حتى لا ندفعهم للجنوح

لفت نظري تصرف بدر من صغيرتي بنت الستة أعوام وهي تدير وجهها عن شاشة التلفاز بصورة سريعة كأنما رأت عفريتاً ثم أعادت بصرها نحو الشاشة البلورية تارة أخرى، وطفقت تدير وجهها تارة ثم تعود حتى لا يقع بصرها على مشاهد معينة لا تريدها ثم تعود للمشاهدة .. استطلعت الأمر، فأخبرتني بأنها تفعل ذلك حتى لا تقع عينها على بعض المشاهد التي لا تليق .. وكان ذلك محور نقاش طويل استمر ساعات، سأعود إليه لاحقاً…
قبل سنوات كنت أرى أنه لا ضرورة أن نحصر صغارنا في مشاهدة قناة طيور الجنة وحسب، ونمنعهم من مشاهدة أية قناة أخرى، أو أن نفرض عليهم مشاهدة قنوات محددة فقط، لكن بالضرورة يمكن أن نحذف بعض القنوات التي نشعر بأنها ستشكل خطراً على أبنائنا، وبالطبع هناك قنوات تهدِم، ولهذا الغرض أُنشِئت.. وبناء على ذلك لم نحرم أيّاً من أطفالنا مشاهدة البرامج العالمية والاستماع للموسيقى العالمية والغناء والمسلسلات، ولم نفرض عليهم حظراً بأن شاهدوا هذا ولا تشاهدوا ذاك، فطالما أننا نشاهد لا نحرمهم مما هو متاح في بيتنا، ومع ذلك كنا نناقشهم ونشرح لهم المغزى من كل مشهد، والرسالة الإعلامية المقصودة من كل مشهد وقصة… كنا نجتهد في شرح كل رسالة إعلامية والهدف منها سواءٌ أكان هذا الهدفُ حميداً أو خبيثاً.. ومع ذلك كنا نراقب ونتابع ونشرح ونوجه توجيهاً ليناً، انطلاقا من الممنوع مرغوب، ونعلم أننا إذا تشدّدنا في المنع فإن النتيجة ستكون عكسية تماماً…
أعود إلى قصة الصغيرة التي تُدير وجهها من مشاهد لا تريدها، في تقديري أن منع الأطفال من مشاهدة برامج ومسلسلات الكبار يجعلهم أكثر شغفاً بهذا الممنوع ويجعلهم يترقبون اليوم الذي يغيب فيه الكبار عن البيت ليبحثوا عن هذا الممنوع المرغوب… فبدلاً من أن نمنعهم من مشهد يصور قصة ابن عاق يضرب ويسب والديه وكيف كان مصيره، نشرح لهم هدف كاتب القصة من هذا المشهد وهو هدف تربوي قوي الرسالة وفاعل الوسيلة، وبدلاً عن منعهم من مشاهدة لقطة في مسلسل يحكي عن سلوك سيئ لفتاة تضع الحبل على الغارب، ندعهم ليصلوا بالمشهد إلى المصير الأسوأ الذي لقيته جراء الانحلال وليدركوا أن كاتب القصة لم يكن يهدف إلى تمجيد سلوك تلك الفتاة بل يريد أن يستهجن ويحذر من هذا المصير الأسوأ..
خلاصة القول إن القضية ليست قضية منع مع غياب عن البيت، ولكنها قضية تربوية تحتاج منا توظيف وسائل الإعلام لمساعدتنا في تثقيف وتوعية وتربية أبنائنا..
.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة