الأمل والدافع لإحداث التغيير المنشود

أطلعت في الأيام الفائتة على مقالات من كبار الكتاب والمفكرين هم أ.د. الطيب زين العابدين والأستاذ السر سيد أحمد ودكتور النور حمد وكلها تناولت موضوع التغيير وكيفية بلوغه وقد أتفق الجميع بضرورته والحاجة الملحة إليه مستشهدين بواقع الحال المائل الماثل الآن ومعاناة الناس التي بلغت حداً يصعب معه استمرار الحياة.
وقد أجمع كلهم تقريباً على تجريب منازلة النظام في انتخابات 2020 أو بالأحرى منازلة عمر البشير بعد أن قطع المؤتمر الوطني بتسميته كمرشح للحزب في الدورة القادمة. لكن دعوة دكتور الطيب زين العابدين في مقاله ذلك جاءت موجهة للشباب للقيام بهذه المهمة عبر قروبات التواصل والتصويت الالكتروني للتوصل لمرشح واحد يتفق عليه الجميع لمنازلة النظام في الانتخابات القادمة. والطيب زين العابدين عندما طرح هذا الخيار كمخرج ووسيلة للتغيير المنشود ناقض نفسه في نفس المقال عندما ذكر (بأن أحزاب المعارضة العتيقة تجنبت الدخول في منافسة انتخابية مع النظام حين أُتيح لها ذلك لأن المنافسة لم تكن متكافئة فالحزب الحاكم يسيطر على كل موارد الدولة ولا يتردد في استغلالها لمصلحته بكل السبل ويستطيع بمؤسساته الحزبية والرسمية أن يعبث بنتائج الانتخابات كما يشاء). إذا كانت هذه قناعة الكاتب فلماذا ينصح الشباب بمنازلة المؤتمر الوطني في الانتخابات القادمة وطرحه كمخرج وحيد للتغيير ، أم يعتقد الكاتب أن النظام سيكون رؤوفاً رحيماً بالشباب ولن يزور الانتخابات كما سوف يزورها في حال أن نازلته أحزاب المعارضة العتيقة.
وقد اتفق الكتاب الثلاثة في مقالاتهم باستحالة تحقق التغيير عن طريقة الثورة الشعبية كما حدث في عامي 1964 و1985 ، لأن الوضع قد تغير وجرت مياه كثيرة تحت الجسر.
وفي تعقيبي على تلك المقالات التي طرحت الانتخابات كوسيلة للتغيير رغم قناعاتهم شبه المؤكدة بأن النظام لن يتوانى في تزويرها عن طريق استغلال موارد الدولة وأجهزته الأمنية، أقول أن التجربة المريرة التي عاشها الناس وبأشكال مختلفة تحت حكم نظام الجبهة الإسلامية أدخلت في نفوس الجماهير نفوراً عن العمل السياسي والمشاركة فيه ،إلا من بعض أصحاب المصالح الذاتية. لقد استغل هذا النظام سلاح الدين والعنصرية في احداث انقسام في الدولة والمجتمع وضرب المجتمع في قواه الحية من خلال فرض الوصاية عليه واحتقاره وتهديده وأفقد الناس الثقة في نفسها وأشاع ثقافة عدم الثقة بين الناس وعمد على إطلاق الإشاعات التي تساعد على تفرقة الناس وتزيد من الفتن بينهم مستغلاً آلته الإعلامية التي جند لها مختصين في زعزعة تماسك المجتمع. هذا فضلاً عن المواصلة في إفقار المواطن وتجريده من كل احتياجاته الأساسية وتركه يركض وراء لقمة العيش وتوفير الدواء والماء، وخلق طبقة منعمة منتفعة تعيش في مستوى عالي مختلف تماماً عن بقية الناس لتتدافع عن النظام وبقائه لأن مصالحها ارتبطت ببقائه . ولقد أنهك هذا النظام المواطن وجعله يكفر ويهجر العمل السياسي والمشاركة فيه وحيّده تماماً وأصبح المواطن مراقباً ومشاهداً للأحداث فقط وليس فاعلاً ومشاركاً فيها.
من الجانب الآخر فإن قوى المعارضة والحركات المسلحة تعارض النظام بأساليب قديمة ولا تبتكر ولا تجتهد في طرح وسائل حديثة ولا أفكار جديدة ومشاريع فعالة وجاذبة للتغيير .
لذلك فإن رؤيتنا لإيجاد مخرج وإحداث التغيير المنشود والتي لا نوجهها لفئة عمرية محددة ولا إلى نوع معين وإنما لكل المواطنين ، هي ليس طرح وسيلة للتغيير ومطالبة الجماهير بتنفذها سواء كانت عن طريق الانتخابات أو الثورة أو الاعتصام أو العمل المسلح. وإنما رؤيتنا تتمثل في العمل على تغيير المفاهيم السائدة في العقلية السياسية السودانية بجميع مكوناتها سواء كانت معارضة أو نظام حكم. وخلق مفاهيم جديدة وأسس جديدة تمنح الدافع والأمل المفقود عند الجماهير ليحرك رغبتها في إحداث التغيير المنشود من خلال الوسيلة التي تقررها وحدها دون فرضها عليها. حيث أن الجماهير تعيش الآن حالة فقدان ثقة في نفسها وفي النظام وفي المعارضة وتشعر بأن أي تغيير قد يحدث سوف يقودها إلى نفس الدائرة الشريرة والحلقة المفرغة ، والتكالب على كيكة السلطة والتناحر وربما الفوضى والتقاتل في الشوارع للظفر بكرسي الحكم. لذلك فإن طريق التغيير المنشود لا بد وأن يمر عبر مرحلة تغيير المفاهيم وطرح رؤية جديدة ومشروع جديد يخاطب العقول ويجذب الجماهير ويحمل بين طياته الأمل والدافع. وتشكيل قاعدة جماهيرية عريضة مؤمنة بهذا المشروع الذي يمثل دولة المستقبل العادلة التي تعطي وتتوفر فيها الفرص على قدر ما يقدم الفرد ويجتهد. وسوف تشكل القاعدة الجماهرية الضمانة الوحيدة لها وبعدها تنطلق لتغيير النظام ولن يوقفها قتل أو أمن أو سلاح وسوف تصل لغايتها وسوف ينطبق عليها قول الشاعر إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. فمشروع التغيير هو الذي يخلق الحياة والامل الذي يكون دافعاً للتغيير المنشود ويجعل القدر يستجيب له.
سامي دكين/ المحامي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..