أحقاً أظهرت أزمة الوقود أسوأ خصال الشعب السوداني ؟

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي منشوراً يجمع بين الغضب والحسرة على ما ذكر انه (أعفن ) ما في الشعب السوداني من خصال ،أظهرتها أزمة الوقود. وعدد المنشور نماذجاً من الممارسات السيئة التي صاحبت الأزمة. تركزت كلها في استغلال الأزمة لجني المال الحرام وغير المشروع من مواطنين عاديين وأفراد ومسئولين أمنيين وأعلى منهم. علاوة على تخطي الدور في الصفوف وكل انواع التحايل.والحق ان الكل شاهد على نماذج يندى لها الجبين الوطني ويثقل الضمير الإنساني من حقائق عن ممارسات وسلوكيات رديئة صاحبت الأزمة . والانطباع الأول الذي سيخرج به كل فرد وقف على هذه الممارسات لا يخرج عما ورد في المنشور المذكور. بيد أن النظر لو توقف هنا، سيكون مجحفاً في حق الملايين الذين لا يمتلكون السيارات للوقوف في الصفوف . فبالتالي لا يستطيعون التخطي أو بيع الوقود من بعد ملء الخزانات بأسعار لا تعرف أدنى القيم الإنسانية والأخلاقية. وهم كذلك ليسوا ممن يملكون قراراً في الأزمة والإفادة منها بشكل أو بآخر .علاوة على عدم دقة التوصيف من الناحية العلمية . عليه لا تصلح الفكرة معياراً للقياس على ما ذكر المنشور، رغم الوقع الثقيل على النفس جراء الوقوف على هذه الحقائق.
لكن هذا الأمر سيقودنا إلى سؤال بديهي وهو : هل نحن بدع من شعوب العالم والمجتمعات الإنسانية حيث لا تسري علينا السنن والقوانين العامة التي تحكمها !؟ وتنهض علامة استفهام كبرى من السؤال السابق . هل من شعب من شعوب العالم ومجتمعاته من يصف نفسه بانه شعب منحط ولا يتغنى بنفسه ويفاخر بها مهما كان رأي الآخرين فيه؟وأقرب الأمثلة إلينا ربما يكون الشعب الإسرائيلي الذي نحمل كل الضغينة عليه . هل يقول الآسرائيليون عن أنفسهعم شيئاً مما ننعتهم به رغم فظائعهم ومخالفاتهم بوصفهم محتلين، لقوانين دولية وإنسانية عدة ؟ الإجابة قطعاً بالنفي. لكن دعونا نذكر عبارة سودانية شائعة، ونبحث عن مقابل لها لدى الشعوب الأخرى في شأن بلادهم وهي ( ملعون أبوكي بلد)!! لا اريد أن أنفي ما ورد في المنشور من حقائق . لكن علينا أن نعترف بها بنفس القدر الذي نتغنى به عن سلوك الراعي الأمين وغير ذلك. ببساطة ، لأن مخالفة القوانين والإفادة بالثروة من مصائب الآخرين ، سلوك لبعض أفراد المجتمعات ومؤسساتها. وإلا ، فبم نسمي أثرياء الحروب وكبار تجار الأسلحة والغذاء والدواء والجنس والمخدرات على مستوى العالم؟
بيد أن كل ما سبق ينبغي ان يقودنا إلى الحقائق الأساسية التي تحكم مجتمعنا ، والذي إن تواجدت في مجتمعات اخرى لأعطت نفس للنتائج. لذلك ، أجدني متفقاً تماماً مع الدكتور مصطفى حجازي في سفره القيم الذي سماه ( التخلف الاجتماعي) . والذي حلل فيه دواعيه. لنعرف اننا نرزح تحت ربقة تخلف اجتماعي هو في الواقع نتاج لتضافر عوامل القهر للمجتمعات لصالح فئات أو دول او مؤسسات . تنال الثراء والجاه والسلطان . وما يترتب عليه من حروب ونزاعات وهجرات قسرية ونزوح وبروز للفئات الطفيلية التي ودمار الدول والمجتمعات. ولتبيان ذلك، دعونا نعدد معه بعضاً من العوامل .
أولاً : قهر القبيلة. فعبر قوانين صارمة تحكم بها الفرد للخضوع لها ولزعمائها ، تحفظ تراتبية لا تتغير. فيظل كل فرد فيها في رتبته الاجتماعية ، مهما أوتي من مميزات. فالفارس سيظل فارساً بطلاً. لكنه لن يكون زعيم القبيلة. والثراء والأتاوات ستكون من نصيب الزعيم وورثته. وراجع يا رعاك الله سير قبائلنا، وفسر لماذا أحيا النظام القاهر ، القبلية التي عمل الناس على تلاشيها.وكيف صبغت هي بالتالي نظام الحكم الذي أعمل فينا كل مباضع فساده وقهره.
ثانياً :استغلال الدين . عبر توجيهه للمحافظة على صور من القهر بالمنع والتحريم على هوى فقهاء السلطان وحتى فقهاء التخلف . وأثر ذلك على وضع المرأة كأنصع صور القهر .ثم قارن ما حل بنا جراء استخدام جماعة الإخوان المسلمين للدين لصالحهم. وليس أظهر من الحديث المنسوب لرئيس الحركة الاسلامية مؤخراً عن الصفوف وربطها بالبنيان المرصوص وطاعة الله وإلى آخر ما في ذلك من تخاريف يقصد بها إلهاء البسطاء عن قضاياهم الملحة للحفاظ على مزاياهم.
الاستعمار: وذلك عبر ربط اقتصاد الدول بمصالحه. وكيف وفي سبيل الحفاظ على ذلك أدى إلى تخلف المجتمعات ودعم الحكومات الفاسدة والقاهرة لشعوبها. وقارن سلوك أمريكا الابتزازي مع النظام ودعمه لتحقيق مراميه في تفتيت البلاد رغم الصراخ الظاهري بحقوق الانسان والحريات وما إلى ذلك. حتى ظننا أن أمريكا هي من ستخلصنا من النظام.
تلك بعض من العوامل. وتأمل معي يا أجارك الله.وصول المؤلف إلى المفارقة الفظيعة . وهي أن المجتمعات المتخلفة والفئات المقهورة هي الأكثر حرصاً على بقاء قوانين تخلفها !!.فالرقيق المتمرد، كان يؤدب بالرقيق من نفس ظروفه!! ولاحظ كيف أن المرأة ، وهي الأكثر قهراً . هي الأكثر حرصاً على نقل عوامل قهرها لبناتها عبر تربيتهم على نفس قيم المجتمع التي قهرها بدعاوى التأديب والتربية. وكيف أنها هي الأحرص على تشويه بناتها عبر أبشع صور الختان التي ظلمت هي به.
ثم قارن ما تسمعه بهذا عندما تسمع الناس يتحدثون عن الخوف عن ذهاب بيضة الدين بانهيار النظام. ثم الحديث كذلك ذهاب الأمن إن ذهب النظام.
نعم ، لقد أبرزت أزمة الوقود ، أسوأ ما فينا ، ولكن ليس على ما شاع في المنشور . بل على تخلفنا وتمسكنا بعوامل قهرنا . وهو ما مد لسانه طويلاً لمن ظن أن أزمة الوقود ستعني النهاية السريعة للنظام.0 وظن أن الجموع المشدودة في صفوف الوقود أو محطات الحافلات بالساعات الطوال .لا تحتاج لأكثر من مبتدر للهتاف. وقد مر عليكم من احبط لهروب الجمع منه هروب السليم من الأجرب عند فتح النقاش فيه.إن النظام موجود بحفاظنا وحرصنا على الإبقاء على عوامل تخلفنا وقهرنا. لذلك يدعو الناس للحريات السياسية الفكرية الكاملة ، حتى ننفك من ربقة التخلف. أما النظام فربما يسقطه ثوار وربما لا. ولكن المؤكد أنه ستأتي لحظة يتوقف الدم في شرايينه عن الجريان. ويقف كعربة نفذ زيت محركها وتصلبت. لأن النظام قد نضب معينه.
.
العصيان المدني والثورة هو الحل …
شدو الهمم يا شباب السودان …
.
العصيان المدني والثورة هو الحل …
شدو الهمم يا شباب السودان …