بين الدفسا والقطع نفسا

الرأى اليوم
💎 السياسة فى أقل توصيف لها ،هى علم الخيارات المتعددة للقضية الواحدة، الخيارات تملأ المسافة الموضوعية بين الرغبة والواقع ، كلما تقترب السياسة من الواقع تسمى سياسة عملية أو (براجماتية) ، وكلما تبتعد عن الواقع تسمى سياسة رغبوية أو مثالية الحلول المثالية هى حلول جيدة والحلول البرجماتية كذلك ، كل خيار يقوم على معطياته الظرفية ، مثل الحل الجزئى والحل الشامل ، الحل الجزئى هو حل جيد ، إذا لم يتعارض مع الإستراتيجية الكلية للتغيير، فيما عدا عامل الزمن ، بعدها يفتح الحل الجزئى الطريق للحلول الكلية ، كل هذا على المستوى النظرى لمضمون تكتكيك أو تكتيكات المساومة التاريخية ، فهى بهذا المفهوم Process من عدة نقلات ، كما فى الشطرنج ، فهدف اللاعب الإستراتيجى، هو قتل الملك من خلال خطة ممرحلة ، لن تكون الخطة ناجحة إذا لم يموت الملك .
💎 شهد التاريخ مساومات سياسية عديدة ، منها الناجح والفاشل ، ظلت المساومة تقبع متأرجحة بين الحل الجذرى والإنتهازى ، فهناك من يرفضها بإسم المبدئية ، ومن يقبلها بإسم العملية (البراجماتية ) ، سأتناول مساومتين تاريخيتين ، كوديسا جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا ودكليرك ، فقد ذكر ما نديلا فى مذكراته (الطريق الطويل للحرية) ، عندما بدأت فكرة المساومة ، وتم إخراجه من السجن ، للحبس المنزلى ، نشطت الإجتماعات فى حزب المؤتمر تهمس (أن العجوز قد ضل الطريق )، وأنه وقع فى شراك البيض العنصريين ، تعالت هذه الأصوات حتى وصلت مستويات قيادية فى حزبه ، وبدأ توزيع الإتهامات ، مع كل خطوة فى المساومة التاريخية ، حتى خرجت كل قيادات المؤتمر من السجون ، وتم الإفراج عن مانديلا رسمياً ، فقد كان الإنقسام والشك ملازم للمساومة ، حتى إنعقدت ، وأحدثت الإختراق الذى أطاح نظام الفصل العنصرى ، وكتب تاريخ وطنى جديد لجنوب أفريقيا ، يتقدمه مانديلا كبطل قومى .
💎 المساومة الثانية وفصولها بين روسيا القيصرية و ألمانيا ، فقد أصدر لينين كتابه الموسوم ، اليسار الطفولى مخاطباً ، حقائق هذه المساومة ، فقد قررت قيادة الحزب الثورى ،المشاركة فى برلمان القيصر (صلح بريست ) ، فقد تزعم عدد من اليساريين حركة رفض واسعة ، لعدم المشاركة فى برلمان الرجعية ، ومن ثم قبول أكثر القوانين العمالية إجحافاُ ، من قيادة حزب الطبقة العاملة ، فقد أصدر لينين كتابه المذكور يشرح طبيعة هذة المساومة ، ومدى صحتها وملائمتها للنضال الثورى ، وإتساقها مع أهداف الإستراتيجية الثورية ، فقد قال لينين (يجب أن تعلموا ،أن هناك فرق بين مساومة ومساومة ) ، وضرب مثل بالمساومة بين عصابة من قطاع الطرق وقوى من المواطنين ، تنازلوا لقطاع الطرق عن العربة والمال والسلاح ، مقابل سلامتهم الشخصية ، قال إستخدم قطاع الطرق العربة والسلاح فى عمليات نهب أخرى ، فالمواطنين المساومين طالما أنهم لم يستفيدو من هذه العمليات فهم أشراف ، لأن حياتهم هى الأساس الذى قاد قطاع الطرق للإعدام ، كذلك مشاركة الحزب فى البرلمان الرجعى ، فتحت الطريق للثورة الشاملة ، وذات المساومين إشتركوا فى العملية النضالية التى أجهزت على الإقطاع بالتدرج ، فوصف من رفض تلك المساومة باليسار الطفولى .
💎 لقد إستنطقت طفولتى ، لإيجاد هذا العنوان للرأى اليوم ، فقد كنا نحن صبيان ، لنا لعبة تسمى( شدت أو حرينا)، ننقسم فيها لمجموعتين متنافستين ، لا تقوم اللعبة بدون طرفيها، فكانت القسمة بالإختيار ، يغيب أثتين ويتفقوا على تسمية سرية لهما ، فيحضرو للرؤوسا ء ، قائلين الروس الروس ، فيرد الرؤوساء مرحب الليوث ، فيقول لهم بين الدفسا والقطع نفسا ، التسمية هذه من البيئة التى عشنا فيها ، فقد كنا مولعين بالصيد (القنيص ) بالكلاب ،فصورة الكلب والطريدة هى أساس التصوير ، فالدفسا هو الكلب ،الذى يهجم طريدته حى تسقط على الأرض ، والقطع نفسا يجرى خلف الطريدة حتى تستسلم من الإرهاق وتجسوا على الأرض ، النتيجة فى الحالتين واحدة مع إختلاف السيناريوهات ، فى كلا الحالتين المهارة والجهد مطلوب .
💎 إنتهت أجتماعات قوى نداء السودان فى باريس ، إلى خيارات أعتقد أنها خيارات ذكية ، خاطبت كل المهتمين وكل القضايا ،المجتمع الدولى بقضايا السلام وإستعادة الديمقراطية والحريات بالتفاوض ، كسب ثقة المجتمع الدولى ليست قضية ثانوية فى التغيير كما يشيع البعض ، وفى نفس الوقت منح الفصائل المسلحة المنضوية له حرية الحركة والتصرف ، خارج النداء الذى إعتمد العمل المدنى فى مواجهة النظام ، كما إلتزم النداء بالتعبئة من أجل الإنتفاضة الشعبية الشاملة ، لقد ترك نداء السودان كل خياراته قائمة، وكل الأطراف راضية ، كما يقول المثل الإنجليزى To have the barrel full and the wife drunk ، فى المقابل قوى الإجماع الوطنى أصدرت بيان أعلنت فيه إعتمادها الإنتفاضة الشعبية الوسيلة الوحيدة لإسقاط النظام ، فأصبحنا بين الدفسا والقطع نفسا، تعدد السيناريوهات والنتيجة واحدة ، كما قال أستاذنا دكتور عبدالله على إبراهيم فى مسرحية (السكة حديد قربت المسافات) ، نقول قوى نداء السودان والإجماع الوطنى فى قطار واحد متجة لمحطة واحدة ، هى تغيير النظام القائم و إقامة نظام بديل بمواصفات متفق عليها ، مع تعدد السيناريوهات للنداء والسيناريوا الواحد للإجماع.
💎 الختامة
السؤال لماذا تعدد السيناريوهات ، والإختلاف النسبى فى الخطاب السياسي بين المجموعتين المعارضتين ، السبب ببساطة ، خطاب سياسي مصمم لمخاطبة جمهور فى ميدان الكونكورد ، وخطاب آخر مصم لمخاطبة جمهور فى ميدان عقرب ، لتكون الصورة أكثر وضوحاً ، إذا تم عرض مسرحية المك نمر بقاعة الأوبرا بفييينا ، على جمهور أوبرالى ، مهما كانت جودة الترجمة ، لن تنتزع تصفيق ذلك الجمهور ، كذلك خطاب نداء السودان يريد التوفيق بين إهتمات المجتمع الدولى والعمل على توظيفه لصالح التغيير ، و مخاطبة الواقع الداخلى ،المتشكك فى أى جدوى من الحل السياسي المتفاوض عليه ، فترك نداء السودان خياراته مفتوحة ، للإنتفاضة والعمل المسلح ، فهذا الخطاب التوفيقى مكسب وليس خسارة ويعتبر حنكة سياسية ، ليست غفلة كما قال البعض ، فما زالت الإنتفاضة جامع مشترك لكل من ينشدونها ، إذا نجحت المساومة وتم التغيير المطلوب بأى السيناريوهات المطروحة سيتمتع الجمهور بذات النتيجة والحقوق والواجبات ، لذلك الخلاف خلاف درجة، بين خطاب ميدان عقرب وميدان الكونكورد ، أو بين الدفسا والقطع نفسا ، تتعدد السيناريوهات والهدف واحد سلام شامل وتحول ديمقراطى كامل، كان بالملساء أو الخشنة .
صلاح جلال
في الحقيقه هذه المره الاولي اقرا لك مقال لكنني تجدني غاية الانبهار بكتابتك تقرا الاحداث بعقل ثاقب وتستشرف المستقبل برؤيه سياسيه دقيقه الا انيي اجد الفرق شاسع بين تاكتيك نداء السودان والاجماع الوطني صحيح ان الهدف واحد لكن الطرق مختلفه فطريق النداء فيه من المساومات المجربه التي لم تفضي لشئ من قبل ….تحياتي
الدفسها والقطع نفسها كلام كردفاني اصيل عجبني المقال
في الحقيقه هذه المره الاولي اقرا لك مقال لكنني تجدني غاية الانبهار بكتابتك تقرا الاحداث بعقل ثاقب وتستشرف المستقبل برؤيه سياسيه دقيقه الا انيي اجد الفرق شاسع بين تاكتيك نداء السودان والاجماع الوطني صحيح ان الهدف واحد لكن الطرق مختلفه فطريق النداء فيه من المساومات المجربه التي لم تفضي لشئ من قبل ….تحياتي
الدفسها والقطع نفسها كلام كردفاني اصيل عجبني المقال
التحية والتقديلر لك الحبيب صلاح جلال
مقال ممتاز وتشخيص حصيف بمنظار سياسى معتق عجمت عوده الحركة الطالبية
ننتظرك ان لم تكن رئيسا فامينا عاما للحزب
التحية والتقديلر لك الحبيب صلاح جلال
مقال ممتاز وتشخيص حصيف بمنظار سياسى معتق عجمت عوده الحركة الطالبية
ننتظرك ان لم تكن رئيسا فامينا عاما للحزب