متاهة الحاءات الثلاث

من اقدار المولى عز وجل أن يرحل عنا فى هذا الشهر الكذوب “ابريل” و فى الثانى منه تحديدا إثنين من أبر أبناء الوطن الًذينَ ما بخلا عليه بكل ما تجود به مقدراتهم. شاعر الشعب محجوب شريف وابو بكر الامين. وفى هذا الشهر الكذوب ومنذ عشرين عاما أيضاً، فجع السودانيون بمصرع مئة ونيف من الشباب المدخر رميا بالرصاص بضاحية العيلفون، وقتلتهم وآمرهم يجثمون على مراتب الدولة العليا مكافأة لدمويتهم. وليس بعيداً عن ابريل ففى مايو 2012 إنعقد إجتماع مجلس شورى الحركة الإسلامية فى العيلفون. ولابد ان هنالك مغزى ومبنى لقرار إختيار الحركة الاسلامية لمعسكرالعيلفون تحديدا ليكون مقرا لاجتماع مجلس شوراها بدلا عن ارض المعارض بضاحية برى, والذى احاطوه بترسانة من السرية وقتها. ولكن تبقى حقيقة واحدة لا يمكن لأى منصف ان يغمض عينه عليها. وهى ان هذا المعسكر تحديدا يمثل شامة “سوداء” على جبهة الانقاذ صنيعة الحركة الاسلامية . لا نريد نكأ جراح من فقدوا فلذات اكبادهم فى قبايل ذلك العيد من الابناء المدخرين بزخات الرصاص او بالغرق فى مياه النيل الازرق، ليس هربا من لقاء العدو، وللذكرى فقط نشير الى انه كان معسكرا مخصصا فى بدايات الانقاذ العاصفة لتجميع الشباب الذين يخطفون قسرا من الشوارع و اماكن العمل و من المشافى وغيرها فى ما يسمى حينها بـ” الكشات” حيث يتم تعليمهم التصويب و رمى الرصاص ويشحنون الى مواقع الجهاد ضد “الكفار” من ابناء الوطن فى الجنوب بحصيلة ضخمة من الاناشيد والهتافات الحماسية ، بعد أن يتم غسل ادمغتهم وإغرائهم بأن حواصل الطيور الخضر و حسان الحور العين بإنتظارهم فى جنات الخلد. و ليس هذا مربط الفرس كما يقولون . فلو انهم امهلوهم حتى لقاء “الكفار” فى الجنوب لما جاءت سيرة المعسكر و لا “سيرة الجنوب ” كما يقول القدال . و لكنهم حصبوهم بالرصاص فى قبايل العيد فى ذلك المعسكر، فقط لانهم طلبوا السماح لهم بتمضية ايام العيد مع ذويهم. فراح ضحية ذلك التمرين العملى الدامى لسطوة الانقاذ كوكبة من الشباب ما زال اهلوهم يزورون مقابرهم قبايل كل عيد ويكتمون غلبا وكمدا. ولو ان الانقاذ تتعلم او تحس او تحسن سلوكها ومسلكها لما كرر مجندو ذلك المعسكر ذات الاحتجاجات مرة اخرى واحرقوا ذات المعسكر. اذن لهذا المعسكر شيئا ما يحوص فى دواخل الحركة الاسلامية والحكومة الاسلامية والحزب الاسلامى . هذه ” الحاءات” الثلاثة ،الحركة والحكومة والحزب اصبحت مثل التوائم السيامية التى انفصلت قسرا بفعل تعارض مصالح افرادها، ووهن اللاصق المزيف ياسم الدين, حيث قادتها النفس الامارة بالسؤ الى ذلك اليوم الاسود فى تاريخ السودان و تاريخ الحركة الاسلامية ، حين سولت لها تلك النفس ما فعلته فى 30 يونيو، والانقلاب المؤسس على الكذب والخداع، وسارت بالوطن و بالدعوة للاسلام فى هذا الطريق الطويل والشاق و الملئ بالعيوب والمثالب، وبكل ما أضر به، وبها وبهم ايضا. ككوادر ادعت وتدعى أن “هى لله لا للسلطة و لا للجاه ” فما الذى قاله الرئيس البشير عنهم خلال ذلك المجلس الشورى العيلفونى. قال بالحرف ” إن الحكم والسياسة أفسدا الكثير من عضوية الحركة الإسلامية على الرغم من أن مجيئهم كان من أجل القيم وتطبيق الشريعة الإسلامية.” هذا ماقاله قبل ست سنوات. ترى لماذا سارت “الحاءات الثلاث” هذا المسار الذى دفع الرئيس ليكشف عن عجزه فى اصلاح سدنتها وتصحيح المسار؟ وكيف اصبحت “حاءات ثلاث” يطارد كل منها الاخر، وتسعى اليوم لإعادة شملها بعد ان تغيرت كل المعالم الشخصية واصابت الشيخوخة الفكرية. والخمول الوطنى العديد من الكوادر التى ركنت لتحصين ما غرفته من عرض الدنيا . الحركة الاسلامية السودانية ما كانت و ما هى عليه اليوم لا تمر بأزمة تنظيم بقدر ما هى ازمة ضمير . فقد دللت مسيرتها فى الحكم طيلة هذا الزمن المتطاول انها اقصر قامة من حكم السودان الواسع. وقد تأكد عجزها وقعودها عن هذا الامر حتى بعد انفصال الجنوب بجرحه وجراحه الدامية . و ما زاد من الازمة النظر بالعين المجردة لانجازات ما يسمى بالحركات الاسلامية فى تونس ومصر وباكستان وعلى الاخص تركيا . وتأتى الايام و الشهور لتأكد أن مخرجات مجلس الشورى هذا لم تتعدى تضميد الجرح على اوساخه . فقد داست الانقاذ تحت رايات الحركة الاسلامية والحزب على كل المبادى الوطنية وتعاليم الاسلام مسار الثور فى مستودع الخزف . وفقدت بإرادتها وفعل السياسة و بغير اردتها و بفعل الغفلة وبفعل خصومها الذين لم تعترف بهم الكثير مما يمكن ان ترتكز عليه فى سعيها لإصلاح بيتها الداخلى، وجمع شمل من تقول انهم مسلمين من غير ما تعرف وتعترف باسلامهم بعد ان بارت سياستها بتقريب المؤلفة قلوبهم من سقط الاحزاب الاخرى. و ها هى اليوم فى اوج ازمتها ومعضلتها لا تنفع معها اختيار قيادات جديدة او تخليق طبقة حاكمة جديدة . فأزمتها ازمة مبدأ تاه بين المصالح الشخصية وقيادات القدرة على العصف الذهنى والتصورالابداعى، والقدرة على بناء رؤية تخرج كامل ” الحاءات الثلاث” من الجمود والفوضى وتباين الاهداف والمسارات. ترى هل طرأ بذهن بعض اعضاء مجلس الشورى هذا وهم فى العيلفون ان يدرجوا قضية اولئك الشباب الذين قتلوهم بدم بارد فى قبايل العيد كواحدة من الممارسات والافعال التى اصاب فيها مسارسياستهم او نظام حكمهم. ام انها كانت من البشاعة بحيث لا يمكن تذكرها او ذكرها ؟ وهذا ما حدث جفاوا عن ذكرها. ولو اننا لسنا فى موقف الناصحين ولا الشامتين. الا انننا لا نخفى القول بأن الحقيقة تقول ان كل الاجسام لتى تشتمل عليها الحركة الاسلامية بكامل تقاسيمها و تفرعاتها قد افرغت من مضامينها وخاصة ما يسمى بالشورى، التى اصبحت تماما مثل المستشارين الذين يتلقون الإشارة والمشورة والتوصيات من الرؤساء . وذلك بسبب تركز السلطات فى دوائر ضيقة وسيادة مفهوم السيطرة و التفكك فى التركيبة القيادية . و نحن ما نجيب سيرة العيلفون .
[email][email protected][/email]