لا يا د. محمد أ محمود: كن باحثاً مدققاً موثقاً!!

ركن نقاش
* دكتور محمد أحمد محمود الأستاذ السابق بجامعة الخرطوم، ومدير مركز الدراسات النقدية للأديان بالمملكة المتحدة ? بريطانيا، كتب في صحيفة الراكوبة الالكترونية مقالاً ناقداً بعنوان: ” في يوم المرأة العالمي 2018 النساء كاملات عقل حول القَوامة والنشوز والضرب “، ([url]https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-300111.htm)،[/url] تناول فيه آية ” واضْرِبُوهُنَّ: قراءات الأمس “، حيث تناول بالنقد والتحليل آراء أئمة السلف القدماء في آية “واضربوهن”، ودلف بعدها لمعالجة قراءات اليوم لمعاصرين من أمثال محمد عبده (1849 ? 1905)، ورشيد رضا (1865 – 1935)، ثم محمد شحرور، وبعده تناول أبو الأعلى المودودي (1903 – 1979)، الإسلامي الباكستاني، وكل ذلك لا يعنينا في شيء إذ اننا يمكننا حصرهم في آراء المدرسة السلفية عموما قديمها والحديث في ثماني نقاط حصراً، وانما يعنينا ما تناوله دكتور محمد أحمد في أربع النقاط من النقطة التاسعة إلى النقطة الثانية عشرة والتي تناولت آراء الأستاذ محمود محمد طه رائد تطوير التشريع الاسلامي في القرن العشرين وما تلاه حيث انجز مشروعه القاضي بتطوير التشريع الاسلامي من نص “فرعي” خدم غرضه أجل خدمة استنفده إلى نص “أصلي” مدخر لحياة الناس اليوم، وفق ما عرف عنه بالدعوة للرسالة الثانية للاسلام، وتركيزنا على ما نحن بصدده الآن لأنه يخالف ما أجمع عليه السلف والمعاصرون من تفاسير لا تخرج عن كونها تقليدية لم تضع يدها على ما وضع محمود محمد طه يده عليه من تفريق ناجز بين أصول القرآن وفروعه!..
* يقول محمد أحمد محمود في نقطته التاسعة عن محمود محمد طه: أنه “عندما قدّم مشروعه الإصلاحي”، “فإنه قدّم مشروعا متوتّرا منقسما بين جذب الإسلام من ناحية، وجذب معارف العصر الحديث وقيمه من ناحية أخرى”، ويواصل ليقول: “ولقد اهتمّ (يعني الأستاذ محمود) بمسألة المرأة اهتماما كبيرا”، ويصف موقف الأستاذ محمود بقوله: “وكان موقفه منها من أوضح تجليات هذا التوتر والانقسام الفكري”، وفي شرحه وتبيينه لما يعنيه بالتوتر والانقسام يقارن محمد أحمد محمود بين نصين للأستاذ محمود ورد الأول في كتاب الرسالة الثانية من الاسلام “طبعة 1967″، الذي قرر فيه الأستاذ محمود أن موضوع المساواة الاجتماعية هو الفرد البشري وأنه يجب “ألا تقوم بين الأفراد فوارق من جرّاء المولد، أو العنصر، أو اللون، أو العقيدة، أو الجنس من الذكورة والأنوثة”، ثم يأتي محمد أحمد بنص آخر من كتاب تطوير شريعة الأحوال الشخصية “طبعة 1971″، يقول محمد أحمد عن كتاب التطوير: ” يطرح فيه (يعني الأستاذ محمود) رؤيته الإصلاحية لقوانين الأحوال الشخصية التي يعتبرها أهم شريعة بعد شريعة العبادات. وفي إطار بسط هذه الرؤية ناقش موضوع الكفاءة. والكفاءة تعني اصطلاحا أن يساوي الرجل زوجته طبقا لاعتبارات مخصوصة. وفي المذهب الحنفي فإن الكفاءة لها ست خصال هي الإسلام، والدِّين (بمعنى الأخلاق)، والحرية، والنسب، والمال، والحرفة. وحسب مشروع طه الإصلاحي فإن كل هذه الأمور ستسقط في شريعة الرسالة الثانية “ولا يظلّ منها قائما غير الدين والنسب” (تطوير، تداخل الشريعتين). وهكذا أبقى طه في شريعته المقترحة خصلة النسب، إلا أن ما نلاحظه أنه تجنّب تجنبا تاما ذكر تعليله لهذا الإبقاء. ويواصل محمد أحمد شرحه لموضوع النسب الذي (في زعمه) أبقاه الأستاذ محمود: “والنسب شرط ذو طبيعة عنصرية ونشأ في سياق الإمبراطورية الإسلامية المنقسمة عنصريا وعكس الاستعلاء العنصري للعرب بإزاء غير العرب”، انتهى النقل عن د. محمد أحمد، لننظر الآن في فحوى ما زعمه الدكتور هل هو صحيح أم أنه كان متحاملاً فيه على الأستاذ محمود؟!..
النسب للدين “ما” للدم
* المسألة التي أثارها د. محمد أحمد الآن باعتبارها مظهرا من مظاهر التوتّر والانقسام في مشروع “طه” بين جذب الإسلام من ناحية، وجذب معارف العصر الحديث وقيمه من ناحية أخرى، قتلت بحثا في حضرة الأستاذ محمود وكانت نقطة أن النسب مسألة عنصرية أثيرت من أخوان بورتسودان وتم نقاشها بوضوح ونحيل الدكتور الناقد إلى موقع الفكرة الجمهورية “www.alfikra.org”، وإلى الرابط: ” http://www.alfikra.org/talk_view_a.php?talk_id=130″، موقع التسجيلات الصوتية، يستمتع معنا في ما قيل من شرح قاطع بأن النسب هنا للدين ? الأخلاق، وليس للدم، يقول الأستاذ محمود في التسجيل: ” عبد الرحمن (تكتوك) زي أثار النقطة النحن عاوزين نوضحها تماماً..يبدو إنو الناس البيعارضو النسب في ذهنهم حاجة زي دي؛ النسب للنبي (يعني نسب الدم)!، لاكين النسب للدين (النسب لأخلاق النبي) مُش للنبي..النبي عمو أبو لهب ربنا قال عنو “تبت يدا أبي لهب وتب” ما أغنى عنو شي هو عمو بعدين جا سلمان الفارسي عجمي وجا بلال حبشي..نبينا يقول “ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى” ونبينا يقول: “سلمان منَّا آل البيت” سلمان..وأبو لهب تبت يداهو..وإذا كان الأخوان ما دققوا في النقطة دي وعرفو انو النسب مش نسب الدم..نسب الدين..اذا كان النقطة دي ما وضحت دايماً راح يكون في لبس في مسألة النسب أنها عنصرية ونحن دايماً اتكلمنا أنو النسب النحن بنوكدو ما النسب الجايي من الأسرة الغنية ولا النسب الجايي من الأسرة الحاكمة..ديل ما عندنا ليهن اعتبار لاكين النسب الجايي من الأسرة الصالحة يعني الشيخ فلان، ابن الشيخ فلان، ابن الشيخ فلان، ابن الشيخ فلان، فيهن الدين وفيهن المروءة وفيهن الخلق ولدٌ ما ممكن توازنو انت بي واحد إن كان كويس ابن فاجر ابن فاجرة ابن فاجر بالصورة دي..ما ممكن دا..دا ماهو اعتبار للعنصر ولا هو اعتبار للدم بس..اعتبار في الحقيقة للدين والكلام دا نحن عايزنو يتوكد انو لمن نحن نقول النسب المقصود الدين..زي ما قال أدروب هسع اذا كان الانسان انت شفت دينو كويس الولد ذاتو دينو كويس لاكين هو وسط أو فوق للوسط آباهو الورا وأمهاتو فجَّار..خوفك شنو انو مظهرو الديني دا ما هو حقيقي وانو قد ينتكس..كأنو المسألة العندما تعتبر النسب انما اعتبرت قيمتو هو الدينية والخلقية وعايز تتأكد منها هل هي صبغة ثابتة واللا بتهد..دا كل الموضوع..فيبقى النسب بالصورة دي هو استيثاق من الخلق والدين ما هو مشي لأكتر من كدة..”!!، هل يحتاج الدكتور الفاضل إلى مزيد من الشرح نؤكد له أن ماهو بشأن النسب صُفِّيتْ منه العنصرية المتأتية من الدم، وتساوى النسب المجرد من نسب الدم ليكون (أخلاقاً)، فان اتضح له خطل ما ذهب إليه فعليه الاعتذار عما بدر منه من خلط، وإن كبر عليه ذلك، فعزاؤنا في القارئ الكريم الذي هو مقصدنا أصالة لا حوالة!!..
احتراس ضروري
يقول الأستاذ محمود في التسجيل المشار اليه سابقاً: “ونحن دائماً كنا نعلم الدقة الشديدة في مسألة اعتبار النسب في الكفاءة كطرف من الدين، النسب كطرف من الدين، نعلم مبلغ الدقة فيهو وقد استغرق نقاشو وقت طويل هنا..وفي مدني ولا زال نرى أن نعطيه وقت أطول لأنو موضوع حساس ودقيق وأمر التفرقة بين النسب كطرف من الدين والنسب كعنصر وتمييز بين الناس بأقدار الأعراق والدم..ده أمر دائماً التمييز فيهو دقيق وشاق ولذلك كل زمن ننفقوا في تحقيق الفرد بين ما يعنيهو من النسب وما درجت عليهو العادة من اعتبار النسب..كل وقت نعطيهو لهذا النقاش وكت في مكانو..” (لقاء الأربعاء الرابع والعشرين من مارس بالمنزل بالحارة الأولى بالثورة بأمدرمان)..
الدكتور والتفكير الرغائبي
* وسم د. محمد الأديان الكتابية الثلاثة بالذكورية، وقال أنها فضلت جنس الرجال بصورة مطلقة على جنس النساء، وأشار إلى التفضيل الإلهي المطلق لعموم جنس الرجال على عموم جنس النساء، وحينما وجد الأستاذ محمود يذهب في اتجاه توحيدي يخالف ما قر في دواخله حيث ذهب الأستاذ محمود إلى أن التفاوت “يقع بين الرجال، فيما بينهم، وبين النساء فيما بينهن، وبين بعض النساء وبعض الرجال”، استنكر الدكتور ذلك، لأنها تخالف قوله بأن الأديان ذكورية، وذكر أن الأديان فضلت الذكورة على الأنوثة، ولكنه قد يفاجأ إذا انتبه إلى الحوارية الحاسمة بين الرب والملائكة في جعل الرب خليفة له في الأرض، فطعنت الملائكة في كفاءة البشر بحجة أنهم يفسدون ويسفكون الدماء، فكان رد الرب حاسما؛ “إني أعلم ما لا تعلمون”، بمعنى أن مستقبل البشر غير ماضيهم، ومستقبلهم أفضل من ماضيهم لأنهم يتعلمون، ولأمر ما كانت آيات وهن النساء معللة فان زالت العلة ارتفع المعلول: “أن تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى”، والدين يسوق الناس من التعدد إلى الوحدة!..
أديان ذكورية
* يقول د. محمد محمود بصورة حاسمة ” إن الأديان في الغالب ذكورية، وخاصة اليهودية والمسيحية والإسلام. والتمييز ضد المرأة في هذه الأديان أصيل”، ومن هنا يذهب ليؤكد رأياً مضطرباً عنده ويسحبه على الأستاذ محمود ليقول: ” ولكن ماذا عن الطرف الثاني من العبارة (يقصد في الآية) والذي يقول: “وللرجال عليهن درجة”؟ يقول طه إن هذه العبارة تتعلق بـ “منطقة الأخلاق” وإن ذلك لا ينتج عنه وضع يؤثّر على منطقة القانون”، ويواصل الدكتور ليتساءل: ” ولكن كيف يبرّر طه هذه “الدرجة” باعتبارها تحديدا “درجة أخلاقية”؟ ما الذي يضع الرجال في موضع “علو” أخلاقي “طبيعي” والنساء في موضع “دُونِيّة” أخلاقية “طبيعية”؟”، ويجيب: ” يقول طه بصدد هذه المنطقة الأخلاقية إنها حيث “يقع التفاوت بين الرجال، فيما بينهم، وبين النساء فيما بينهن، وبين بعض النساء وبعض الرجال …”، ويواصل الدكتور تعليقه ليقول: “إلا أن كلام طه هذا يطمس العبارة القرآنية التي لا تتحدث عن فروقات نسبية بين أفراد من رجال ونساء وإنما عن التفضيل الإلهي المطلق لعموم جنس الرجال على عموم جنس النساء. وواقع الأمر أن هذه العبارة منسجمة مع باقي القرآن ولا تخرج عن رؤيته التي تعبّر عنها باقي آياته عن المرأة”، ومن هذا التعليق يتضح أن د. محمد محمود لا يعتد برأي الأستاذ الذي لا يجعل لمطلق رجل أفضلية على مطلق امرأة، ويذهب ليقول مؤكداً أن كلام طه يطمس العبارة القرآنية التي تقول: بـ “التفضيل الإلهي المطلق لعموم جنس الرجال على عموم جنس النساء”، والمنطقة الني يتحدث عنها الدكتور منطقة تفسير يتفاوت فيها الناس في الفهم واتجاهات الرأي..
على قمة هرم الكمال البشري رجل تليه امرأته
عند الأستاذ رأي حاسم في الوحدة الاجتماعية يقول فيه: ” اعلموا أن الوحـدة “الاجتماعية” ليست الفـرد، من رجـل أو امـرأة، وإنما هي الزوج من رجـل وامـرأة.. فإنه لا مفاوز الحياة، ولا مراحل السلوك، تقطع بخير من التعاون، والتسانـد، والحب المتبادل، بين شطري هذه الوحـدة.. وفي هـذا، فإن المـرأة لهي جماع آيات الآفاق للرجل.. وإن الرجـل لهـو جماع آيات الآفاق للمـرأة.. “، (تطوير شريعة الاحوال الشخصية ? وصيتي للرجال والنساء معاً)، أكثر من ذلك يقول طه: “”ان آية الآيات، في مستقبل المرأة في القرآن، قوله تعالى “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة” والمعروف هو العرف الذي تواضع عليه الناس ما لم يتعارض مع مراد الدين من تسيير الخلق إلى الله على بصيرة.. وأما قوله “وللرجال عليهن درجة” فلا يعني أن مطلق رجل أفضل من مطلق امرأة وأنما يعني أن على قمة هرم الكمال البشري رجلا تليه امرأة هي قرينته، تكاد تتخطى بذلك كل ما عداه من الرجال.. وأس الرجاء في الآية أن الطريق بها انفتح للمرأة ليتطور حقها وحريتها في المجتمع، بتطوير مسئولياتها وواجباتها في الحياة العامة، والحياة الخاصة، وذلك تطور لا يحده حد على الاطلاق”، (محمود محمد طه – كتاب بيننا وبين محكمة الردة ? الطبعة الثانية – يناير 1969)..
إن قضية القوامة والنشوز والضرب، في الواقع، ليست بهذا الحجم الذي تثار به، ولا تمثل أي حرج في الفقه الاسلامي إلا ما قد كان في الماضي في عهود هيمنة عرف ولاية الزواج ضمن أعراف متقاربة كانت سائدة مثل الولاء المرتبط بالرق وولاية الدم. وقد دخلت ولاية الاجبار كشرط عرفي في عقد النكاح بشأن القصر وفاقدي الأهلية بسبب القرابة أو الولاء أو الملك، حيث كان الرق والعبودية سائدة ولكن تلاشت وانتهت هذه الولاية (ولاية الاجبار القائمة على ولاء العبودية) بتجاوز وتحريم أسبابها من الرق والعبودية، ولم تبق منها إلا ولاية الإجبار على فـاقدي الأهلية و ناقصيها بسبب الصغر أو الجنـون أو العته، والتي يكون للولي فيها حق تزويج من له الولاية عليه ممن يختاره ، سواء رضي المولى عليه بذلك أو لم يرض، وهذه قد أصبحت ولاية عامة تتوقف على إذن القاضي وليس الولي. أما الولاية الاختيارية للأقارب على الترتيب المعروف في التعصيب الميراثي (الابن/ الأب / الأخ/ الجد / الأقربون)، فهي الولاية الاختيارية المتبقية والمستندة على الآية ﴿ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ (النساء:25(. وهذه لا تشكل قضيةً مطلقاً، لأن الرضا بعقد النكاح يكون فيها من الولي والمولى عليه معاً – كما تسمى ولاية الشركة، لأنها قائمة على اشتراك الولي والمولى عليه في الاختيار (عبد الرحمن الجزيري ، المرجع السابق ، ج 4 (. فهي لا تلغي اختيار المولى عليه إن الرضي الولي وأذن أو لم يرض، حيث يستطيع المولى عليه اللجوء لولاية القضاء العامة لامضاء عقد الزواج.
عليه وبما أن آية القوامة والنشوز متعلقة ومحصورة في العلاقة الزوجية فقط ولا علاقة لها بالرجل والمرأة خارج هذا الإطار، أي لا علاقة لها بمطلق جنس الرجال مقابل جنس النساء. فهي مرتبطة بعقد النكاح وحيث أن هذا العقد كغيره من عقود المعاملات الاختيارية أو الاتفاقات الرضائية التي يكون ابرامها اختيارياً كذلك يكون فسخها ولو قضائياً ان امتنع الفسخ الرضائي. عليه فليست قضية النشوز والهجر والضرب أياً كانت صورته بشيءٍ مما يمكن تضخيمه إلى مأزق يتحدى الكاتب فيه المسلمين على ايجاد مخرج منه بسبب النص القرآني. فما ورد بالنص هي أمور اختيارية للزوج مقصود بها حماية هذه المؤسسة المقدسة والمحافظة عليها فهي أساس المجتمع المتماسك، فجوز للزوج بسبب قوامته وانفاقه على الزوجة أن ينفس عن نفسه ضيقها من بعض تصرفات شريكته اتقاءً وعوضاً عن لجوئه مباشرة إلى الطلاق وهو أبغض الحلال عند الله فيتسبب في انهيار المؤسسة الزوجية لأتفه الأمور إلا أنها قد تدفعه إلى خيار الطلاق حتماً متى ما وجد نفسه عاجزاً عن فعل شيء آخر غير التطليق. على أن هذه الأفعال المباحة للزوج وإن لم يؤثم عليها ديانة، فإن الزوجة غير ملزمة بقبولها إلا ترغيباً وثواباً على صبرها عليها حفظاً لاستمرار المؤسسة الزوجية وعدم انهيارها. أما إذا لم تتقبل الزوجة تصرف زوجها في الهجر والضرب فلها كل الحق شرعاً وقانوناً أن تختار فسخ العقد والطلاق إما رغبة في انهاء الزوجية عن قناعة أو عقاباً وتأديباً للزوج باحتساب طلقة بائنة عليه ? طلاق القاضي بائن دائما ? لكي يغير سلوكه معها مستقبلاً ويعمل حساباً لما يتبقى لاستدامة الزواج إن كان راغباً في ذلك ويخشى انهياره.
والخلاصة هي أنه كما أعطي الزوج حق الهجر والضرب لزوجته الناشز، بناء على العرف المعروف السائد، فقد أعطيت الزوجة حق فسخ الزواج قضاءً بسبب سلوك الزوج معها حتى بخلاف المعروف الوارد في الآية. وعموماً، وحيث أن عقد الزواج جزء من جملة المعاملات الانسانية التجارية والاقتصادية منها والاجتماعية التي تترقى برقي البشر فإن كافة الحقوق الاختيارية الثابتة للأفراد ديانة أو قضاءً استناداً على العرف من شأنها الترقي والتهذيب في نهاية المطاف حد التلاشي مع ترقي العرف الانساني من حالة المجتمع في عهود الغلظة و القهر والاستعباد.
إن قضية القوامة والنشوز والضرب، في الواقع، ليست بهذا الحجم الذي تثار به، ولا تمثل أي حرج في الفقه الاسلامي إلا ما قد كان في الماضي في عهود هيمنة عرف ولاية الزواج ضمن أعراف متقاربة كانت سائدة مثل الولاء المرتبط بالرق وولاية الدم. وقد دخلت ولاية الاجبار كشرط عرفي في عقد النكاح بشأن القصر وفاقدي الأهلية بسبب القرابة أو الولاء أو الملك، حيث كان الرق والعبودية سائدة ولكن تلاشت وانتهت هذه الولاية (ولاية الاجبار القائمة على ولاء العبودية) بتجاوز وتحريم أسبابها من الرق والعبودية، ولم تبق منها إلا ولاية الإجبار على فـاقدي الأهلية و ناقصيها بسبب الصغر أو الجنـون أو العته، والتي يكون للولي فيها حق تزويج من له الولاية عليه ممن يختاره ، سواء رضي المولى عليه بذلك أو لم يرض، وهذه قد أصبحت ولاية عامة تتوقف على إذن القاضي وليس الولي. أما الولاية الاختيارية للأقارب على الترتيب المعروف في التعصيب الميراثي (الابن/ الأب / الأخ/ الجد / الأقربون)، فهي الولاية الاختيارية المتبقية والمستندة على الآية ﴿ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ (النساء:25(. وهذه لا تشكل قضيةً مطلقاً، لأن الرضا بعقد النكاح يكون فيها من الولي والمولى عليه معاً – كما تسمى ولاية الشركة، لأنها قائمة على اشتراك الولي والمولى عليه في الاختيار (عبد الرحمن الجزيري ، المرجع السابق ، ج 4 (. فهي لا تلغي اختيار المولى عليه إن الرضي الولي وأذن أو لم يرض، حيث يستطيع المولى عليه اللجوء لولاية القضاء العامة لامضاء عقد الزواج.
عليه وبما أن آية القوامة والنشوز متعلقة ومحصورة في العلاقة الزوجية فقط ولا علاقة لها بالرجل والمرأة خارج هذا الإطار، أي لا علاقة لها بمطلق جنس الرجال مقابل جنس النساء. فهي مرتبطة بعقد النكاح وحيث أن هذا العقد كغيره من عقود المعاملات الاختيارية أو الاتفاقات الرضائية التي يكون ابرامها اختيارياً كذلك يكون فسخها ولو قضائياً ان امتنع الفسخ الرضائي. عليه فليست قضية النشوز والهجر والضرب أياً كانت صورته بشيءٍ مما يمكن تضخيمه إلى مأزق يتحدى الكاتب فيه المسلمين على ايجاد مخرج منه بسبب النص القرآني. فما ورد بالنص هي أمور اختيارية للزوج مقصود بها حماية هذه المؤسسة المقدسة والمحافظة عليها فهي أساس المجتمع المتماسك، فجوز للزوج بسبب قوامته وانفاقه على الزوجة أن ينفس عن نفسه ضيقها من بعض تصرفات شريكته اتقاءً وعوضاً عن لجوئه مباشرة إلى الطلاق وهو أبغض الحلال عند الله فيتسبب في انهيار المؤسسة الزوجية لأتفه الأمور إلا أنها قد تدفعه إلى خيار الطلاق حتماً متى ما وجد نفسه عاجزاً عن فعل شيء آخر غير التطليق. على أن هذه الأفعال المباحة للزوج وإن لم يؤثم عليها ديانة، فإن الزوجة غير ملزمة بقبولها إلا ترغيباً وثواباً على صبرها عليها حفظاً لاستمرار المؤسسة الزوجية وعدم انهيارها. أما إذا لم تتقبل الزوجة تصرف زوجها في الهجر والضرب فلها كل الحق شرعاً وقانوناً أن تختار فسخ العقد والطلاق إما رغبة في انهاء الزوجية عن قناعة أو عقاباً وتأديباً للزوج باحتساب طلقة بائنة عليه ? طلاق القاضي بائن دائما ? لكي يغير سلوكه معها مستقبلاً ويعمل حساباً لما يتبقى لاستدامة الزواج إن كان راغباً في ذلك ويخشى انهياره.
والخلاصة هي أنه كما أعطي الزوج حق الهجر والضرب لزوجته الناشز، بناء على العرف المعروف السائد، فقد أعطيت الزوجة حق فسخ الزواج قضاءً بسبب سلوك الزوج معها حتى بخلاف المعروف الوارد في الآية. وعموماً، وحيث أن عقد الزواج جزء من جملة المعاملات الانسانية التجارية والاقتصادية منها والاجتماعية التي تترقى برقي البشر فإن كافة الحقوق الاختيارية الثابتة للأفراد ديانة أو قضاءً استناداً على العرف من شأنها الترقي والتهذيب في نهاية المطاف حد التلاشي مع ترقي العرف الانساني من حالة المجتمع في عهود الغلظة و القهر والاستعباد.