نظرة في كتاب الله (2)

كل هذا الكون بما فيه من غازات وسوائل و أجرام سماوية سابحه فيه، في البدء كان ذرة هيدروجين كابسط ذرات الكون تخلقا مما يسميه العلماء (بالجسيمات) كالكواركات وما قبلها، قبل أن يتم تشكيل الذرات الأقل وزنا مثل الهيدوجين والهليوم وبقية الذرات الأكثر وزنا حتى تشكيل العناصر المختلفة في كوننا الحالي الذي نراه اليوم…
وكم يقف الواحد منا مشدوها أمام عظمة الخالق الذي خلق من هذا الجسيم الغير مرئي هذا الكون الهائل بمجراته العملاقة، الذي يزيد في الحجم اتساعا ولا يعرف مداه إلا الله… قال تعالى (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) لأن أصل مادة الكون من جنس واحد (ذرة هيدروجين وهي أصغر الذرات المعروفة حتى الآن وتتكون من بروتون واحد وإلكترون واحد يدور حول النواة والذي بدوره يتكون بما يُسمى بالكواركات وخيوط طيفية متناهية الصغير فهنالك جسيمات أصغر من الذرة بكثير هي التي تشكلت منها الذرات لاحقا ـ كما أشار اليها الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة و (مَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) فلا يوجد هنالك تباين في مادة الكون مهما اختلفت العناصر عن بعضها لأن منشأها واحد واختلاف العناصر التي تشكلت منها السموات والأرض من (فلزات ولا فلزات وسوائل وغازات ) ما هو إلا نتاج لعملية انقسام نواة الذرة الى قسمين وأكثر بمضاعفات هندسية سريعة تفوق سرعة الضوء والتي تحولت فيما بعد الى العناصر التي تختلف عن بعضها البعض وهو ما حدث عند بداية الكون (نظرية الانفجار الكبير) ـ (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ) ـ وذكر الماء مباشرة بعد عملية الفتق في الآية الكريمة دلالة على أن الكون بعد الانفجار الكبير ومرحلة تشكل الغازات تحول الى بخار ماء ليس فيه جماد بالمطلق وهي المرحلة الطبيعية للغازات قبل أن تصل لمرحلة الصلابة (وكان عرشه على الماء) وأول الكائنات الحية كانت الحيوانات البحرية… فالاختلاف بين العناصر التي يتكون منها الكون اختلاف كمي وليس نوعي… فالذهب يختلف عن الحديد والحديد عن الخشب مثلا باختلاف عدده الذري فقط… فكل ذرات العناصر المختلفة متشابهة الصفات مثل الأجناس البشرية التي تختلف في سحنتها وأشكالها ولغاتها ولكنها ذات منشأ واحد عند تتبع أصولها الأنثروبولوجية، فهي من نسل آدم وحواء…. فهذا يدل على أن لهذا الكون إله واحد لا إله غيره (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)
فاذا كانت نشأة الكون بالانفجار النووي الكبير (إنقسام نواة الذرة الى قسمين أو أكثر لتشكيل ذرات أخرى وجزيئات ذرات لعناصر مختلفة ) مع ما يصاحبه من توسع وتمدد فلماذا لا تكون نهايته عن طريق الانكماش الكوني (الاندماج النووي) فكلاهما يحدث إنفجارا هائلا (الانفجار النووي والاندماج النووي كذلك) ـ والعلم عند الله ـ وهو عكس الانفجار النووي (العملية التي تتجمع فيها نواتان ذريتان لتكوين نواة واحدة) لتعود مرة أخرى كذرة واحدة كما كانت عند بداية الانفجار الكبير وهي التي تشكلت منها الكون الذي نراه أمامنا… (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده)
فالله لم يخلق هذا الكون عبثا وإنما تسخيرا للإنسان كما خلق الإنسان لعبادته… (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون) والعبادات لا تقتصر على الصلاة والصوم والزكاة والحج لمن استطاع اليه سبيلا …الخ. فهذه هي العبادات الشرعية المفروضة ولكن هنالك ما هي أعمق من ذلك بكثير… فالعبادة هي الخضوع والتذلل وكل شئ في هذا الكون في حركة دائمة من العبادة سواء كان جمادا أو حيوانا أو غير ذلك… ألم ترَ أن الشمس لا تعصي خالقها في شروقها ولا في غروبها وهي خاضعة له تماما وكذلك الكواكب والمجرات تدور في أفلاكها تحت المشيئة الإلهية كما أراده لها حتى الملحدين والكفار يعبدون الله ولكنها عبادة قهرية وليست إختيارية ولكن الله يحب من عباده عبادة طوعية له وليست العبادة القهرية التي ليست للانسان دخل فيها (وهو القاهر فوق عباده)… فالانسان حين يخضع لسلطان الجوع ويُطعم ليشبع غريزته فهو في حالة عبادة وحينما يعطش ويرتوي أوعندما يغلبه النعاس ويخضع للنوم، فكل حركة من حركات الإنسان وكل سكنة من سكناته منذ أن يصحو من النوم مبكرا حتى منامه بالليل وفي أثناء النوم وهو في حالة عبادة وإن لم يشعر بذلك وسنام هذه العبادات هو ذكر الله (وأقم الصلاة لذكري) ـ (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) وحبذا لو إقترن هذا الذكر بالعلم والتدبر في آيات الله (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم)
وقوله تعالي على لسان رسوله الكريم (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فطلب العلم فريضة .. فلا يعلم بعض قدر الله إلا العلماء (إنما يخشى الله َمن عباده العلماءُ) وأتقى الناس لله أعرفهم بالله ولنا في رسول الله اسوة حسنة فهو أعرفنا بالله وأتقانا….
فالله سبحانه وتعالى يريد من الإنسان أن يمجده ويعظم شأنه على بصيرة من أمره من خلال العلم الذي به يستطيع سُبر الكون واكتناز بعض أسراره اللامتناهي، فكلما تبحَّر العالمُ في علم من العلوم، يقف خاشعا ومسبحا أمام عظمة الخالق المبدع الذي أحسن كل شئ خلقه وأتقن فيه كمالا يفوق حد الوصف والخيال… فالعلم فضله عظيم كما قال صلى الله عليه وسلم : (فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم) ولا غرو في ذلك أن أول سورة نزلت على النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وأول كلمة في تلك السورة كانت كلمة (أقرأ) أي (تعلم) وهو أمر الهي ملزم للناس كافة لطلب العلم لأن الانسان كلما ازداد علما عرف قدر الله أكثر (وقل ربي زدني علما)… كما لا عجب أن سيدنا آدم قد تجاوز درجة الملائكة فضلا بعلمه الذي آتاه الله إياه وكان له سجود تكريم من الملائكة قال تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها)… فاذا لم تقترن العبادات المفروضة بالعلم المادي الذي يؤدي الى اليقين بوحدانية الخالق وعظمته فلا معنى لها، حينها ستكون مجرد شعائر تُؤدى أو تقليد أعمى لمن سلف (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)… فأمثال هؤلاء مسلمون بالميلاد… ولم يدخل الإيمان اليقيني في قلوبهم من بعد، فإيمانهم إما كان تقليدا لآبائهم أو توجسا من نظرة مجتمعاتهم لهم أو نفاقا وتزلفا لغرض دنيوي لذا تراهم يسقطون في أول سلم للابتلاء وهل هنالك أشد إبتلاء من إبتلاء المال والسلطة؟؟ فأمثال هؤلاء قال الله عنهم:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) …….
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ، قيل: يا رسول الله جلهم لنا – أي صفهم لنا – قال: إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)… محارم الله هي النواهي وما أكثرها كالسرقة والزنا وأكل أموال الناس بالباطل وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وظلم الناس..الخ.
[email][email protected][/email]
(((الفتق في الآية الكريمة دلالة على أن الكون بعد الانفجار الكبير ومرحلة تشكل الغازات تحول الى بخار ماء ليس فيه جماد بالمطلق وهي المرحلة الطبيعية للغازات قبل أن تصل لمرحلة الصلابة (وكان عرشه على الماء) وأول الكائنات الحية كانت الحيوانات البحرية… )))
منطقي هذا الكلام، تكوين الماء أو حالة الميوعة مقابل تكون حالة الجمود والتصلب، هو ما تكون بعد الفتق أو الانفجار العظيم – وهنا أوردت جزء الآية (وكان عرشه على الماء)؛ وكان يحسن لو شرحت مغزى هذه الآية في هذا السياق، أي ما معنى (وكان) هل هي فعل ماضي تعني قبل خلق حالة السيولة المطلقة التى أشرت إلى إنها نتجت بعد الانفجار الكبير أم كما يقول المنطق بأن العرش كان على الماء بعد تكون حالة السيولة؛ لأنك لو قلت قبل ذلك فذلك يعني أن العرش لم يبدأ (لاحظ أنني لا أقصد العرش عند السلفية) وانما أقصد عملية العرش من عرش يعرش مثل عروش العنب في الجناين أو تسوية وهيكلة الحياة وبنائها بعضها على بعض – وقد أحسنت حين أضفت عبارة (وأول الكائنات الحية كانت الحيوانات البحرية…) في إشارة واضحة إلى فهمك لعبارةالعرش على الماء انما تعني خلق الكائنات الحية وهذا هو عين الحقيقة في تأويل العرش في القرآن وقد ضل المتقدمون ضلالاً بعيداً فأولوا العرش بأنه سرسر الملك تعالى الله وتنزه عن تعظيم نفسه بعرش يجلس فيه أو يعتليه كملوك الدنيا من مخلوقاته.
إن الذين قالوا بالعرش ككرسي الملك اضطرهم هذا القول إلى حمل عبارة (وكان عرشه) على الظرفية الزمانية بمعنى (كان عرشه قبل ذلك أي قبل بدء خلق الكون بالانفجار الكبير)، وهذا يجعلهم في مواجهة السؤال المشروع: وهل كان يوجد ماء قبل خلق الكون؟؟؟ بينما عبارة (وكان عرشه) هي عبارة حالية أو خبرية تفيد بأن الخالق عز وجل وهو يسوي الكون وعرش (بناء) الحياة فيه على الماء ولم يخلقها من المادة في حالة الجمود والصلابة وإنما من حالة السيولة المائية وجعل تركيبها منه كأساس للحياة التي أرادها بكل تنوعها.
الأخ حمدي لقد كان ظني فيما كتبت في المقال أن لك نظرة متقدمة فيما يتعلق بتفسير العرش خلاف التفسير التقليدي التجسيدي المعروف، ولكن ردك على تعليقي قد خيب كل الظن، فإذا كان سياق الآية يحكي عن خلق السماوات والارض والعرش بغرض بلاء خلقه أيهم أحسن عملاً، أي لم يخلق كل ذلك عبثاً وانما بغرض الخضوع له وعبادته، فأين ما خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملاً حسبما أشارت الآية؟؟ هل سيبلو السماوات والأرض أم من خلق بينهما من حياة، خاصة الانسان الذي سخر له بقية الخلق وجعله خليفة في الأرض. أنت تقول إن عبارة ذكر العرش جاءت لـ (تفيد الحكم بين الناس (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فكان لا بد من وجود عرش الملك للحكم بين الناس والله أعلم…)!
والسؤال هل خلق الله العرش ليجلس عليه ليحكم بين الناس؟ طبعاً هذا ما يقوله السلفية وخاصة الجسمية منهم والجواب أن الله تعالى عن ذلك علواً كبيرا لايحتاج للجلوس على شيء مما خلق فهو سبحانه وتعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا وهو لا يسعه شيء مما خلق وهو المحيط بخلقه، فإذن لم يبق إلا أن يفسر لفظ العرش بالدلالة على عرش الحياة التي جعل لها الأرض مهادا والسماء بناء. وعبارة ليبلوكم واضحة الدلالة على تعلقها بالخلق الذي قدر أن تكون حياته على أو في أو من الماء (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، فالماء هو المكون الأساسي للحياة المعروشة على الماء أي قائمة عليه وبه، وماء الحياة هو الماء المخصوص بذرتي الهيدروجين وذرة الاكسجين التي ذكرت وليست الميوعة أو السيولة المطلقة التي تكونت بعد الانفجار والدخان والسيولة (بمعنى الذوبان الناتج للمادة بفعل الحرارة الهائلة من الانفجار)، ثم أخيراً ماء الحياة الذي جعل الله منه كل شيء حي. فأين موقع العرش في هذا السياق من التحولات التي طرأت على مادة الكون عقب الانفجار العظيم ؟ وإذا كان خلق العرش بمفهومك هذا حصل ضمن هذه السلسلة من التحولات، ولو بدون ترتيب كما أشرت، وإذا كان الغرض من خلقه كما تفضلت، هل أنه تعالى كان بلا عرش فبل الانفجار وخلق الكون؟ أم ماذا؟!
(((الفتق في الآية الكريمة دلالة على أن الكون بعد الانفجار الكبير ومرحلة تشكل الغازات تحول الى بخار ماء ليس فيه جماد بالمطلق وهي المرحلة الطبيعية للغازات قبل أن تصل لمرحلة الصلابة (وكان عرشه على الماء) وأول الكائنات الحية كانت الحيوانات البحرية… )))
منطقي هذا الكلام، تكوين الماء أو حالة الميوعة مقابل تكون حالة الجمود والتصلب، هو ما تكون بعد الفتق أو الانفجار العظيم – وهنا أوردت جزء الآية (وكان عرشه على الماء)؛ وكان يحسن لو شرحت مغزى هذه الآية في هذا السياق، أي ما معنى (وكان) هل هي فعل ماضي تعني قبل خلق حالة السيولة المطلقة التى أشرت إلى إنها نتجت بعد الانفجار الكبير أم كما يقول المنطق بأن العرش كان على الماء بعد تكون حالة السيولة؛ لأنك لو قلت قبل ذلك فذلك يعني أن العرش لم يبدأ (لاحظ أنني لا أقصد العرش عند السلفية) وانما أقصد عملية العرش من عرش يعرش مثل عروش العنب في الجناين أو تسوية وهيكلة الحياة وبنائها بعضها على بعض – وقد أحسنت حين أضفت عبارة (وأول الكائنات الحية كانت الحيوانات البحرية…) في إشارة واضحة إلى فهمك لعبارةالعرش على الماء انما تعني خلق الكائنات الحية وهذا هو عين الحقيقة في تأويل العرش في القرآن وقد ضل المتقدمون ضلالاً بعيداً فأولوا العرش بأنه سرسر الملك تعالى الله وتنزه عن تعظيم نفسه بعرش يجلس فيه أو يعتليه كملوك الدنيا من مخلوقاته.
إن الذين قالوا بالعرش ككرسي الملك اضطرهم هذا القول إلى حمل عبارة (وكان عرشه) على الظرفية الزمانية بمعنى (كان عرشه قبل ذلك أي قبل بدء خلق الكون بالانفجار الكبير)، وهذا يجعلهم في مواجهة السؤال المشروع: وهل كان يوجد ماء قبل خلق الكون؟؟؟ بينما عبارة (وكان عرشه) هي عبارة حالية أو خبرية تفيد بأن الخالق عز وجل وهو يسوي الكون وعرش (بناء) الحياة فيه على الماء ولم يخلقها من المادة في حالة الجمود والصلابة وإنما من حالة السيولة المائية وجعل تركيبها منه كأساس للحياة التي أرادها بكل تنوعها.
الأخ حمدي لقد كان ظني فيما كتبت في المقال أن لك نظرة متقدمة فيما يتعلق بتفسير العرش خلاف التفسير التقليدي التجسيدي المعروف، ولكن ردك على تعليقي قد خيب كل الظن، فإذا كان سياق الآية يحكي عن خلق السماوات والارض والعرش بغرض بلاء خلقه أيهم أحسن عملاً، أي لم يخلق كل ذلك عبثاً وانما بغرض الخضوع له وعبادته، فأين ما خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملاً حسبما أشارت الآية؟؟ هل سيبلو السماوات والأرض أم من خلق بينهما من حياة، خاصة الانسان الذي سخر له بقية الخلق وجعله خليفة في الأرض. أنت تقول إن عبارة ذكر العرش جاءت لـ (تفيد الحكم بين الناس (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فكان لا بد من وجود عرش الملك للحكم بين الناس والله أعلم…)!
والسؤال هل خلق الله العرش ليجلس عليه ليحكم بين الناس؟ طبعاً هذا ما يقوله السلفية وخاصة الجسمية منهم والجواب أن الله تعالى عن ذلك علواً كبيرا لايحتاج للجلوس على شيء مما خلق فهو سبحانه وتعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا وهو لا يسعه شيء مما خلق وهو المحيط بخلقه، فإذن لم يبق إلا أن يفسر لفظ العرش بالدلالة على عرش الحياة التي جعل لها الأرض مهادا والسماء بناء. وعبارة ليبلوكم واضحة الدلالة على تعلقها بالخلق الذي قدر أن تكون حياته على أو في أو من الماء (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، فالماء هو المكون الأساسي للحياة المعروشة على الماء أي قائمة عليه وبه، وماء الحياة هو الماء المخصوص بذرتي الهيدروجين وذرة الاكسجين التي ذكرت وليست الميوعة أو السيولة المطلقة التي تكونت بعد الانفجار والدخان والسيولة (بمعنى الذوبان الناتج للمادة بفعل الحرارة الهائلة من الانفجار)، ثم أخيراً ماء الحياة الذي جعل الله منه كل شيء حي. فأين موقع العرش في هذا السياق من التحولات التي طرأت على مادة الكون عقب الانفجار العظيم ؟ وإذا كان خلق العرش بمفهومك هذا حصل ضمن هذه السلسلة من التحولات، ولو بدون ترتيب كما أشرت، وإذا كان الغرض من خلقه كما تفضلت، هل أنه تعالى كان بلا عرش فبل الانفجار وخلق الكون؟ أم ماذا؟!