مقالات سياسية

مآسي الأطفال

لكي ينمو الأطفال بشكل طبيعي ويصبحوا إضافة إلى بلدهم في المستقبل وليس خصماً عليه، لا بد من أن تتوفرلهم بيئة جيدة تضمن كافة حقوقهم، ولكن تلك البيئة لا بد أن تتوفر فيها مقومات الحياة الكريمة لأسرهم حتى تصبح مؤهلة لتربيتهم وتقدم لهم النماذج الصالحة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، الآن لم تعد الكثير من الأسر السودانية صالحة لتربية الأطفال، كما لم يعد الكثيرون يصلحون لتكوين أسر جديرة بتربية الأطفال، والسبب الضغوط الاقتصادية التي تخصم منهم كل يوم الكثير، فوضع الأسرة السليم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدخلها المادي، وكلما قل الدخل وجد الناس صعوبة في سد حاجات أسرهم المتزايدة، وهذا ما يدفع أفراد الأسرة في كثير من الأحيان إلى الانحراف، فالحرمان يولد لدى الناس الإحساس بالظلم والغبن والأنانية والتقليد والتملق والاعتداء على الآخرين وغيره، وهذا من شأنه أن يزيد من حدة التناقضات الاجتماعية ويؤثر في عملية التطور والنمو في المجتمع فيتوقف الأفراد عن ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، ويتأثر الأطفال جداً حين يجدون أنفسهم وسط هذا المناخ. كثيراً ما صرحت جهات رسمية أن المخدرات وصلت إلى المدارس، أي انها أصبحت في متناول يد الأطفال، وكثيراً ما تحدثت عن التسرب من المدارس واستقبال الشوارع كل يوم لأعداد من الأطفال المتسولين والمشردين والعاملين في مهن هامشية لا تليق بهم، كما أصبحوا عرضة للاستغلال بجميع أنواعه والاختطاف والقتل، وأصبحوا يتواجدون في أماكن لا تليق بهم، مؤسسات الحكومة تتحدث يومياً عن كل هذه المشاكل وعن إجراءات شكلية تقوم بها لم يحدث أن غيرت في الواقع ولو بنسبة ضئيلة، رغم إنها تعلم علم اليقين إن السبب هو الوضع الاقتصادي السيء الذي توفر للمجتمع بسبب سياساتها على مدى 30سنة، ولا حل إلا يتحسن الاقتصاد.. جولة للتيار من داخل دار الفتيان كشفت عن ارتفاع جرائم السرقة والاغتصاب وسط (الأحداث) أي الأطفال، وقد وصل عددهم بالدار 1611، وهذا عدد كبير لا أظنه يوجد في أية دولة في العالم، الباحثة الاجتماعية بالدار بررت الأمر بانفصال الوالدين والعولمة، أي إنها تقصد التفكك الأسري والتأثير الثقافي السلبي للتكنولوجيا، وهي جزء من أسباب أخرى كثيرة وراءها سبب أساسي هو الضغوط الاقتصادية التي حرمت الأسر من الاهتمام بأطفالها كما يجب، ولم تحرق نارها الأطفال إلا بعد أن دمرت الكثير من حواجز الصد التي استخدمها المجتمع لحمايتهم ولكنها انهارت أمام توسنامي الفقر، وأخطر ما في الأمر هو أن الحكومة ما زالت مشغولة بنفسها وكيف تحكم ولا تقوم بأية معالجات حقيقية. عموماً يعتبر الاقتصاد عاملاً مهماً في بناء المجتمع وتحسين ثقافته وبناء العلاقات وتطوير الدور الإنساني للأفراد وهذا ما توفر للمجتمع السوداني قبل 30 سنة، ولكنه لم يتطور مع تطور الحياة بسبب سياسات هذه الحكومة، وهو اليوم ينزلق نحو فقدان ذلك الإرث بسرعة رهيبة، ولم يدفع الثمن الأطفال وحدهم بل كل قطاعات المجتمع السوداني وهو اليوم يحتاج إلى ثورة تغيير قبل أن يهلك حتى آخره، وبما أن الحكومة لا تريد أن تتحرك من أجله فليتحرك هو من أجل نفسه ولتكن مآسي الأطفال هي الدافع.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..