فى محاضرة معهد أبحاث السلام: عون الخصاونة: لا قانون يمنع تقرير المصير

الخرطوم : محمد جادين:

اسئلة عريضة حاولت الاجابة عليها المحاضرة الدورية لمعهد ابحاث السلام بالتعاون مع كلية القانون جامعة الخرطوم بقاعة الشارقة أمس والتى حملت عنوان «حق تقرير المصير فى ضوء الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول قضية كوسوفو» .
قدم المحاضرة دولة الرئيس الدكتور عون الخصاونة رئيس وزراء الاردن الأسبق والنائب السابق لرئيس محكمة العدل الدولية، والذى تحدث بكثير من التفصيل عن فكرة «حق تقرير المصير» وتطورها وموقعها حالياً بعد انتهاء العهد الاستعمارى فى العالم.
فى بداية المحاضرة طرح الخبير القانونى رئيس الجلسة دفع الله الحاج يوسف عدداً من الأسئلة كانت مدخلاً للقضية الشائكة، وقال ان ما يجري في كثير من البلاد وتنامى النزاعات القبلية و الجهوية والطائفية وما افرزته من حروب وما يقابلها من معاهدات للصلح وتسويات أفرزت دولاً جديدة فى خريطة العالم وبعضها مازال يسعى بذات المطالب لتقرير مصيره ، اوضح ان السودان من الدول التى عانت من هذه التجربة ومازال يعانى من انفصال جزء عزيز من ارضه بانفصال دولة جنوب السودان.
وفى بداية حديثه طرح الخبير القانونى الدولى، دولة الرئيس الدكتور عون الخصاونة عدة اسئلة عن فكرة «تقرير المصير» كيف انبثقت وكيف تطورت و اين موقع هذه الفكرة بعد انتهاء عصر الاستعمار بمظهره التقليدى، وقال اننا نعيش حالياً فى عهد هيمنة الدول الكبرى، فى مرحلة تتسارع فيها خطى التاريخ بتطورات مهمة فيها مساس لفكرة الدولة وسيادتها وحصانتها والتكامل الاقليمي وغيرها من المبادئ الأساسية التى بُني عليها النظام العالمى منذ انشاء الامم المتحدة.
واشار الى ان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية فى حالة « اعلان كوسوفو» والذى تم من جانب واحد لم يحدث فيه اي تضاد للقانون الدولى، بحيث ان الدول التى شاركت فى المرافعات جعلت حق تقرير المصير أحد الأسس بان اعلان الاستقلال لايخالف اى قانون من قوانين المجتمع الدولى.
وفى سياحة تاريخية تحدث الخصاونة عن الفكرة، وقال ان ما يمكن ان نسميه بتقرير المصير الداخلى، كان موجودا منذ عهد الامبراطوريتين الرومانية والبريطانية، ما يثير الانتباه الى ان الامر كان موجودا فى أوربا فى العصر الوسيط والى عصر الثورة الصناعية، الا انه تحول الى فكرة قانونية لها محتوى جغرافى بعد تغيُر الأوضاع فى اوربا عقب ظهور نظريات العقد الاجتماعى ومسألة القوميات ومن ثم بدأ النظر الى الأمبراطوريات القديمة الى انها كيانات مصطنعة، وتجلت هذه النظرة فى اوربا الشرقية ودول البلغان، من جهة اخرى ساهمت الثورة الصناعية وما تبعها من انتقال السكان من الارياف الى المدن الى ظهور نخبة جديدة، واشار الى انه فى بداية القرن العشرين حدث تطور كبير فى تقرير المصير وذلك ماعرف بـ «مبادئ ويلسون» الرئيس الامريكى الاسبق والذى قدم مسألة حق تقرير المصير للكونغرس عام 1918، ومن ثم اصبح هذا الحق اداة سياسية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كأول مرحلة فى نزع الاستعمار الا ان هذا الحق كان انتقائيا ولم يشمل كل الشعوب، اما الرؤية الثانية قام بها لينين الا انه قال فى احدى كتاباته «فكرة تقرير المصير ليست مطلقة» وطبق هذا الحق بشكل خاص على الاجزاء الإسلامية وكان مصيرها القمع وضمها للاتحاد السوفيتى، ومن ثم تبنى الاتحاد السوفيتى فكرة تقرير المصير ، واصبح من اكبر المدافعين عنها فى الامم المتحدة، واستطاع مع حلفائه السوفيتيين ادخال تقرير المصير فى مواد الأمم المتحدة، وتحويله من مبدأ عام الى حق قانونى، وتجلى هذا عام 1960 حول منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة، وكانت الفكرة محل جدال عنيف ، وكانت الولايات المتحدة من اكبر الدول المساندة لهذا الحق وحتى تقبلت الدول المُستعمِره هذا الواقع الذى فرضته عليها نتائج الحرب العالمية الثانية.
الا ان الخصاونة اوضح ان هذا الحق واضح للدول واستشهد بالنزاع الذى تم بين فنلندا والسويد فى الجزء الذى يقع بينهما ، ويضاف الى ذلك حالات نزع الاستعمار الذى لا ينقص من سيادة هذه الدول ومن ثم اصبحت الفكرة ملائمة للدول الاستعمارية لنزع استعمارها التقليدى وما خلق كيانات صغيرة معرضة للانهيار، اوضح انه بعد انتهاء حقبة نزع الاستعمار التقليدى ظهرت التناقضات، وقال اذا كان حق تقرير المصير حق قانونى فلابد ان تنطبق عليه صفة الديمومة والعمومية، بحيث يصبح حقا عالميا بغض النظر عن تطبيقه على ارض الواقع، واضاف نحن نعيش فى فترة سماها احد المفكرين «قبلية ما بعد الحداثة» وذلك بوجود دعوات عديدة فى محكمة العدل الدولية للمطالبة بالانفصال وتقرير المصير من بينها انفصال كشمير ودعوات لانفصال اجزاء اخرى من السودان، واسكتلندا، وغيرها من الدول.
واوضح الخصاونه انه وفق القانون الدولى لا يوجد قانون يمنع ذلك و لا يوجد حق يحظر الانفصال، وقال ان القانون الدولى لا يضمن بقاء دولة الى ما لا نهاية، ونوه الى ان ميثاق الأمم المتحدة الاساسى يدعو الى المحافظة على السلم والتغيير السلمى، اما بالنسبة للاعتراف بالدولة المنفصلة كما نص الرأي الاستشارى لمحكمة العدل الدولية انه ليس هناك حالة غير قانونية حال الاعتراف الجماعى، وقال ان كوسوفو اكبر شاهد على ذلك واوضح ان مسألة الاعتراف عمل سياسى وارجع ان فكرة تقرير المصير تنامت نتيجة لعوامل الليبرالية وظهور القوميات، واوضح الخصاونة ان اهمية الرأي الاستشارى لمحكمة العدل الدولية فى قضية كوسوفو انها اعلنت الاستقلال من جانب واحد استناداً على مبدأ الاباحة، وقال نحن « امام مرحلة جديدة من التاريخ فى العلاقات الدولية وتنامى فكرة ظهور حق تقرير المصير فى دول العالم خاصة دول العالم الثالث و الدول العربية».
وفى تعقيبه على المحاضرة تحدث الدكتور محمد عبد السلام بابكر استاذ القانون بجامعة الخرطوم عن علاقة تقرير المصير بما حدث فى السودان، وقال ان الحق فكرة سياسية وليست قانونية، لافتاً الى وجود فرق فى تقرير المصير مابين كوسوفو والسودان وان كوسوفو بانفصالها من دولة يوغسلافيا شكلت تعقيدا وتحدياً كبيراً امام محكمة العدل الدولية، واما بالنظر للسودان قال ان ماتم هو اتفاق بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، واضاف فى حال موافقة الدولة لا نجد هناك مشكلة فى الانفصال.
وفى مداخلته تساءل الدكتور توفيق بيشان من السفارة الاردنية حول امكانية انفصال اجزاء من سوريا تحت مسمى مذهبى، هل باستطاعة ذلك تسهيل الخروج من الأزمة فى سوريا وهل سيحظى هذا المبدأ بدعم دولى، وجاوب الخصاونة انه لا يستطيع الأن الرد باسم محكمة العدل الدولية ، وقال اتمنى الا يحدث تشظٍ فى سوريا، واضاف»انا من دعاة الوحدة»، لافتاً الى ان الحلول لكثير من القضايا ليس من الضرورى ان تكون قانونية خاصة اذا كانت تؤدى الى التفتيت والانقسام.
وقال طارق مبارك مجزذوب الأستاذ بكلية القانون جامعة الخرطوم الاستشارى بمجلس الولايات ان حق تقرير المصير تغلب عليه الصفة السياسية وانه يتصادم ويتعارض مع التوجه الدولى للتجمع الاكبر وليس التشظي والتفتت فى كيانات ودول صغيرة، واشار الى ان مفهوم السيادة التقليدى فى الدول لم يعد حاكما بالصورة القديمة، وفى رده على التساؤل قال الخصاونة ان حق تقرير المصير ليس بالضرورة ان يؤدى للانفصال ويمكن ان يؤدى الى الوحدة كما حدث فى نموذج اتحاد المانيا، ونوه الخبير الدولى الى انه كلما خفت وطأة الدولة ومالت للفيدرالية والتنمية فى جميع المناطق تقل الحاجة الى المطالبة بالانفصال، واضاف «ان الاهم من الفيدرالية العدل» . .
وتطرق الخصاونة الى القضية الفلسطينية واعتماد دولة فلسطين بصفة مراقب فى الأمم المتحدة، وقال ان هذا الحق لا يجب ان يضيع، وشدد على ان يتواصل السعى والا يتحول هذا الحق الى رمزية سياسية فقط.
ومن جانبه رسم بروفسير الطيب حاج عطية صورة قاتمة لنتائج حق تقرير المصير بعد ان اصبح سابقة فى القانون الدولى، وقال ان ما اثاره الخبير الدولى حديث خطير بمثابة قنابل متتالية فى عالم متغير ، وقال ان حق تقرير المصير يتزامن مع مبادئ جديدة فى العالم تعطى الحق فى تدخل المجتمع الدولى فى القضايا الداخلية اذا كانت الامور لا تسير بعدالة فى منطقة ما فى العالم، وتساءل هل نحن نمضى فى عالم يسير نحو العالمية فى الثقافة والاعلام ، واشار الى ان قضايا تقرير المصير قنابل موقوتة فى العديد من دول العالم وليس المسألة فى السودان الذى ربما ظهرت فيه نتيجة لضعف الدولة فيه، واضاف فى تقديرى نحن مواجهون بتساؤلات مهمة اولها مامعنى الدولة، وماجدوى الدولة لنا؟، لافتاً الى ان السودان فى مرحلة الانتقال للدولة، وتابع ماهو المعيار للتمسك بالدولة هل السلام العالمى ام رفاهية المواطنين، وقال ان القانون الدولى لايشكل مجموعة مبادئ وليست لديه قوة تسنده واسنان، بحيث اصبح استخدام الحق سياسيا، واختتم حاج عطية مداخلته:
كيف نُعرف من يطلب الحق هل بمجموعة السكان ام بالجغرافيا؟.
وفى ختام المحاضرة قال الخصاونة ان الانفصال وتقرير المصير يجب ان يكون حقا داخليا بعيداً عن تدخل اجنبى، يجب ان لا يرافق عملية الانفصال انتهاك للقانون الدولى، وقال ان التاريخ الانسانى كله عبارة عن اتحادات وانفصالات وان القانون حتى الان لايستطيع ان يوقف حق تقرير المصير ولكن يستطيع ان ينظمه وان يضع شروطا على العملية، وقال نحن امام خيار صعب من حيث المبدأ واذا كان تقرير المصير حقاً فهو حق للجميع.

الصحافة

تعليق واحد

  1. في هذا السودان ستقوم شعوب الهامش بممارسة حق تقرير المصير ابي من ابي ورضي من رضي — ولا عاصم من ذلك الا الفجر الجديد لسودان جديد يعترف فيه السودانيون ببعضهم البعض وينال الكل حقوقة المشروعة ولا كتر خير اي احد وبالتالي يمكن ان تزول الضغائن والغبائن ونحافظ على ما تبقى من بلادنا

  2. بختكم يا أهل دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والبجا ونوبة الشمال،، أهى دى فتوى جاهزة وكذلك مضمنة فى الدستور السودانى،، أثيوبيا طبقتها واليوم تعيش فى أمان ووحدة وتوافق وتنمية إقتصادية هى الاعلى فى أفريقيا بمتوسط نسبة نمو 12 بالمائة خلال العقد الماضى بجانب إحترام دولى وتفضيل أمريكى،،

  3. بدون ما اقرأ الموضوع — انا احب اسرائيل

    و الماعاجوا خليه يقع البحر

    و الفلسطينين في افضل من السودانين في دولتهم

  4. جدل مفاهيمى وقانونى وسياسى مفيد حول حق تقرير المصير والحمدالله البروفيسر الطيب الحاج عطية اكد ان السودان فى مرحلة الانتقال الى دولة ، ونامل ان تتبنى هذه الدولة وفق ما جاء فى وثيقة الفجر الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..