـ2)

شهادات
المحبوب عبد السلام
قال عنه المحبوب عبد السلام وهو من المقربين من الراحل وممن استفاد و أفاد من فكره متحررا من تأثيرشخصيته التي تاه في إسارها كثير من شباب الاسلاميين
يقول المحبوب :لم يتردد الترابي -إنطلاقا من نهجه التجديدي في الفقه الإسلامي- من الجهر بآرائه في الكثير من المسائل، منها إجازة إمامة المرأة في الصلاة، وزواج المسلمة من الكتابيّ، والحجاب والميراث، وهي فتاوى جلبت عليه انتقادات كثيرة وصلت حدّ إهدار دمه
كما امتد تأثير منهجه في استخدام القياس العقلي والظاهري، إلى معارضة كثير من مسلمات التراث الإسلامي، خاصة في قضايا علامات الساعة وعذاب القبر وبعث نبي الله عيسى وعلاقة الدين بالفن وغيرها
ويعد الترابي رائد التجديد في الفقه الإسلامي، وظل لعقود يطرح رؤيته وفق إطار أصولي أتاحته له ثقافته الفقهية الشاملة وتخصصه في القانون الدستوري المقارن
وكما اضطربت بالجاهلين والمرجفين الإجتهادات التأصيلية الفقهية للشيخ الترابي، إضطربوا إزاء مصطلحه الأصيل ولغته الفذة العميقة ولم يقدروا سعيه المجتهد في سبيل لغة (فصيحة جميلة)، أو كما قال في مقدمة كتابه المصطلحات السياسية في الإسلام: «أصاب المسلمين بؤسا في فقه حياتهم السياسية ومقاصدها ووسائلها ونظمها وعلاقاتها، وأخذت بعض الكلمات التي تشير بأصولها الصرفية إلى توحيد ديني عام لكل شعاب الحياة، تطور إلى دلالة خصوص يحصر عمومها إلى محدود. (فقه-
التوالي
ومن ذلك ما توهمه البعض أن مصطلح (التوالي) الذي جانب به الشيخ الترابي الظلال غير التوحيدية لكلمة (التعددية)، فظنوه تحايلاً إبتدعه لمنع الأحزاب في دستور 1998، وهو مصطلح استعمله في كتاب (الإيمان – أثره في حياة الإنسان،1973) و(بحث الإسلام والدولة القطرية، 1983)، وكتاب (الحركة الإسلامية في السودان، التطور، الكسب، المنهج، 1989)، وهو ذات الأصل الذي استعمله اللبنانيون بغير كثير حرج وهم يقسمون ساحتهم السياسية إلى موالاة ومعارضة. كما ظن آخرون أن مصطلح (الإجماع السكوتي) الذي تداول حوله فقهاء الأصول منذ القرن الثاني الهجري من نحت الدكتور الترابي، وإن كان هو من بعثه واستعمله في سياق العملية الإنتخابية المعاصرة بعضاً من نهجه في تأصيل اللغة وبث الحياة في مصطلحاته الدقيقة المهجورة.
فهو صاحب رؤية متكاملة في تجديد علم أصول الأحكام أو (أصول الفقه) وقدم أطروحته المتكاملة فيها، وظل يعبر عنها في جملة مساهماته النظرية والعملية: “قضايا الوحدة والحرية” (1980)، و”تجديد أصول الفقه” (1981)، و”تجديد الفكر الإسلامي” (1982)، و”الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة” (1982)، و”تجديد الدين” (1984)، و”منهجية التشريع” (1987)، كما يسجل الباحث المحبوب عبد السلام القريب جدا من الترابي.
إمامة المرأة
ولعل من أكثر الأمور التي جلبت النقد إلى الترابي رأيه الفقهي بجواز إمامة المرأة للرجل، وخاصة من منسوبي التيار السلفي، ودليله في ذلك حديث أم ورقة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورها في دارها وأمرها أن تصلي بأهلها في الدار، ويقول الترابي إن الدار ليست المسكن، بل هي المنطقة التي يصلها نداء الصلاة
كما أثارت فتواه بجواز زواج المسلمة من الكتابيّ جدلا كبيرا، على أساس أنه لا يرى أن آية “وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ” تنطبق على أهل الكتاب، وهو أمر خالفه فيه الكثير من الأئمة والفقهاء في العالم الإسلامي، ورأوا أن فيه خطأ في الاستدلال ومخالفة للفهم المتعارف عليه بين أهل العلم في هذا الباب
ولكن المحبوب عبد السلام يرى أن موضوع زواج المسلمة من الكتابي جاء في سياق رد على سؤال لمسلمة أميركية حديثة عهد بالإسلام، أسلمت دون زوجها وهي تطمع في إسلامه، وكان ذلك أثناء محاضرة في مؤتمر حول الأسرة بمدينة لارسنغ بولاية ميتشيغن عام 1980، و”لم يقطع الترابي فيها برأي ولكنه قلّب لها وجوه فقه المسألة كما يعرفها جيداً، ودعاها إلى التفكير المستقل في قضايا مجتمع جديد يشبه مجتمع الإسلام الأول الذي كان ينتقل نحو الإسلام، وليس مثل حاضر مجتمعات المسلمين المستقرة في الإسلام أبًا عن جد
وقد أقر المجلس الإسلامي الأوروبي اجتهاد الترابي عام 2003 وطلب الشيخ يوسف القرضاوي أن تذيل الفتوى بتقديره الشخصي وشكره للدكتور حسن الترابي الذي سمع منه هذا الرأي قبل عقدين، وأنه عثر عليه بعد ذلك في كتاب “إعلام الموقعين” لابن القيم الجوزي، بحسب عبد السلام
ومن الفتاوى الأخرى للترابي المثيرة للجدل قوله إن شهادة المرأة تعادل شهادة الرجل، وهو في ذلك يرى أن الآية التي نصت على ذلك جاءت في سياق أعمَّ يظهر أن الأمر من موارد الاجتهاد. وعلل تنصيف الشهادة بأنه حكم مُعلَّل بظروف الزمان والمكان في عصر النبوة، يوم كانت المرأة عديمة الخبرة في عالم التجارة والمال
ترجيح العقل
يمكن تلخيص النزعة التجديدية عند الترابي إلى مسارين هما: رد الاعتبار إلى العقل وعدم الارتهان إلى النقل من التراث الديني، والتعامل مع القرآن باعتباره المصدر الأعلى والأسمى للتشريع، كما يلخص الكاتب خالد موسى دفع الله
غير أن بعض نقاد الفكر الديني للترابي عابوا عليه أنه لم ينتج أفكارا متسقة لها منظومة فكرية واحدة، بل هي آراء فقهية مشتطة تخالف ما عليه إجماع المسلمين
وفي المقابل يذهب أستاذ الأخلاق السياسية بمركز التشريع الإسلامي والأخلاق في قطر محمد بن المختار الشنقيطي في رسالته “آراء الترابي من غير تكفير ولا تشهير”، إلى أن الردود حول آراء الترابي اعتراها شيء من التساهل في النقل، والتسرع في الحكم، واتهام النوايا، ونقص الاستقراء، وصياغة المسائل الفرعية صياغة اعتقادية، والظاهرية التجزيئية في التعامل مع النصوص، وتداخل الأهواء الشخصية والسياسية مع الآراء الشرعية
ولا يستغرب الشنقيطي بأن آراء الترابي يحيط بها الكثير من اللبس وسوء الفهم لما تتسم به من “التجريد في الأفكار والمصطلحات”، مؤكدا أنه “ليس من السهل على شباب الصحوة الإسلامية غير المتمكنين من ناصية اللغة العربية، المتمرسين بالمفاهيم الفلسفية والأصولية، أن يستوعبوا جميع كتاباته بعمق، وهي كتابات تجمع بين تجريدات هيغلْ الفلسفية ولغة الشاطبي الأصولية.
[email][email protected][/email]