شملة كنيزة

من يقرأ ما تنشره الصحف، وما يكتب في وسائط التواصل الاجتماعي، والمواقع الإسفيرية، عن السودان، يخيل إليه أن الحالة في بلادنا قد أصبحت، كما يقول المثل السوداني، مثل “شملة كنيزة، هي تلاتية وقدّها رباعي” بمعنى أن الفتق قد أتسع على الراتق! ومعنى ذلك أن الفساد المالي والإداري قد زاد إلى درجة، لا يجدي معها أي إصلاح، باعتراف بعض المسؤولين! فقد وردت أنباء وتقارير عن حالات فساد مريعة خلال الأيام الماضية، خاصة بعد تشكيل محكمة مكافحة الفساد، وبعدما أعلن رئيس الجمهورية الحرب على القطط السمان، الذين يمتصون دماء الشعب ويعبثون بمقدرات البلاد، دون ضمير أو وازع! ويبدو أن هؤلاء المفسدين، قد بدأوا يتصرفون بطريقة “دار أبوك كان خربت، شيل ليك منها شيلية”. فقد كتب الأستاذ إسحاق أحمد فضل في صحيفة الانتباهة ما نصه: “والعبقرية “عبقرية تدمير الذات” عندنا تواصل التقدم. والعبقرية هذه تدق الطبول لشهرين، فساد، فساد، والنفوس تمتلئ غضباً وتمتلئ بالرغبة في الانتقام وأسماء المتهمين “دفعة أولى” تُعلن أمس الأول”، ولكن كم يقف وراء هؤلاء التسعة وكم من المفسدين يعمل تحت إدارتهم ويستفيد من فسادهم دون أن يحاسبه أحد أو حتى يعلم به إلا رب العالمين! أين يا ترى أجهزة الرقابة والتحقيق، بل أين الأمانة والحس الوطني؟ هذا الفساد لا يمثل فقط إهداراً لمالية الخزينة العامة بل هو تعطيل للتنمية وإضاعة لحقوق الناس ومؤشر على انحدار الدولة ومؤسساتها وأجهزتها المالية والإدارية والتنفيذية، وبالطبع السياسية، نحو هاوية سحيقة لا قرار لها أو قاع ؛ ليس هذا فحسب بل هو دليل دامغ على تعثر المشروع الحضاري الذي رفع شعارات النزاهة والعمل لوجه الله واستشهد من أجله رجال وشباب في مقتبل العمر وريعان الشباب، وعانى الشعب السوداني بسببه أشد أنواع المقاطعة والعزلة الدولية؛ حتى حرم من قطع الغيار والأدوية المنقذة للحياة وأبسط مدخلات الإنتاج وفرص التواصل مع العالم للحصول على التقنية والمعرفة وجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال العابرة للقارات من أجل الاستفادة من مصادر السودان المتنوعة من زراعة وثروة حيوانية ونفط وذهب ومعادن لا عد ولا حصر لها! يحدث هذا، وقد صبر الشعب السوداني الأبي على الضنك وشظف العيش؛ من أجل أن تتحقق الشعارات من شاكلة: “نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع” ولكنها ذهبت جميعها أدراج الرياح، وأنى لها أن تتحقق على أرض الواقع، في وقت تختفي فيه منحة، وليس قرض، مخصصة لصناعة النسيج، دون أن يُعرف من الذي تصرف فيها، وهذه بالطبع عبارة لطيفة تعني من سرقها. يحدث هذا، وكثير من مواطني الدول من حولنا ينظرون للسودان باعتباره هو الملاذ الآمن بالنسبة لهم بعد أن ضاقت بهم الحال في بلدانهم، سواء كان ذلك في محيطنا العربي أو الإفريقي! بيد أن بعض دول الجوار الإفريقي، مثل أثيوبيا قد نفضت عن نفسها غبار الاختلاف والتخلف وبدأت تشق طريقها بثبات مشهود نحو النهضة والعمران والتنمية والديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات والتأسيس لحكم راشد يخدم مصالح شعوبها ويستفيد من مصادرها الطبيعية المتاحة. ولو كانت السلطات الرسمية حريصة على تجاوز هذا الوضع الخانق؛ لسعت لتكوين تيار وطني من كافة الكوادر السودانية المنضوية في عضوية جميع الأحزاب والتيارات؛ وتوسيع ماعون التشاور بعيداً عن سياسة المحاصصة والترضيات، التي أثبتت فشلها وعدم جدواها تماماً. ومن جانب آخر، لابد من إرساء وتعزيز مبدأ المؤسسية في وسط الأحزاب نفسها، سواء في ذلك الحزب الحاكم والأحزاب الموالية له أو تلك التي تعارضه. ولن يتحقق الإصلاح وإيجاد مخرج من هذا المأزق السياسي والاقتصادي دون النظر في الضائقة المعيشية التي عطلت الإنتاج وشغلت الناس؛ حتى أصبح لا هم لهم سوى توفير لقمة العيش والحصول على الكساء والدواء وربما المأوى لعائلاتهم. وقديماً قيل لا تشاور من ليس في بيته دقيق؛ لأن الإنسان إذا لم يتوفر له العيش الكريم لن يستطيع أن يبدع أو أن يفكر بطريقة سليمة ناهيك عن المشاركة في التنمية وزيادة الإنتاج وما إلى ذلك من متطلبات قومية من شأنها أن تساعد على الخروج من هذه الأزمة الماحقة التي ضربت بأطنابها في السودان بسبب الفساد وعدم المبالاة من قبل القائمين على الأمر في كثير من الأجهزة. نحن نريد من رئيس الجمهورية إنفاذ ما قاله وصرح به من حرب على الفساد والمفسدين دون مراعاة لأحد مهما علا شأنه، وإذا لم يحدث هذا فسوف تستمر الجهات المفسدة فيما دأبت عليه؛ علماً بأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، واضعين في الاعتبار سهولة الوصول إلى أوكار الفساد التي لم تعد تخفى على أحد! وبصراحة لقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات جريئة من قبل السلطات المعنية لوقف التدهور فقد صرنا، للأسف، عرضة للتندر بالنكات والكراكتير! إنّ هذا الوضع لهو نذير شؤم ولابد من تداركه و”الجري قبل الشوف قدله”.
[email][email protected][/email]