تكتلات ثقافية لاعادة بناء مفاهيم الوطن (ميتا-سياسية)

العقل السياسي السوداني، كان سابقاً في تكوينه لمرحلة إعمال العقل (الواعي بذاته)، فقد تكوَّن العقل السياسي في فضاء يفتقر لأي فلسفات حقيقية تؤسس لمرحلة (إنشاء الدولة)، حيث تم القفز مباشرة لمرحلة (الاستقلال)، دون المرور بمرحلة بناء المفاهيم والتصورات العامة، فتم خلق (وعي زائف) لمفهوم وطن غير متحقق في وجدان الناس لا سياسياً ولا جغرافياً، لخدمة أجندات مازالت في حاجة للبحث معرفياً وثقافياً.
تعريف مفهوم المثقف والثقافة عموماً، ربما، من أشْكَل القضايا التي يواجهها المثقف، والتي دائماً ما تضع المثقف في موقف حرج جداً، على الرغم من عدم وعي الكثير من (المثقفين) بهذا الحرج، لأن المثقف درج بكل أسف، على أن يقفز مباشرة إلى سرد ما يحفظ من تعريفات (كلاسيكية)، ذات ضجيج (إصطلاحي) صاخب بغية ضرب مراكز وعي المتلقي لخلق حالة من (التوهان)، يغتنمها المتكلم لختم حديثه بالعبارة الحزينة (هذا، ولا يوجد تعريف موحد للمثقف والثقافة).
شيخ الفلاسفة (الدكتور مراد وهبة) لم يراوغ بل ذهب رأساً للقول بأن (المثقف هو الشخص القادر على تكوين علاقات جديدة لتغيير الواقع)، على الرغم من اختلاف البعض معه في تضمين التعريف حمولات سياسية، كما ذكر هو شخصياً في احدى المقابلات التلفزيونية، إلا أنني ارتحت كثيراً للتعريف، لأنه يلامس بصورة مباشرة حاجة المجتمع للنخب المثقفة للنهوض بدورها التنويري بهدف تغيير الواقع.
غني عن القول، أن العقل السياسي السوداني الحديث تشكَّل تحت الوصاية (المصرية)، حتى إن حركات التحرر الأولى (اللواء الأبيض) والتي شكلت وعينا، كانت ضد الانجليز وهذا ما نعرفه، ولكنها كانت من أجل الملك والجيش المصري، بينما السودان كدولة لمَّا يأخذ حيزاً في الوعي بعدُ، وكل النخب السياسية تم (صنعها) على عين القيادة والنخب المصرية في ظل انتشار كثيف للشؤون الدينية المصرية للتعامل مع (الجانب العاطفي).
ومن طريف ما قرع سمعنا، أن الساسة من الشمال وقتذاك كانوا يطلقون لفظة (سوداني)، على أبناء الجنوب والمناطق الطرفية، على أساس أنهم هم (حاشية الملك)، في حالة حادة وبائسة من حالات غياب الوعي بالذات.
محاولات القفز على هذا التاريخ البائس، دون العمل على مواجهته وتصحيحه، لن تنتج إلا مزيداً من تزييف الوعي، كلنا يعلم أن من أعلنوا الاستقلال، دون ذكر أسماء، لم يتعرضوا لتجارب نضالية حقيقية تعمل على انضاج وعيهم والاعلاء من قيمة الحرية في نفوسهم، لذلك بعد إعلان الاستقلال مباشرة قدموا الحرية (هبة الانجليز) قرباناً للجيش كوسيلة طفولية لادارة الخلافات السياسية، ما يثبت أن (العقل السياسي) حينها لم يعي كُنه الحرية التي نالها تواً.
عندما تسائل الأديب الطيب صالح، من أين أتى هؤلاء؟
كان الحري على (المثقف) الطيب صالح أن يقول لقد أتوا من عند أنفسنا!!! لأنهم لم يجدوا مثقف (عضوي) يمنعهم بقوة (الوعي) من التجاسر على سرقة الوطن!!! لم يجدوا ثقافة شعبية حاضنة لقيم الحضارة يقف من خلفها (مثقف) يرتق ما ينفتق منها!!! لم يجدوا للحرية قيمة في نفوس الناس.
الوطن في حاجة لتكوين جماعات ثقافية (لها ضمير)، تضم العقول السودانية التي تهيم على وجهها بين مدن العالم، وهوامش الحياة وسجون الوطن، لتنهض بعبئ بناء رؤية مستقبلية متكاملة تفكك بنى العقل التراثية لتسترشد بها الجماهير صاحبة القرار في التغيير السياسي، لقد سئمنا المبادرات الفردية والبطولات الزائفة.
لا توجد نهضة بدون وعي، ولا يوجد وعي بدون ثقافة، أي تغيير سياسي سابق لإعمال العقل (غياب الثقافة)، لن يؤدي إلا لإعادة انتاج الواقع وعلى نحو أكثر قتامة، في ظل ثقافة مجتمع تسيطر عليها (حكمة) المساطيل والساسة.
[email][email protected][/email]
Excellent
Excellent