الإقرار لا يعفي من العقاب

كنت أخشى كغيري ممن إعتادوا على مكابرة المسؤولين عندنا، أن تصر وزارة التربية والتعليم علي نفيها تسريب امتحانات الشهادة السودانية، بعد كل ما أثير من جدل وما تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي التي اصبحت أقوى شكيمة من أجهزة الدولة المعنية بكشف الكوارث التي تحيق بنا بني سودان، ولكن اعترافها علي مضض بأن تسريبا حدث لامتحان الكيمياء الذي جلس له ابنائنا يوم الاربعاء الماضي، يمكن أن يصب قليلا في إناء الثقة المثقوب، فالوزارة تراجعت عن نفيها الذي خرجت به صحف الخرطوم الصادرة اليوم، ومحمود أقرارها بما حدث، ولكن ذلك الاعتراف لا يخرجها البتة من دائرة المسؤولية كما يروج بعض منسوبي الحكومة بأن وزارة التربية غير مسؤولة عما جرى، ولهاؤلاء نقول بان المسؤولية الاخلاقية والسياسية متلبسة وزارة التربية ووزيرتها، وإن كان المسؤولين في تلك الوزارة يتمتعون بشىء من القيم والاخلاق فعليهم مغادرة كراسيهم وتركها لمن هو أهل للجلوس عليها، وذلك الآن وبشكل فوري، فالجريمة شاملة وهي تمس كل بيت سوداني فليس من المنطق التبرير لمن قصر في القيام بدوره ومهمته وخان امانة تكليفه بحماية مستقبل فلذات أكبادنا.
فلا يكفي أن تخرج علينا وزارة التربية والتعليم ببيانها الفطير هذا وهي تعلن إعادة امتحان الكيمياء، فالإقرار لا يكفي ولا يغني عن العقاب والمحاسبة، فكيف تطمئن الأسر السودانية كما أهابت الوزارة والجميع يرى ويشهد ما يحدث من مهازل، في أهم وأخطر مراحل الطلاب الدراسية، فلا يكفي أبدا أن يتحدث بيان وزارة التربية والتعليم المخزئ عن إجراءات اتخذت للتحقيق في الامر، فمن الذي يقنع الأسر بأن جميع الامتحانات كانت في مأمن من التسرب.
تسريب الامتحانات لا يشك أحد في خطورته المدمرة لمستقبل البلاد، ولكن الاخطر منه ان يمر الامر كغيره من القضايا الكبيرة المدمرة، فالتحقيق يجب أن يتم من أعلى الجهات القضائية والنيابية والأمنية، ويجب أن يطال أيضا وزير الداخلية ووزارته المعنية بتأمين الامتحانات، فهل يا ترى يدرك الفريق حامد منان بأن القضية يمكنها أن تطيح وتقذفه بعيدا عن كرسي الوزارة المعنية بتأمين حياة وممتلكات الناس، إن كنا في بلاد غير هذي، فوزير الداخلية هو رئيس اللجنة العليا لتأمين الامتحانات، وعليه يقع العبء الاكبر في القضية، وهو الامر الذي يجعل من وزارته محل شبهة ويجب أن يطالها التحقيق .
المؤسف حقا أن يتم تداول قضية تسريب امتحانات الشهادة السودانية بمعزل عما يجري في البلاد وما يحدث فيها من إنعدام للضمير الوطني لدى الغالبية ممن يتولون المناصب العامة، كما لا يمكن فصله عن موجات الفساد التي ضربت البلاد وهشمت عظم اقتصادها القومي، وقضت علي كل قيم، فغول الفساد لا يزال جائعا للمزيد حتى ولو كان ذلك على حساب ما تبقي من أعراضنا .
نعم ذكرتُ أن المسؤولية المباشرة تقع على وزارتي التربية والداخلية والتي يجب أن يطالها التحقيق إن كان فعلا هناك تحقيق، ولكن بقية أجهزة الدولة الأخرى غير معفية من مسؤولية ما حدث للشهادة السودانية، فالرئيس على قمة المسؤولية ونائبيه ومجلس الوزراء بكامل عضويته مسؤولون أمام الله أولا وأمام الشعب السوداني عن ضياع مستقبل أجيال بأكملها تضررت جراء تهاونهم في إدارة البلاد .
[email][email protected][/email]