انهيار منظومة التعليم… هل لتدارك من سبيل..

عندما ترى طفلك يموت أمام ناظريك منهزماً أمام جبروت المرض فإنك لن توفر سبيلاً في إنقاذ حياته، ذلك لأنك ترى بوعي تام خطورة الموقف ومآلاته وثمن كل ثانية-تأخير في اتخاذ الإجراء اللازم لانقاذ حياته. ذلك لأنك تموت ألف مرة مع كل زفرة فاترة تخرج من ذلك الجسد المتهالك الذي لا يقوى حتى على التحشرج، حينها ربما يهب المجتمع بكافة أطيافه، من أقارب وأصدقاء وجيران بل وأغراب للتضامن معك في محنتك ومصابك الجلل.
بيد أننا لا نكترث بذات الوعي لخطورة (سياسة التجهيل) التي أتت على كل عقل مازال فيه نبضٌ من فكر، وفي غمرة لهثنا خلف مقومات الكفاف نسينا أن مآل الجهل وفتكه لا يقل ضراوة عن المرض، فكلاهما يدمر صاحبه، وإن كان تدمير الجهل يتخطى الفرد ويدمر ما حوله لقدرته على توليد عناصر تحمل قوة تدميرية شاملة، لا تقتصر على الحاضر والمستقبل وإنما تتخطى ذلك إلى الماضي البعيد بنسف كل بذور الحضارة الكامنة في لاوعينا.
لقد أصبحت خيارات التعليم والعيش بمثابة (Trade-off) وهو الموقف الحرج الذي يُصبح فيه الحصول على ميزة يتضمن ضرورةً التنازل عن الأخرى لتعسُر الجمع بينهما.
المحنة التي نمر بها اليوم، ليست بدعاً في تاريخ الشعوب، فالتاريخ يخبرنا أن الشعوب التي طورت من (إستجاباتها) لتحديات واقعها هي فقط التي استطاعت أن تحافظ على وجودها وقاومت الانقراض الحضاري.
النضال من أجل البقاء يتضمن وسائل لا حصر لها ولا عد، من ضمنها بدون شك تغيير نظام الحكم القائم، ولكنه ليس بالحل الوحيد المتوفر، أو الكافي لاحداث التغيير المطلوب، لأن التركة المثقلة بآفات الجهل والفساد والمرض والانهيار التام لكافة مؤسسات الدولة من تعليم وصحة وبيئة وبيروقراطية ستعمل على إعادة إنتاج ما تم استئصاله وعلى نحو أكثر بؤساً.
في ظل تآكل منظومة التعليم التي يُعول عليها في بناء عقول و وعي أبنائنا بذاتهم وتميزهم عن غيرهم، والذين نراهم يتساقطون أمامنا كالجراد في براثن اللهو الخبيث وإدمان المخدرات بكافة أنواعها ورُخص أثمانها وضراوة تدميرها، فيجب علينا كمجتمع أن ننهض بمسولياتنا وأن نقدح عقولنا في أن نبتدع وسائل (بديلة) لسد فراغ مؤسسات التعليم ومن ثم خلق (safety net) لتخفيف حدة السقوط الحر لكل ما هو جميل.
لم يعد خافياً على أحد أن الجامعات لم تعد تبني العقول وإنما أصبح دورها قاصر على خلق برامج ترفيهية لطلابها وتهيئتهم وتدريبهم لحفلات التخريج ذات الصخب والمجون والكل تم استدراجه في غمرة أفراحنا الزائفة بنمو أجساد أبنائنا وتضخمها، حتى قررنا كمجتمع تطبيق منهج مجون الحفلات ابتداءاً من التعليم قبل المدرسي.
لا ينبغي لنا أن نرى عقولنا تفرغ من مضامينها ومستقبل أبنائنا يُسلب منهم دون أن نحرك ساكنا، فعلينا كأفراد أن نبحث عن خيارات استغلال موسم إجازات الأبناء، ما هي الرسائل الواجب علينا إيصالها للآباء والأمهات، كيف يمكننا أن نحذرهم من الاخطار المحدقة خارج أسوار المنازل، وكيف يمكن لأب أو أم لم يتوفر على تعليم عالٍ من أن يساعد أبنائه وينظم أوقاتهم وأن يعوض ما فاتهم دون أن يحدث الفارق التقني بينه وبينهم أزمة تواصل.
ضرورة بناء (ثقافية مجتمعية) جديدة تأخذ على عاتقها عبئ تعليم أبنائها كمبرر لوجودها عبر كافة الوسائل المتاحة والطاقات المتوفرة والعقول النيرة، أصح مطلب (وجودي) بوصفها (الثقافة المجتمعية) إحدى عناصر العملية التعليمية الفعَّالة، التي إن أحسنا استخدامها ستساهم في تلافي الكثير من التداعيات المترتبة على الفجوة التعليمية.
والكل مدعو للمساهمة (من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته) حتى نشيِّد صرحاً ضخماً من الرأسمال الاجتماعي يقينا غوائل الدهر.
والله المستعان،،،،
[email][email protected][/email]