عن مضار التسلل وعبء اللجوء

لعل الذين اغتربوا للعمل بالخارج أو ألذين اصطفوا لفترات طويلة بانتظار إعادة التوطين في بلاد الله الواسعة أو حتى الذين ابتسم لهم حظ اللوتري للهجرة لأمريكا، يعلمون تماماً أن إدخال أرجلهم لأي بلد آخر لم يكن بالأمر الهيّن لأنهم مروا بتجارب واقعية اثبتت لهم كيف أن تلك البلاد تحرص على حماية ترابها ومجتمعاتها من الوافدين اليها ولا تفتح لهم صدرها إلا عند الضرورة القصوى ووفق ضوابط وقيود، بل حتى بعد دخولهم القانوني يخضعون لمتطلبات نظامية لا مناص من استيفائها لكي يتقنن استقرارهم ولو إلى حين. لذلك لا يقبل أي واحد من هؤلاء أو من المواطنين الغيورين، أن يرى بأم عينه ما يتم في بلادنا من برود إزاء حالات التسلل عبر الحدود، وما نظهره من تساهل مع من نعلم أنه لم يدخل البلاد عبر المنافذ الشرعية بدليل عثوره على المسكن والعمل الفوري وربما بالراتب الذي يحلم به لدرجة أن العاملة المنزلية تتقاضى أضعاف ما يتقاضاه الخريج الجامعي عندنا.
ونتيجة لهذا السكوت تجد المخالفين لشروط الدخول والإقامة يتمددون بمساحة بلادنا بكل ثقة وجرأة ويمارسون بعض المهن دون إقامات شرعية. فمثلاً من يعملون في بيع المأكولات لابد أن تكون لديهم رخص صحية حيث لا يمكن أن تصدر الرخصة الصحية لمن لم يفحص طبياً ولا يحمل إذن إقامة نظامية، ولكنهم كواقع معاش نجدهم يعملون دون هذا أو ذاك بلا وجل، وعليه هنا يجب أن يسأل ويعاقب صاحب العمل عن التساهل في توظيف من لا تنطبق عليه الشروط. وأيضاً على الذين يقودون عربات الأمجاد أو الركشات أن يكونوا من حملة رخص القيادة التي لن تمنح لغير المقيم نظامياً، لذلك هنا يسأل ويعاقب مالك المركبة الذي سمح لوافد بقيادتها دون إقامة نظامية أو ترخيص. وحتى أولئك الذين يمارسون أعمالاً حرة كباعة متجولين أو كستات شاي من المفترض أن يخضعوا لضوابط أول متطلباتها الإقامة القانونية. ربما أن هذه الضوابط التي أتحدث عنها تكون ضرورية لو أننا أساساً كنا بحاجة لعمالة وافدة ونعاني عجزاً في الأيدي العاملة نود اكماله من الخارج، فما بالكم إذا كان الواقع غير ذلك لأن نسبة العطالة عندنا تفوق سقف المعقول. وحتى لو قلنا إن شبابنا لا يقبلون ببعض المهن، فلا يعقل أن تكون بلادنا بحاجة إلى استجلاب ستات شاي في حين أننا نشكو من كثرة السيدات اللائي دفعتهن الظروف لهذا العمل الشريف لتربية أبنائهن. فإذا كانت هنالك دقة في تطبيق مثل هذه الضوابط لن ينهمر علينا سيل المتسللين عبر الحدود بلا ضوابط أو قيود.
ولعل الذي يلفت النظر أكثر أولئك الوافدين بمعدلات خرافية كعوائل كاملة العضوية من دول الجوار لا للعمل أنما للتسول في بلد قيل لهم أن أهله كرماء ينشدون الأجر في الآخرة. وتأكيداً على هذا ما رشح مؤخراً عن ضبط شبكات تستأجر معاقين أجانب للتسول، يبدو أن هذه الشبكات هي التي أدخلتهم بالتهريب للبلاد وأمنت لهم سكناً ثم قامت بتدريبهم وتنظيمهم وتوزيعهم للتسول في مواقع معلومة نظير نسبة من إيرادهم اليومي. وقد تلفت النظر أيضاً تلك الشريحة المصنفة كلاجئين أو نازحين نحن نعرف تماماً أن الأمم المتحدة توفر لهم ما يعينهم على الإعاشة والإسكان، غير أنهم يمارسون التسول جهاراً نهاراً عند التقاطعات أو يبيعون العلكة والمناديل بإلحاح يفوق باعة قطار الغرب المذكورين في قصيدة ود المكي، الشيء الذي أراه لا يتسق مع تصنيفهم كلاجئين. وقد أتساءل هنا هل الذين قبلت بهم البلدان الأوربية كلاجئين يتسولون الآن أم أن تلك الدول ومنظمات رعاية اللاجئين تتكفل بهم إلى أن يهدأ الصراع في بلادهم؟ وهل يا ترى أن الدول الأوربية كانت كريمة مثلنا فيسرت لهم شرف الحصول على الجنسية دون عناء؟ يبدو أن ذلك التيسير هو الذي جعل (البدون) يفكرون في طلب القرب منّا ولو بالغالي والنفيس!!
صلاح يوسف
[email][email protected][/email]