الوطن في متاهته

الساعة 25
في الحوار الذي اجرته عبير المجمر (سويكت) ببريطانيا ونشر بـ (سودانيزاونلاين) يفصح الزعيم السياسي الإمام الصادق المهدي وهو كما وصفته الصحيفة شخصية مثيرة للجدل، تشاجر الناس حولها و ما زالوا متفقين و مختلفين ، موالين و معارضين، وانا شخصيا اختلف معه كثير، وقد واجهته مرارا برأيي حول مواقفه ابان عملي بصحيفة “صوت الأمة” زاملت خلالها كوكبة من الاقلام المستنيرة، كذلك لم يغب إختلافي معه ببعض مقالاتي المنشورة من قبل الا انه يظل رقم لا يمكن تجاوزه اختلفنا أم اتفقنا معه، وتلك سنة الحياة ومبدأ القبول بالآخر نأيا عن الإقصاء وفي ذلك فطرة سليمة
نقتطف من الحوار بعضا مما ادلى به الرجل
*فى المعهد الملكى تحدثت عن خمس ملفات أمريكيه خاصة بالأمن مصاحبة لرفع العقوبات
الإقتصاديه عن السودان ما هى هذه الملفات؟
يجيب المهدي:
طبعاً في آخر عهد لأوباما الرئيس السابق لأمريكا قالوا أنهم تابعوا مع الحكومة السودانية أن تلعب دوراً إيجابياً فيما يتعلق بالإستقرار في جنوب السودان، ثانياً أن تلعب دوراً إيجابياً فيما يتعلق بجيش الرب اليوغندي، ثالثاً أن تلعب دوراً إيجابياً في محاربة الإرهاب بصفة عامة، رابعاً أن تزود الولايات المتحدة بمعلومات عن الحركات الإرهابية المختلفة، خامساً أن تكون الحكومة السودانية متعاونة مع الولايات المتحدة في فى القضايا الخاصة بالأمن، ثم أضافوا بعد ذلك نقاط أخرى منها ضرورة توفير حقوق الإنسان، حرية الصحافة، عدم التعرض لمنظمات المجتمع المدني و هكذا، يعني كأنما الأمريكان قالوا فيما معناه (نحن سنرفع العقوبات مقابل ما تم من إنجازات و لكن سنكون مراقبين للحكومة السودانية حتى نضمن الوفاء بتقديم المزيد من التعاون في هذه المجالات خصوصاً كما قالوا وقف العدائيات، و توفير الإغاثة الإنسانية… إلخ، و لكن فيما لا شك فيه أن الموقف الأمريكي ليس خاص فقط بما يخص وقف العقوبات التنفيذية لأن العقوبات الأميركية لا تشمل فقط العقوبات التنفيذية التي هي تلك العقوبات التي يقرها الرئيس، و لكن هناك عقوبات أخرى هي العقوبات التشريعية لأن الكنغورس الأمريكي قد أجاز قانون دارفور في السودان، و هذه القوانين تطالب النظام السوداني بالوفاء بسياسات معينة لصالح حقوق الإنسان و السلام، و الأمر لا ينحصر فقط على العقوبات التنفيذية و التشريعية كذلك هناك عقوبات أخرى متعلقة بوضع السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، و هذه هي العقبة الأساسية فإذا لم يتم حذف إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فلن يجدي شيئاً رفع العقوبات، فلا يمكن للسودان أن يأمل في أن تأتي أي شركة أمريكية لأراضيه و تعمل و تستثمر في السودان طالما السودان مازال موجوداً في هذه القائمة ،ثم أن هناك عقوبات قضائية و هي أن النظام الأمريكي حمل النظام السوداني مسؤولية ما حدث من تفجيرات للسفارة الأمريكية في تنزانيا و كينيا و هذه التفجيرات سببها أن في ذلك الوقت كانت هناك علاقة بين النظام و أسامة بن لادن، المهم أن الحكومة السودانية حسب قرار المحكمة الأمريكية التي اعتبرت السودان مشترك في هذا الأمر الذي يتوجب على المتورط فيه دفع تعويضات تبلغ سبعة و نصف مليار دولار، و كذلك هنالك التفجيرات التي حدثت للبارجة الأمريكية كول و التي اعتبر النظام السوداني متورط و مشترك فيها و عقوبتها القضائية تساوي ثلاثة و نصف مليار دولار و هذه جميعها مواقف عقابية ضده، إضافة إلى ذلك طالما أنه يوجد أيضاً موضوع المحكمة الجنائية فهذا يزيد تعقيد الأمور، لأن المحكمة الجنائية ليست مسألة ثنائية بين الحكومة السودانية و الولايات المتحدة و إنما ترضخ لقرار مجلس الأمن 15.93الذي بموجبه يتوجب تحويل النظام و قيادته للمحكمة الجنائية، و طالما أن هذا القرار 15.93 قائم ستظل هناك ملاحقة للقيادة السودانية من المحكمة الجنائية، و أن لم توجد إمكانية لرفع و إعفاء الدين عن السودان الذي أصبح يفوق ال 50 مليار دولار فالأمر سيظل معقداً، علماً بأن هناك برنامج إسمه (إعفاء الدين من الدول الفقيرة المديونة) و هنالك 28 دولة منها السودان يستحقون هذا الإعفاء، و لكن هذا الإعفاء لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان هنالك إجماع من ال 55 دولة التي تسمى (بنادي باريس) و هذه ال 55 دولة بالإجماع أن لم تقر على ضم السودان إلى برنامج رفع الدين و ما دام السودان مازال ملاحقاً جنائياً من محكمة الجنائيات فجميع هذه المسائل هي عبارة عن مجموعة عقوبات و ضغوطات على النظام الحالي، و أنا أرى أنه ليس من الصحيح أن يركز الناس فقط في موضوع رفع العقوبات التنفيذية التي تم رفعها لأنه حتى يتمكن السودان من الإستفادة من رفع هذه العقوبات لابد أن يكون عنده ما يصدره من منتجات و يكون عنده العملة الصعبة حتى يستورد و حتي تستطيع الشركات المستثمرة الأمريكية و الغربية أن تعمل و تستثمر في أراضيه لابد أن يكون هناك ضبط لسعر العملة السودانية لأن المستثمرين الذين يأتون إلى السودان يريدون أن يحولوا أرباحهم التي استثمروها فإذا كانوا غير قادرين على تحويل أرباحهم فلن يأتوا للإستثمار، إذن جميع هذه النقاط التي ذكرتها إن لم يحدث فيها إصلاحات كاملة و شاملة فإن رفع العقوبات التفذية غير مجدي لذلك أنا تحدثت عن أن هنالك عشرة بنود إذا لم تحدث فيها معالجة لن يستفيد النظام السوداني من فترة رفع العقوبات التنفيذية.
لم يقدم سيد الصادق خلال الإفادة أعلاه قراءة للإشتراطات الامريكية مقابل رفع العقوبات ولا تعدو كونها محض تلاوة لها حسب ما جاء ببيان الخارجية الامريكية وقتها
وفي جزئية اخرى يجيب الصادق على
*السيد الصادق جاء ذكركم للهبوط الناعم على غرار ما جرى فى جنوب أفريقيا وشيلى وكما هبط خوان “كارلوس” فى أسبانيا لكن من الذى يضمن أن مظلة الهبوط الناعم لا تضل طريقها
إلى بر السلام و يكون شأنها شان الطيار الذى يهبط بمظلته فيسقط فى بئر عميقه لا خروج منها؟
المهدي: “طبعاً ليس هناك شئ إسمه ضمانات في السياسة فالسياسة لا تدار كما يدار البيزنس، فالسياسة هي أن تتصرف و بعد ذلك أما أن تبني ثقة أو تهدم ثقة، و نحن نعتقد أن حكومة بمثابة الحكومة السودانية لن تدخل في عملية تغيير إلا إذا شعرت انها مضغوطة و لكن إن لم يمارس عليها ضغط فستظل تحكم بنفس طريقة الإكراه، لذا فنحن نعتقد أن الضمان هو أن يكون الشعب السوداني متوحد و متمسك بمطالبه و أيضاً أن تكون الأسرة الدولية مؤيدة لمطالب الشعب السوداني و هذا الذي قلناه للأسرة الدولية، فقد كتبنا لجميع حكومات الجيران و الإتحاد الأوروبي و الترويكا و الامريكان و النرويجين و طلبنا منهم أن يدعموا المطالب السودانية المتمثلة في : السعي لتحقيق الحريات و إطلاق سراح المعتقلين و أن يضمنوا للسودانيين حرية التعبير عن المشاعر بدون التعرض لهم عن طريق البطش و القمع و هكذا ، فالان أنا كتبت لجميع هؤلاء و طلبت منهم دعم الموقف و في نهاية الأمر إذا كان موقف الشعب قوي و كذلك الموقف الدولي فهذه هي الضمانات لأي إتفاق يمكن أن يبرم
*مقاطعة، عذراً لكن السيد الإمام عندما تتكلمون عن ضرورة موقف شعبي قوي إذا أردنا ضمان ،هنا نحن نذكركم بأن الموقف الشعبي في مسيرتي الحزب الشيوعي وحزب الأمة كان قوي و لكن بعد قرار تعيين صلاح قوش و إطلاق سراح بعض المعتقلين هدأت الأمور لدرجة مخجلة و ماتت الثورة مع بقاء الأسباب التي دعت للخروج؟
المهدي:”لا طبعاً نحن قبل ذلك كانت عندنا تجربة في أكتوبر 1964 و في أبريل 1985 ،و ما في أي انتفاضة تولد بأسنانها منذ أول يوم للانتفاضة، فالانتفاضة عبارة عن عملية تراكمية تحدث إضرابات و إعتصامات و احتجاجات و في النهاية يحدث تراكم معين أي ثقل معين ثم تأتي الانتفاضة الكبرى، فليس من الضروري أن تأتي مرة واحدة و تنجح لا بالطبع، فالان صحيح حصلت تظاهرات كثيرة في سنة 2013 و الآن مؤخراً و ستستمر هذه المسألة بطريقة متصاعدة و متزايدة و سيساعد في هذا التصاعد إخفاقات الحكومة في شتي المجالات السياسية و الاقتصادية و الأمنية، و في رأي إن ليس هنالك شئ إسمه إنتهى الموضوع طالما أن العوامل التي عملت على قيام هذه المظاهرات في الماضي مازالت موجودة”
نتفق مع الامام في جزئية “ما في أي انتفاضة تولد بأسنانها” اعتمادا على آخر انتفاضة “ابريل” والتي تمرحلت بما ذكر المهدي من أطوار هي من إشتراطات نجاح المد الشعبي والهبة الثورية
لكن الغستفهام نديره اليه : كيف أجهض منتوج الشعب العظيم يومها؟
وعودة الي مداخلات الزميلة سويكت
*لكن السيد الصادق الواقع يقول ان تعيين صلاح قوش و القبضة الأمنية أدخلت الرعب و الخوف في قلوب السودانيين و الدليل على ذلك أن العوامل التي دعتهم للخروج في مسيرتين بسبب غلاء الأسعار و غلاء المعيشة و إرتفاع الجنية السوداني و كبت الحريات و غيرها من الأشياء ما زالت قائمة و مع ذلك هدأت الثورة؟
المهدي :”لا لا طبعاً، الرعب كان موجود قبل أن يأتي صلاح قوش و أنا في رأي الإجراءات القمعية التي قد تمت في عهد محمد عطا كانت أكبر بكثير، يعني العكس في وقت مجئ صلاح قوش تم إطلاق سراح المعتقلين، لذلك أنا أرى أن هذا النظام الحالي قبضته الأمنية كانت أقوى في ظل عشر سنوات سابقة حيث كان الوضع أسوأ من الآن، لكن أياً كانت الظروف لم يك هنالك قمع أكثر من الذي حدث في عهد على عبدالله صالح في اليمن، و بن علي في تونس، و مبارك في مصر ،و لكن أنا افتكر أنا طالما في أسباب تظلم و قمع و طالما نحن نتحدث عن وسائل القمع و قدراته فأنا أقول لك لم تك هنالك آلية قمع في التاريخ أكبر من الإتحاد السوفيتي الذي كان أكبر آلية قمع موجودة آنذاك و مرت على التاريخ و مع ذلك جاءت ظروف مثل الإضراب العام في بولندا و تطورت الأمور حتى أن سقط حائط برلين ثم سقط بعد ذلك الاتحاد السوفيتي، لذلك أنا اعتقد إن القمع صحيح هو يعمل على إستقرار النظام مؤقتاً لكن في النهاية إذا كانت هناك أسباب تظلم حقيقة فلن يكفي القمع الذي يمارسه النظام لمنع التحرك الشعبي.
كسياسى دارس لعلم الإقتصاد والفلسفة شرحت الحالة الإقتصادية فى السودان بمبضع جراح شاطر لم يترك شاردة ولا وأردة إلا وظفها بذكاء ودهاء السؤال المطروح أنتم كمعارضة فى حالة زوال نظام الإنقاذ هل لديكم برنامج إقتصادى جاهز ومدروس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أم ماذا ؟
نعم نحن الآن طرحنا الآتي :
هنا مربط الفرس وزبدة الحوار.. وهو سؤال مفصلي يلخص أزمة وطن بحاله ، فما عساه يقول الرجل
_ المهدي : “أولاً ورقة أسميناها (عهد من أجل الوطن) كميثاق لتطور بناء الوطن ملحق به شيء نسميه (السياسات البديلة) في الإقتصاد و التعليم و الصحة و العلاقات الخارجية و الأمن و الإدارة و جميع هذه الأشياء كنا قد عملنا ورشات نوقشت فيها بشكل عام، و الفكرة من ذلك أن نطبع بعض ما يتفق عليه لأن الآن نحن في صدد التناقش في جميع هذه الأشياء مع جميع الأطراف و بعد أن يتم التوقيع على هذه الأشياء سنصدر كتابه نسميه (دليل الوطن) يكون فيه ورقه عهد من أجل الوطن و كذلك ملحق السياسات البديلة ليس فقط في الإقتصاد و لكن في الإقتصاد و الأمن و القوات المسلحة… إلخ ،و نحن الآن نعمل على إقناع جميع الأطراف التي تريد نظام جديد في السودان أن توقع على هذه الأشياء التي ذكرتها ،و ليس من الضروري أن يوقع الأشخاص كاحزاب و لكن كأفراد و منظمات و مجتمع مدني و عندما يوقعوا على (عهد من أجل بناء الوطن) و كذلك (السياسات البديلة) فسوف نقوم بإخراجه كدليل بناء الوطن.
صدقوني لم أجد في افادة المهدي اية اجابة للسؤال الصريح بل احالنا الى الى ذات سياسات “الجرجرة”
التي يمارسها النظام عبر حوار جامع وتارة الحوار الوطني وهلمجرا .. وهنا نقطة خلافنا مع المهدي ويجب فض الاشتباك الماثلة في شخصية الرجل
ما بين الصادق المنظر و السياسي، وعندي هو حاضر أكثر في النظري مع فشل كبير يلازمه في الوجه السياسي وما أسهل التنظير وما أوسع فضاءاته وما بين القوسين متاهة رجل ووطن معا… قال عنه د. منصور خالد” المهدي مرتبك في ذاته مربك لغيره”
عموما الحوار يستحق المتابعة لوزن الرجل الطائفي
كونه حفيد الامام المهدي صاحب صفحة من تاريخ السودان.. اختلف المؤرخين ام اختلفوا.
نكتفي بهذا القدر من الحوار
[email][email protected][/email]