ما الجدوى من تأسيس محكمة خاصة لمكافحة الفساد؟

أصدر سعادة رئيس القضاء مولانا حيدر أحمد دفع الله قراراً بتأسيس محكمة جنايات تختص بمكافحة الفساد ومخالفات المال العام ومقرها بولاية الخرطوم ويجوز لها أن تنعقد في أي ولاية من ولايات السودان. على أن تشكل دوائر خاصة بمحكمة الاستئناف والمحكمة القومية العليا لنظر الاستئنافات والطعون في الأحكام الصادرة من المحكمة المذكورة. وتختص المحكمة المشار إليها بقضايا الفساد واستغلال الوظيفة العامة والمال العام وتحال إليها القضايا من النيابات المتخصصة ومن رئيس القضاء.
وقبل ذلك أعلن رئيس الجمهورية نيته القضاء على الفساد ومن أسماهم القطط السمان. وفي نفس اطار مكافحة الفساد كان قد اصدر الرئيس في العام 2012 قراراً بتكوين آلية مكافحة الفساد وتم تعيين الطيب ابوقناية رئيساً لها وقد انتهت تلك الآلية بعد استقالة رئيسها دون سبب واضحة ولم يسمع عنها أنها قدمت قضايا فساد للمحاكم أو عقدت مؤتمراً صحفياً بعملها وقضاياها وسبب توقفها عن العمل.
وفي ذات الإطار قد أجازت الهيئة القومية في يناير من العام 2016 مشروع قانون المفوضية القومية للشفافية والاستقامة ومكافحة الفساد وأودع القانون لدى رئيس الجمهورية منذ اكتوبر العام 2017 للمصادقة عليه وتشكيل مفوضية مكافحة الفساد بموجبه ولكن لم تتم المصادقة عليه حتى الآن.
إن الهدف من كل تلك الاجراءات والتصريحات والتشريعات والمحاكم الخاصة والمفوضيات الخاصة بمكافحة الفساد هو ايهام المواطن بأن الدولة جادة في مكافحة الفساد الذي أصبح حديث الناس وأضحت رائحته تزكم الأنوف. ذلك لأن الفساد وأكل المال العام واستغلال الوظيفة في بلادنا لا يمكن مكافحته بهذه الطريقة فهو متجذر وعميق ومتداخل بين أهل وقادة مشروع هذه الدولة الاسلامية فهم يدافعون عن النظام وعن استمرار الرئيس ودعم ترشيحه مرة أخرى فهم يفعلون ذلك للحفاظ على مصالحهم وثرواتهم التي تكونت في هذا العهد البائس فهؤلاء وأقربائهم وأهليهم هم من يمارسون الفساد بشتى أنواعه. لأنه بات في علم الكافة أن هؤلاء لا يسمحوا لأحد أن يقترب من هذه الدائرة المغلقة فهم يسمحون فقط لمن يدفع العمولة حتى تسير أموره وتتيسر العقبات أمامه.
فقد صرح د. محي الدين الجميعابي فهو احد قادة الحركة الاسلامية ودافع عنها بشراسة منذ ايام دراسته وشغل مناصب تنفيذية ، لكنه الآن يترأس منظمة أنا السودان ، صرح (بأن الفساد الموجود الآن لا تستطيع قوانين النائب العام وتقارير المراجع العام أن توقفه ولا هو شوية موظفين أكلوا ليهم قروش فهذا حديث ليس له قيمة .. الذين تحوم حولهم شبهات الفساد والثراء واستغلال المواقع هم قيادات الحركة الاسلامية في الصف الأول والثاني والثالث).
لذلك فإن تأسيس هذه المحكمة يصبح من غير جدوى وسوف تكون محكمة تحصيل لبعض قضايا الشيكات كما تفعل محكمة المال العام والثراء الحرام التي انعقدت جلساتها بمحكمة جنايات الخرطوم شمال لسنين عديدة فكانت أغلب قضياها التي تحيلها نيابة المال العام والثراء الحرام والمشبوه هي قضايا شيكات صادرة من افراد أو شركات لمصلحة مؤسسة حكومية. أو قضايا تحلل من الربا في قضايا (كسر) بين أفراد أو شركات. ونادر ما تسمع أن هذه المحكمة انعقدت لمحاكمة مسئول كبير . وحتى لا أنسى فقد انعقدت هذه المحكمة لمحاكمة محمد حاتم سليمان نائب والي الخرطوم في قضايا مال عام ولكن البراءة الجزاء الوفاق له.
كيف لهذه المحكمة أن تكافح الفساد ومن الذي سوف يحيل إليها القطط السمان حتى تحاكمهم؟ هل سوف تحيلها اليها نيابة المال العام كما جاء في أمر تأسيسها ؟ هذه النيابة لا تملك المقدرة الفنية والمالية والبشرية لمجابهة القطط السمان.
لذلك فإن كانت الدولة جادة في محاربة ومكافحة الفساد فلتشكل لجنة تختص بالنظر والتحقيق مع كل مسئول أو أي شخص ذات علاقة مشتبه به في التورط في قضايا فساد وأن تفتح خطاً ساخناً مع الجمهور ومع الصحافة ومع الناشطين. وأن تتكون هذه اللجنة من رئيس الوزراء ومدير جهاز الأمن والنائب العام ووزير الداخلية ورئيس القضاء. وأن تمارس عملها بكل شفافية وأن تقوم بتشكيل لجان فنية مساعدة لها وأن تحيل قضاياها للمحكمة الخاصة بمكافحة الفساد.
[email][email protected][/email]