كفى احباطا وتشاؤما

التحركات التى بدأت فى يناير واستمرت بين مد وجذر حتى نهاية فبراير ،كسرت حاجز الخوف ، واسست لعلاقة جديدة جيدة بين المعارضة وقياداتها من جهة ، والجماهير التى بدات تستعيد ثقة مفقودة من جهة أخرى . رأى البعض من ذلك ان نهاية النظام قد اقتربت ولايحتاج الامر غير مظاهرتين او ثلاثة ! غير ان هؤلاء لم يضعوا فى اعتبارهم عددا من المتغيرات ، التى تجعل الامر هذه المرة مختلفا عما سبق ، كما اشرت فى مقالات سابقة . أسمحوا لى بالتكرار :
– أولا هذا نظام أكاد أجزم بانه لامثيل له فى الماضى أو الحاضر . بدأ بالخداع على انه لاعلاقة له بالاسلاميين ، برغم انه كان واضحا من مجريات الامور وقتها ،انه لا جهة يمكن ان تقوم بمثل ذلك العمل غيرهم . ولعل كبار السن منكم يتذكرون ان كل الجهات السياسية كانت فى كفة وكان الاسلاميون فى الكفة المقابلة ضد الوحدة وضد انفاذ اتفاق قرنق الميرغنى ، الذى لو كان قد تم لانتهت معه جبهتهم بالكامل .وبعد التمكن ، ظهرت الحقيقة فخرج من كان بالسجن ليصبح مديرا لمن ذهب الى القصر ! وبعد الظهور العلنى قام حزب الجبهة بدوره الامنى على أكمل وجه ، وهومستفيد من خبراته وتجاربه السياسية مع الجماعات والافراد من كل شاكلة ولون .
– استفاد الاسلاميون من تلك التجارب بضرب كل القوى التى كانت تصنع الفرق .
– تحول النظام فى الفترة الاخيرة الى تحالف أفراد من الذين ” هبرو ملو ” واصبح همهم البقاء فى السلطة بأى ثمن وكل وسيلة للحفاظ على ماهبرو. وكان على رأس الاولويات ،ولايزال ،الحفاظ على راس النظام من الجنائية وليكون ضمانا لبقاء الاخرين بما لديهم . الدليل ان المعركة الآن هى 2020 !
– التطبيق الكامل لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة بصورة ستدهش صاحب كتاب الامير والمبدأ، اذا غيض له ان يعلم . وانتم تشاهدون وتسمعون وتقرأون العجائب من قبل النظام : قصة طه ، مليارات الاسرة الحاكمة التى يستخدم جزء صغير منها لشراء الاخرين ، الرتب العسكرية التى توزع على كل من هب ودب طالما انهم ” سنده ” أو كما قال فى أم روابة (!)، الجنسية السودانية مع الكلاش لمن يحمى ، تعديل الدستور حسب الطلب ، الجنسية للبدون طالما ان هناك من يدفع ، الذهب الذى يهرب عبر مطار الخرطوم وليس درب الاربعين (!) ..وغيره ..وغيره مما لااعلم ولاتعلمون . المهم ان يكون الشئ مما يساعد على البقاء .
اما المتغير الآخر فهو ماحدث للعالم والاقليم خلال الثلاثين سنة العجاف :
– بالنسبة للعالم ، أصبح مايسمى بالمجتمع الدولى مكونا من عنصر واحد : دول تسعى لمصالحها الرأسمالية فى تناغم قد يبدو فيه بعض النشاز المتفق عليه من وقت لآخر. المثال الاكثر حيوية هو مايحدث فى سوريا . كان فى الماضى معسكران يتنافسان ، فيستفيد الشاطر من ذلك التنافس . أما الآن فانه حتى الصين ، التى احتفظت بالاسم ، فانها اصبحت تعطى لتورط الدول ، ثم تطلب المستحيل على طريقة تاجر البندقية ! وفى الاقليم انتم ترون مايحدث من تنافس على شراء ود النظام الموشك على الانهيار، بدلا عن تقديم المساعدة للممثلين الحقيقيين للشعب لتصبح القشة التى تقصم ظهر النظام ، وذلك لمصلحة الشعب السودانى والاقليم .
كل هذه الاسباب المكررة والتى لاجديد فيها غير محاولة لتجميع أهمها ، حتى يثبت للمحبطين والمتشائمين ان الامر هذه المرة ليس ككل مرة . وبدلا من ان يدلى كل بدلوه لابتكار الحلول المناسبة لهذا الوضع غير التقليدى ، يحدث الاحباط والتشاؤم ، بل وربما تبادل التهم فى أوساط المعارضة التى كانت قد بدأت خطوة هامة جدا على طريق الثورة وذلك بالتوحد الذى اعلن من دار حزب الامة فى السابع عشر من ذلك اليناير الاغر !
فماهى مواصفات الحالة الاحباطية المتشائمة الآن ؟
من المقالات التى اطلع عليها فى الراكوبة ، ولا اشك لحظة فى النوايا الطيبة لاصحابها ، أجد الانواع التالية :
– المنتظرون للحل من خلال المعركة الدائرة داخل النظام . فى هذه اتفق مع رأى الاستاذ عرمان فى ان انتظار هذا الحل غير وارد . السبب مااشرت اليه من الوحدة فى النهاية من أجل الحفاظ على ماهبر ! والحقيقة ، هؤلاء المنتظرون لاينتظرون فى صمت ، ولكنهم يصرفون الانظار عن العدو والتفكير فى “تكريب ” العمل ضده .
– المتفائلون بعودة قوش الآملون فى ان ينتهز فرصة الاعتماد الكامل عليه فى القيام بما يساعد فى تثبيت النظام ولو لفترة قليلة ، عسى ! الا يرى هؤلاء ان الذكاء المدعى للسيد قوش سيهديه الى ان مصيره مرتبط ببقاء النظام . ثم الايدل مافعله قوش حتى الآن على الاتجاه الذى يسير فيه ؟!
– هناك من عدد مناقب السيد على الحاج ، الزعيم الجديد الغائب للشعبى ، على انه القادر على الانقاذ ، ولا أدرى “بامارة أيه “? كما يقول أهلنا المصريون ؟! خصوصا انه لم يعد هناك دور للزعيم الاوحد لاعلى مستوى الدول ولا التنظيمات والا لما جاء السيد ترمب ليرأس أعظم دولة فى عالم اليوم . كذلك اصبح الكل مطالب بالمشاركة فى ايجاد الحلول . وقد استطاع الحزب الشيوعى، مثلا ، مع غياب الشخصيات الكارزمية من امثال نقد ان يضع كامل المعارضة على اول الطريق بقليل من العصف الذهنى الذى توصل لاستغلال ثغرة موجودة فى جدار القوانين الديكتاتورية ، ومنذ ذلك الوقت بدأت ” الفنجطة ” الانقاذية التى لايدرى حتى اصحابها الى اين تسير بهم وبنا ! وهذا يدل على ان البداية صحيحة وستؤدى الى النتيجة الصحيحة والمثبتة تاريخيا ،فلماذا الاحباط والتشاؤم ؟
من ناحية أخرى ، فان الظروف الموضوعية ربما فاقت مرحلة النضج ، ولا أظن ان أحدا خارج دائرة المنتفعين يأمل فى اصلاح ياتى فى اطار هذا النظام وحتى من معه من احزاب الحوار تقدم رجلا وتؤخر أخرى بين المواقف المعارضة والموافقة على استحياء مابعده . الذى يفتقد ، جزئيا ، هو العامل الذاتى ، وهو مايجب التركيز عليه الآن من خلال :
– تأكيد وحدة المعارضة من خلال بيان جامع يوضح الخطوط العريضة لما تخطط له لدحر النظام ومابعده ،اذ انه بالرغم من النقاط التى وضحت فى لقاء المعارضة بعد مظاهرات ميدان الاهلية ، فان الامر لايزال مبهما لغالبية الجماهير التى تنتظر مشاركتها فى قادم الاعمال : لايزال السؤال عن البديل خططيا وتنظيميا فى غاية الاهمية ,
– التأكيد بشكل قاطع ونهائى بانه لاعودة لشعارات التفاوض والهبوط الناعم وعزل اية جهة تعود لمثل هذه الشعارات التى وضح تماما بانه لاجدوى منها وانها فقط تعطى النظام فرصا جديدة للاستمرار .وكما هو واضح فان كل يوم يمر بوجوده يخصم من كرامة وامكانات بل ووجود السودان نفسه .
– ضرورة التنسيق بين القوي السياسية والمحاربة ،خصوصا فى موضوع التفاوض مع الحكومة او الجهات الدولية والاقليمية ، ذلك لانه بدون هذا التنسيق فان الافعال تعطى اشارات غير واضحة بل ومتعارضة فى بعض الاحيان .
– الاتفاق على المركز الموحد للمعارضة ، خصوصا بعد الاتفاق على الخطوات أعلاه بما يحد من أى خلافات كانت بسبب المراكز المتعددة ، بحيث تصدر كل القرارات والخطوات من ذلك المركز مما يقوى ثقة الجماهير فى القيادة التى استعادت بعضا منها فى انتفاضات يناير .
– مخاطبة الجهات الدولية والاقليمية من ذلك المركز الموحد للمعارضة لتوضيح الحقائق وايضا للتذكير بان التاريخ يؤكد ان الغلبة للشعب فى نهاية الامر . وقد راينا فى حالة ثورات ماعرف بالربيع العربى كيف ان المواقف كانت تتبدل على مدار الساعة بين النظم القائمة والثوار حسب توازن القوى فى اللحظة المعينة . هذا ولابد هنا من الاشارة الى الوفود التى تتقاطر هذه الايام على النظام لدعمه بصورة او اخرى .
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..