الدنيا الجميلة… كل الناس تغني ليه ونحن الهم طوانا

كم كانت الدنيا جميلة وأنت تستمع عند منتصف النهار في (مَقيل الجن) الى سجع القمري من فوق أشجار النخيل السامقة أو من على فروع أشجار الطرفة التي تكثر في الجزر المتناثرة غير بعيدة عن شواطئنا برمالها الذهبية المتلألئة مع أشعة الشمس المنعكسة … بعد أن تمتلئ حوصلتها بما لذّ وطاب من حصيلة كدٍ من البيادر المجاورة لمسكنها منذ بواكير الصباح حتى وقت قيلولتها مع أفراخها في عشها الدافئ والوثير.. وكل إشراقة شمسٍ في قريتي لها من السحر مهرجانٌ… طيور المنازل تصحو مبكرا وهي تزقزق إيذانا ببزوغ فجر جديد، منها ما تطعم صغارها ومنها ما تلتقط من فتات الخُبز (الكِسرة) التي تناثرت في حوش المنزل ليلا وترى أخريات وهي تصطف على حبل الغسيل ترفرف بأجنحتها بين الحين والآخر و على الحقول والحواشات عند تخوم القرية، ثمَّة فراشات زاهية بألوان (قوز قزح) وهي تحط من زهر الى زهرٍ ترتشف الرحيق وتتمايل في الأجواء طربا كأنها سكرى فيستبيك من وحي الجمال بديعُ صُنع الباري…. فترى الحياة تدُبُّ في جسد القرية الهادئة الوديعه عند سفح الجبل الأشم الذي تآخى ولم يزل مع نهر النيل الخالد منذ صباه عندما مرّ بقربه منسابا صوب الشمال وقد شهد الرفيقان بل أسهما معاً في ولادة الحضارة النوبية الفرعونية العريقة التي ما زالت صخورها تروي لنا بعضاً من مآثرها … وهناك على الشارع العام تلحظ كلبا يلهث راكضا أذناه الى الأمام، تجاه القرية المجاورة فربما أحسّ بأن هنالك وليمه ما (سيماية) أو عقد زواج أو مناسبة ما تستدعي إراقة الدماء لذبيحة أوقعها حظها العاثر أمام السكاكين التي شُحذت وسُنّت لوقت الحاجة، فبحاسة شمه القوية يستطيع فرز روائح (التقلية) الزكية وما يخالطها من لحم وعظم من على البعد بينما أذناه كالرادار يستطيعان التقاط الذبذبات الدقيقة للأصوات أو ربما على مبعدة منه رفيق له ينتظر ليعينه في التغلب على كلب غريب دخل منطقة نفوذه على حين غره…. فكثيرا ما تتصادم كلاب القرية مع الكلاب الغريبة التي تتبع أصحابها من قُرىً نائية…. وعلى جذوع أشجار النخيل التي تحيط بها فسائلها (شتولها) المتشابكة عند حواف النهر قد تجد قطا بريّاً وهو يصارع وسط الأشواك فتتفطر أقدامه وتتقطر دما من أجل الظفر بفريسة من الفئران أو الزواحف فطلب الرزق هناك ليس بالسهولة التي تتخيلها قطط الخليج المدللة التي تلاعب الفئران بل وتتآلف معها وتجالسها في انسجام تام أحيانا، ولماذا تتعب نفسها في مطاردة الفئران وهي لها ما يكفيها من رزق وفير يُساقُ اليها حيثما هي في حاويات الزبالة أو في الطرقات على عكس قطط السودان التي تخطف نصيبها من (فم التمساح) بعد تعب وكد… وفي فصل الشتاء القارس، ترى الناس يخرجون من بطون بيوتهم مع طلوع الشمس ليستدفئوا بها قليلا من الزمهرير الذي لا يرحم في شمال السودان كصيفه الذي تحسبه من فحيح جهنم…. فمنهم من يتكئ على جدار بيته جالسا مقابلا بوجهه للشمس ويُسنُّ في منجله استعدادا لحش البرسيم أو لحصد قمح قد صرم وحان قطاف سنبلته التي تضاهي لونها التبر النوباوي الشهير…. بينما ترى أخرين يذهبون الى حقولهم وأياديهم تحت إباطهم اتقاء البرد… ومنهم من يحرث الأرض ويلقي حبه ثم يتوكل على الله بينما هنالك الذين يجرفون التربة لتسويتها (بالواسووك) تهيئة لزراعتها وريِّها… فما أجمل الإفطار على بساطته وسط الحقول المترامية على مد البصر وهي تستقي من الماء النمير الذي ينساب من الجداول عذبا رقراقا وكم يحلو الحديث وهذا يحكي جزءً من حياته التي قضاها في مصر قبل أن يبلغ به العمر مبلغه وذاك يحدثك عما حدث له مع تمساح أبو عشرة (طوله 10 أذرع) القادم مع فيضان النيل أثناء ما كان يعبر البحر سباحةً وذاك يروي لك وهو ممتعضٌ عن الذئب الذي دخل الى زريبته ليلا والناس نيام وفتك بأغنامه إلا قليلا تركها تموج في وجوم داخل بعضها… الى أن يحين وقت القيلولة ليعود كُلٌ الى منزله لأخذ قسط من الراحة استعدادا لانجاز ما تبقى له من عمل الصباح أو يبدأ في عمل جديد حتى يحين موعد أذان العشاء فيصليها حاضرا في حقله أو في المسجد مع الجماعة كما يتناولون عشاءهم في جماعة… فمنهم من يعود الى منزله لينام مبكراً ومنهم من يمكثون بالمسجد حتى وقت متأخر من الليل ليتآنسوا مع بعضهم البعض وينسون عناء النهار مع هدأة الليل وسكونه وللشباب مع كثبان الرمال المنتشرة رفقة وزمالة خاصة في الليالي المقمرة وهم يلعبون ويتسامرون الى أن يدرك شهريار الصباح وتسكت الديكة عن الصياح…
[email][email protected][/email]
تحياتى من البعد اخى حمدى ذكرتنا ايام زمان
تمر الايام ولتبقي الذكري
وكلما عادت بك الايام الي الوراء تري تلك الايام جميلة
والان الهم اصبح ملازمنا وعايش فينا
تحياتى من البعد اخى حمدى ذكرتنا ايام زمان
تمر الايام ولتبقي الذكري
وكلما عادت بك الايام الي الوراء تري تلك الايام جميلة
والان الهم اصبح ملازمنا وعايش فينا
شكراً لك يا استاذ انتقلت بنا من ملل السياسة إلى حلاوة القرية وجمالها ،،،
ها بتان ار هدو اغى
شكراً لك يا استاذ انتقلت بنا من ملل السياسة إلى حلاوة القرية وجمالها ،،،
ها بتان ار هدو اغى