أخبار السودان

المثقف السوداني .. مابين ضفة السلطة وابراج الفرجة والتنظير ..!

ربما في البدء قد نجد عنتاً وصعوبة في تعريف المثقف رجلا كان أم إمرأة ..هل هو ذلك الذي نال تعليما أكاديميا أو تقنياً عاليا أم هي أو هو الذي أضاف الى مؤهله العلمي أيا كان مستواه تحصيلا متنوعا في شتى المعارف الإنسانية تتصعد من أولى درجات سلم الحياة وعيا وطنيا وهضما للونية وطعم هوية الذات ومشاركة في تلمس الواقع المحيط في الداخل و إضافة توابل التحصيل من تجارب ومعايشات الآخرين بالنسبة لمن خرجوا الى الدنيا للإستزادة في العلم أو توسيع مواعين الرزق ..دون أن يخل ذلك باصالة الإنتماء أو يخلق نوعا من الفصام المؤدي الى الترفع تاففا عن الجلوس على تراب الجذور التي نما منها العود وتشربت من ريها كل ثمار المنفعة التي ينبغي أن تنداح تسخيرا الى الصالح العام ولاتنزوي في محيط الذات الضيق خدمة لنرجسية صاحبها !
أم هو ذلك الشخص الذي تشكل من كل ما أنف ذكره ..وارتاد دروب الحياة العامة تقلبا في وظائفها ليمزج عصارة تجاربه تلك في إقتحام العمل السياسي لتحقيق ذروة طموحاته إما إنطلاقا من قناعات فكرية قد تقوده أحيانا الى قبول واقع التعاطي مع أي كان لبلوغ أهدافه التنظيمية أو أحلامه الخاصة .. أو إتباعا لولاء تاريخي ربما يسلبه ملكة إعمال فكره وعلمه وثقافته إنحناءا لتلك العلاقة الموروثة التي يلغي حيالها مجرد الجدل حولها حتى بينه وبين نفسه خوفا من أن تصيبه لعنة تلك القداسة !
ولعل ذلك ما يقودنا الى بدايات تفاعل المثقفين مع حراك العمل الوطني الذي نازل الإستعمار في مرحلة ما بعد الثورة المهدية وتحديدا في ثورة اللواء الأبيض التي تمازجت فيها دماء الضباط الوطنيين مع شريحة مثقفي تلك الحقبة أو متعلميها الذين قادوا تمردا محدودا دفعوا حياتهم ثمنا له وقد استمدوا الى حد كبير أنفاس صدورهم اللاهبة الحارة من الرياح التي تسللت عبر نوافذ الحوائط الشمالية المتاخمة للجارةالمصرية وقد كانت أكبر داعم للنهضة التعليمية المبكرة العابرة للسودان قبل وبعد رسوخ أطناب خيمة الحكم الثنائي بعد سقوط دولةالمهدية .
وتأتي مرحلة تكوين أحزاب الطوائف المتصارعة حول إشكالية استقلال السودان إما منقوصا بتبعية لمصروقد تبنتها طائفة الختمية أو تشجيع فكرة الإستقلال الكامل التي كان يسندها حتى التاج البريطاني بتحفيز طائفة الأنصار على الثشبث بها تفويتا لفرصة بقاء أية سطوة بعد ذهابهم لمن كانوا خيولا لجنود ذلك التاج وهي التي غزوا من على ظهروها السودان إنتقاما لمقتل غردون !
ونعني هنا مرحلة تمسح المثقفين كل تجاه إحدى الطائفتين فاصبحوا بالنسبة لهما بمثابة الأذرع السياسية الرافعة لأكفهما تضرعا بتحقيق الغلبة على الآخرى .. وتثبيتا لسجادتيهما في ظلال أضرحة التاريخ و سجودا للتقوي بهما استقطابا للولاء الجماهيري ولو كان أعمى البصيرة ..والتزود ببركتهما في بلوغ النصر عبر استحقاقات تنافس العمل السياسي قبل أن تفد الى الساحة هتافات اليسار الناقمة على كل شي ومن بعدها خطوات التيار الإسلامي الباحثة في دروب المرحلة الشائكة عن أي شي !
فمشكلة المثقف السوداني على مر الفترات التي حُكم فيها السودان بنفوذ الطائفتين أو وثوب العسكر الى سدة السلطة..إما بالتسليم الطوعي من جهة ما قطعا للطريق عن الآخرين في سوق مزايدات مرحلة ما بعد الإستقلال الهش والذي لم يخرج بعد حينها من حاضنة الخدج ليقف على سوقه ..أو بالإنقلابات العقائدية التي سعت لإقصاء الكل ترسيخا لأنانية صواب الفكرة وتكفير الآخرين سياسيا ووطنيا و أيدلوجيا .. أنه غالبا ما كان ذلك المثقف يسبح في موجة التيار الحاكم ببدايات تبدو مثالية الهدف ولكنها لا تلبث أن تنحرف إما الى الإندغام والتماهي التام في عباءة الحكم إذا ما توفرت له أسباب الإستمرار النفعي ..وإما بالإنسلاخ الذي يحيله الى ناقد للتجربة ومتبرئا عن نتائج خطلها الماحقة على الوطن ..ومن ثم يقف عند ضفة التنظيرالسفساطئي المترهل و الفرجة السالبة دون أن ينقد ذاته إلا نادرا ..ويظل ينتظر أن يأتي الحل من الشارع الذي غادره الى تلك الضفة .. أملا في أن يعود عنها على مراكب التغيير التي ربما يقفز عليها قريبا من ضفاف النصر ليحمل راياتها مع بقية الأيد التي رفعتها بمشقة التضحيات .. وهو الذي لم ينسج خيطا فيها و لا بذل جهدا في عجم أعوادها ..!
ولسنا هنا نرتكز على فرضية التعميم الذي لابد أن يكون المنطق حاضرا حياله في الفصل مابين المثقف الوطني المتشبع بروح عامة الناس عطاءً وأخذا.. وبين المثقف الذي يقف بعيدا في أبراج التعالي حتى في لغة مخاطبة الناس حيث تنعدم ابسط وسائط الفهم المشترك بينه وبينهم .. فيصبح منبتا لا أرضاً قطع نحو بلوغ أبعاد مصداقية إنتمائه الوطني الخالص.. و لا ظهرا أبقى للعودة الى جذوره التي إقتلعها بابتعاده عن طينته التي نبت فيها..!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..