مقالات سياسية

في السودان القبيلة هي سلم الصعود إلى أعلى!

هنالك تصاعد مضطرد للقبلية في السودان؛ إذ فشلت النخب السياسية في البلاد، حتى الآن، في تطوير منظومة حزبية فاعلة تستوعب الناس في مواعين سياسية وطنية جامعة، بغض النظر عن الانتماء القبلي أو الجهوي، حتى تزول الفوارق والنعرات التي تهدد وحدة المجتمع السوداني. ونتيجة لهذا الفشل، صارت القبيلة في السودان هي السلم الوحيد الذي يستخدمه الطامحون في السلطة والجاه والمناصب؛ من أجل الوصول إلى مراكز عليا أو متقدمة في هرم السلطة أو المواقع القيادية، حتى داخل الأحزاب نفسها، سواء في ذلك الأحزاب التقليدية أو الأيدلوجية، إن وجدت! ولهذا السبب دأب أصحاب الطموح السياسي على تشكيل تكتلات قبلية؛ تحت مسميات مختلفة، حسبما يقتضي الحال، مثل الروابط والاتحادات؛ خاصة في أوساط من يسمون أنفسهم بالمثقفين أو الأثرياء الجدد، أو من استطاعوا الحصول على أبسط قدر من كعكة السلطة، من المقيمين في المدن والعاصمة المثلثة على وجه التحديد. وما يميز هذه المجموعات أنها تضم في عضويتها شباباً من ذوي الفئات العمرية المتقاربة، الذين جمعت بينهم العلاقات القبلية، أو الجهوية، ممن تزاملوا في مراحل دراسية مختلفة ولهم طموحات مشتركة، مع ما يوجد بينهم من تنافس، غير معلن بالطبع، ولهم تجارب وخبرات محدودة مشتركة في العمل القبلي أو التنظيمي أحياناً، ولكنهم، على كل حال، يعتبرون أنفسهم طبقة متميزة يجب أن ينصاع الناس لرأيها ويستهدون بهديها؛ ولذلك تجدهم يحشرون أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة من المستجدات والأحداث في ديار القبيلة، دون مشاركة فعلية في معالجة الأوضاع، ولكنهم فقط يريدون أن يقولوا لأهليهم نحن هنا ولا يمكنكم فعل شيء إلا بتدخل مباشر من قبلنا! وهؤلاء، للأسف الشديد، هم من يعقّد الأمور، مثلما يحدث عند المصالحات بين الأطراف، التي يمكن معالجتها، من قبل أهل الحل والعقد، في المناطق المعنية، عبر آليات ظلت قائمة منذ زمن ضارب في القدم، ومتعارف عليها وأثبتت جدواها ونجاحها في كثير من الأحيان والتجارب. هؤلاء الطامحون، كالفقاعات، يظهرون مع أي انتخابات أو حراك سياسي، يتوقعون أن يخدم طموحاتهم، باستخدام اسم القبلية طبعاً، حتى إذا انفض السامر، ولم يفلحوا في الحصول على مبتغاهم، عادوا أدراجهم إلى مواقعهم، ولجأوا إلى دوائرهم الضيقة من أجل مراجعة الوضع وإعداد طبخة جديدة قد تكون أقل أو أكثر سوءًا من سابقتها. وقد حدثني أحد العالمين ببواطن الأمور أن الأوضاع في بعض مناطق السودان، ذات الطابع القبلي، لم تتفاقم فيها الأوضاع، حتى وصلت حد الاقتتال، ولم تتعقد المشكلات وتتأزم، إلا بسبب تدخل هذه الفئة من الطامحين الذين لا يخلصون النية لله، ولا ينظرون أبعد من مواطئ أقدامهم! وقد فعل الدكتور فيصل حسن إبراهيم خيراً، إبان توليه وزارة الحكم المحلي، عندما أعلن حل الاتحادات القبلية، ولكنها لا تزال تعمل خفية، من وراء الكواليس، وقد تتخذ مسميات جديدة من أجل التمويه، مثل الجمعيات الخيرية أو غيرها من المسميات؛ لأن القائمين على تلك الكيانات ليس لديهم من المؤهلات ما يوصلهم إلى تحقيق طموحاتهم إلا استخدام سلم القبيلة، وهم، في ذات الوقت، لا يرضون بالعيش كمواطنين ذوي مقدرات عادية؛ ولذلك تجدهم في حالة لهث وجري متواصل وراء سراب السلطة. هذه المجموعات تستخدم وسائط التواصل الاجتماعي؛ خاصة تطبيق الواتساب من أجل التواصل، وتبادل الآراء ومناقشة الأمور العامة التي تتعلق بالقبيلة، لكي يظهروا بمظهر المهتم والمتابع للشأن القبلي أو الجهوي العام، ولكنهم، في ذات الوقت، يكونون مجموعات مغلقة، تكون بمثابة مطابخ صغيرة، يديرون من خلالها طموحاتهم الخاصة أو إن شئت فقل أوهامهم، ويتبادلون الأدوار، ظناً منهم أن ذلك سوف يحقق ما يصبون إليه، مستخدمين اسم القبيلة بطبيعة الحال! ومما يلاحظ على هذه المجموعات أيضاً أن معظم أعضائها، إن لم يكونوا جميعهم، هم من المنتمين إلى المؤتمر الوطني أو الذين خرجوا من تحت عباءته وتكويناته المختلفة! ليس هذا فحسب، بل إن بعض ذوي الطموح الجامح، قد لجأوا إلى تشكيل وحدات أو مليشيات قبلية، أو فصائل، مثلما يطلق عليها أحياناً، تحمل السلاح وتتدرب على فنون القتال، وتقوم بمهاجمة المنشآت الحكومية؛ سعياً للدخول في مفاوضات شكلية مع السلطات القائمة، تفضي في نهاية الأمر إلى عملية محاصصة يحصل بموجبها قادة تلك الفصائل على مراكز متقدمة في دولاب الحكم، مع بعض المخصصات، دون أدنى مؤهل سوى القبيلة أو الجهة، للأسف الشديد. ويعاب على الدولة أنها قد لجأت، في بعض الظروف، إلى التعامل مع هذه الفصائل، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقدمت الدعم اللوجستي لبعضها لتستعين بها في حالات بعينها ولكن تلك الفصائل استغلت الدعم الحكومي فاشتد عودها واستقوت وخرجت عن نطاق السيطرة على الرغم من الإغراءات المقدمة لقادتها وزعمائها. هذا الوضع يعد مهدداً أمنياً ومجتمعياً، من الدرجة الأولى، لما ينطوي عليه من تشجيع للطامحين لتكوين مزيد من الفصائل والتكوينات القبلية الأخرى تحت أي مسمى ومن أي نوع وشكل.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..