مقالات سياسية

استعينوا بأمثال هؤلاء!

شهد السيد رئيس الجمهورية، لدى زيارته لولاية شمال كردفان مؤخراً، لقاء خمسمائة من أئمة المساجد العاملين في العاصمة المثلثة، من خريجي مركز تحفيظ القرآن بخرسي، في بادرة جميلة، وغير مسبوقة، لتكريمهم في مقر تخرّجهم. وهذه بكل تأكيد لفتة بارعة من رئاسة الجهورية تدل على عناية الدولة بتحفيظ القرآن الكريم وأهله؛ فخيركم من تعلم القرآن وعلمه، وتشير هذه اللفتة أيضاً إلى أن هنالك دوراً رائداً يمكن أن يضطلع به حفظة القرآن من أجل نشر القيم والفضيلة وكريم الأخلاق، من خلال الخطب في منابر المساجد، وبما يمثله هؤلاء النفر الكريم من قدوة حسنة وأسوة طيبة لشبابنا، من الجنسين؛ خاصة إذا علمنا أن بعض خلاوي القرآن، في شمال كردفان وغيرها من المناطق، دأبت على تخريج حافظات للقرآن، كما هو الحال في خلوة مصابيح الهدى الواقعة في قرية سراج بمحلية بارا. وهذا التوجه، من جانب آخر، يعني ببساطة أن الخلاوي يمكن أن تسهم بقدر كبير في تنمية المجتمع المحلي معنوياً ومادياً، إذا توفر لها الدعم اللازم من لدن الجهات الرسمية والقائمين على الأمر والخيرين والجهات ذات الصلة. ويا ليت أن خلاوي تحفيظ القرآن تدخل، ضمن ما تقدمه للطلاب من خدمات، شملت حتى التأمين الصحي، برامج تدريب على الإنتاج ترتبط بالمصادر الطبيعية المتاحة والمتوفرة في كل منطقة؛ فيتخرج حافظ القرآن المزارع، والتاجر، وصبي الميكانيكي، والراعي، والنجار أو الحافظ صاحب أي حرفة أو مهنة أخرى، مثلما كانت تفعل الحركة السنوسية في ليبيا في القرن التاسع عشر، ومثلما يحدث الآن في خلوة الشيخ عبد الله الأسد، بمنطقة الرهد، حتى يرتبط القرآن بالحياة العملية للمجتمع، وبالتالي يمكن أن نحقق تنمية بشرية واجتماعية واقتصادية بالاستفادة مما يتوفر لدينا من مصادر تتمثل في الماء والأرض والإنسان، وكما هو معلوم فإن هذه العناصر هي المتطلبات الرئيسة لأي شكل من أشكال التنمية. وحتى تكتمل الصورة، كنت أتمنى أن يصطحب السيد رئيس الجمهورية بعض ذوي الخبرة الذين شغلوا مناصب دستورية وإدارية في شمال كردفان سابقاً؛ فهؤلاء يعتبرون من أصحاب الخبرة العملية والتجربة، الذين يمكن أن يستعان بهم في مجال التخطيط والتدريب الإداري؛ خاصة لمنسوبي الخدمة المدنية في المناطق الريفية الأقل نمواً؛ لأن هؤلاء الشباب، بطبيعة الحال، يحتاجون من يأخذ بأيديهم حتى يقدموا أفضل ما لديهم إلى المجتمع فيما يتعلق بالخدمات الإدارية في كافة المجالات؛ ويمكن أن يوظف هؤلاء الخبراء في وضع أستاذي فخري ?professor emeritus? في الكليات ذات الطبيعة التطبيقية؛ خاصة كليات الإدارة وخدمة المجتمع، وذلك للاستفادة من خبرتهم وما يقدمون من تجارب عملية للأجيال الشابة. يحضرني في هذه المناسبة، شخصان: عرف أحدهما بالخبرة الطويلة والخدمة المتميزة في سلك الإدارة، والحرص على تطبيق متطلبات التنمية المستدامة، ذلكم هو شيخ العرب الأستاذ والمحافظ المخضرم بلة إبراهيم الحسن، الذي عمل بمحافظة بارا الكبرى في مطلع تسعينات القرن الماضي، وترك بصمات واضحة لا تزال تتحدث عن نفسها من بينها طريق الأبيض? بارا، الذي اختصر الزمن بين المدينتين لأقل من ساعة، وسهّل تنقل الناس ونقل البضائع؛ وكل ذلك بمبادرة شخصية من هذا الرجل العظيم، الذي استطاع توظيف علاقاته الإدارية للحصول على التمويل الأولي المطلوب لكي تشرع الشركات في إنشاء الطريق، وظل يتابعه ويدعمه، بعيداً عن الإعلام والبهرجة؛ حتى تحول لواقع ملموس، بحمد الله! ومن الأشياء، التي لا يزال الناس في منطقة بارا يذكرونها للمحافظ بلة، سعيه الدؤوب للمحافظة على البيئة والغطاء النباتي بإصداره لأوامر صارمة تجرّم قطع الأشجار وتعاقب عليه، في وقت كانت المنطقة برمتها تتعرض لموجة من الجفاف والتصحر كان من الممكن أن تحوّل مساحات شاسعة إلى صحراء قاحلة لا نبات فيها ولا حياة. ليس هذا فحسب، بل إن المحافظ بلة قد اتبع طريقة فريدة في مكافحة الجريمة وبالذات السرقات حتى تاب على يديه عدد مقدر من كبار اللصوص. ولذلك حق لعمنا عيساوي محمد أبو شناح أن يمدح شيخ العرب بلة إبراهيم الحسن بمربوعته التي يقول فيها:
يا دقر الدُقُرّة البيك القبايل عاطن
ويا ضراع الكاكنيت المنو المخاويل جاطن
يا دوس النجوس خلي النفوس تتواطن
وإما صرحلنا وخلنا النتباطن
ورجل بهذا القدر من العظمة كفيل وجدير بالتكريم والاحتفاء من قبل قيادة الدولة والمجتمع. أما الرجل الآخر، الذي يستحق التكريم، ممن عملوا في بارا، فهو الشاعر الأستاذ كامل عبد الماجد الذي يقول وفاءً لبارا وأهلها:
هاك يا سرب القماري
هاك للحبان رسالة
يمم الغرة البعيدة
وأطوي قيزانا وتلالا
أمشي لي بارا الجميلة
الراقدة فوق أحضان رمالا
ودي لي ناسا التحية واسأليهم كيف بارا حالا
يا قماري خلاص وصلتي، أبني أعشاشك وأسكني
بارا، ما رحل زولاً مشالا
وقد صدق، فما من شخص وضع عصا الترحال في بارا ثم أرتحل عنها؛ فهي لذلك سودان مصغر. أمثال هؤلاء الرجال هم من يُصلح الناس، ولذلك ينبغي أن يستعان بهم، كما يجب تكريمهم.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..