حكومة بكرى تحت المجهر: الديموقراطية في الاسلام

الحلقة الأخيرة
لدينا ما يكفي للاعتقاد بأن عمالقة الفكر السياسي في أوربا في عصر النهضة استفادوا من آيات الحرية والتسامح في القرآن الكريم فقد كانت أول ترجمة لمعاني القرآن في القرن الحادى عشر، وكانت مؤلفات ابن سينا وابن رشد والفارابي والحسن بن الهيثم تدرس في المعاهد الأوربية، وكذلك ثورة الاصلاح الديني بقيادة مارتن لوثر، فقد كانت أوربا تعاني من الفوضي الدينية والسياسية التي يعاني منها المسلمون الآن، ولدينا في ابن كثيروالطبرى والسيرة النبوية وكثير من المصادر الأخرى ما يشير الي ان آلية أهل الحل والعقد اخترعها الفقهاء وليس لها أساس من الكتاب والسنة، وأن السلطة شأنا عاما وحقا ديموقراطيا يتساوى فيه المسلمون عامة، ولو لم تكن السلطة شأنا عاما لما قال الأنصار يوم السقيفة منكم أمير ومنا أمير، ولما اعترض الحسن بن علي بن أبي طالب بأن بيعة أهل المدينة وحدهم لا تكفي كتفويض لتولي والده السلطة، وأثبتت الأحداث أن ذلك صحيحا بدليل اعتراض أهل الشام وهم الأغلبية ولولا ذلك لما كانت حرب صفين ويوم التحكيم، وجاء في بعض المصادر ان الناس ملوا من تشدد عمر بن الخطاب وكانوا يتخوفون من تكرار شخصية عمر في علي الذى كان يعرف بأبي تراب كناية عن الزهد والتقشف، ولم يستخلف النبي خليفة وبايع الناس أبو بكر لأن النبي استخلفه في امامة الصلاة، وكانت ثورة الشباب بقيادة محمد بن أبي بكر الصديق التي بدأت في مصر وانتهت بمقتل الخليفة الثالث في المدينة ثورة ضد حكم الصفوة وأهل الحل والعقد، ولا تختلف عن ثورة الشباب العرب في الألفية الثالثة واكتوبر وأبريل في السودان، فقد فشلت دولة الخلافة في الانتقال من اقتصاد الحرب والغنائم والأسلاب الي اقتصاد السلم فتفشت البطالة، وكان الأمويون أقرب زمنيا الي العهد النبوى والخلافة الراشدة فقد كانوا أقل فسادا، وكان عثمان متهما بالانحياز الي أهله وعشيرته في الاختيار للوظائف العامة كالولاء قبل الكفاءة في عهد الكيزان فقد كانت ولا تزال السلطة جرادة تتصارع علي الفراريج، ولم تكن خطبة يزيد بن عبد الملك بمناسبة توليه السلطة تختلف عن خطبة أبوبكر وعمر في نفس المناسبة أو خطبة أى مرشح أميركي في السباق الي البيت الأبيض في عصرنا هذا والي نص الخطاب كاملا:
( ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا علي الدنيا ولا طمعا ولا رغبة في الملك وانما خرجت غضبا لله ودينه، لكم عليا أن لاأضع حجرا علي حجر ولا أكرى نهرا ولا أكتنز مالا ولا أعطيه زوجا ولا ولدا ولا أنقله من بلد الي بلد حتي أسد خصاصة أهله، ولا أجمركم ولا أغلق بابي دونكم ولا أحمّل أهل جزيتكم ما يجليهم عن بلادهم وأقطع نسلهم وأن أسوى بينكم في المال حتي يكون أفضلكم كأدناكم، فان وفيت عليكم السمع والطاعة والا لكم أن تخلعوني، وان رغبتم أحدا غيرى يقوم مقامي وأردتم أن نبايعوه فأنا أول من يبايعه ويدخل في طاعته)
ويتفق هذا مع أهداف الدولة التي حددها عمر بن الخطاب عندما قال ان الله استخلفنا في الناس لنضمن حرفتهم ونسد جوعتهم فان لم نفعل فلا طاعة لنا عليهم، وأجملها جرير عندما قال مخاطبا عمر بن عبد العزيز بأن الناس اذا ما المطر أخلفهم يرجون من الخليفة مايرجي من المطر، ويقاس فشل ونجاع الدول في عصرنا هذا بنسبة العاطلين عن العمل، ولا يمكن اقناع الناس بأن الارهاب ليس الاسلام الا بعمل درامي عالمي يشخص سيرة أبوبكر وعمر وتتجلي عظمتهما في أنهما بشروليس أنبياء أو ملائكة ولا قداسة في الاسلام، فالدولة موضوعها عالم الشهادة وليس عالم الغيب، وجاء في الحديث الشريف حول تأبير النخل أنتم أدرى بأمور دنياكم، ولا يجيب الدين هل نزرع القمح في الشمالية أم في الجزيرة وهل نزرع القطن في المشروعات المطرية أم المروية؟ والسياسة في منظور الامام الغزالي تعني التكاتف والتضامن في سبل الحياة وضبطها وان الحج شيء وحراسة الطرق المؤدية الي الحج شيء آخر.
المناهج التربوية:
كانت السلطة في السودان ومنذ الاستقلال تخشي بأس أدعياء والمعرفة بالدين الذين يحتكرون منابر المساجد وتنافقهم وتتفي شرهم بالرشوة السياسية، وجاءت الترابيون واستعانوا بهم في الصراخ في وجه دعاة الحرية والديمقراطية ودولة المواطنة فتسللوا الي مركز القوة والقرار، وأصبح السودان الآن مركز الوهابية والخرطون عاصمتها، وبعد مؤتمر السلفية بكلية جبرة الجامعية لتفريخ الارهاب والذى تمخض عن تحريم الديموقراطية ودولة المواطنة جاء في تقرير نشره الدكتور صلاح عوض بالفيس بوك ان السلفيين يسيطرون علي ادارة المناهج التربوية وهم بحكم نفوذهم داخل النظام ومشاركتهم في السلطة والأموال التي تتدفق عليهم من الخارج بدون حساب يرجي خيرهم ويخشي شرهم وسيف الصالح العام مسلط علي الرقاب، والدكتور صلاح استاذ جامعي وكان مدير الدعوة بولاية الخرطوم فهو أدرى بنشاط وامكانيات السلفيين وصراعاتهم علي المناصب والمخصصات وعلاقتهم بمنظمة الدعوة الاسلامية التي هي منظمة اقليمية استضافها السودان لأهداف انسانية لكنها تحولت الي منظمة سياسية، واحتواها الترابيون واستغلوا أموالها في خدمة أحاديتهم وفاشيتهم ونازيتهم الدينية، والمناهج التربوية في عصرنا هذا علم في خدمة التنمية وسوق العمل والسلام الأهلي لأن الانسان وسيلة التنمية قبل أن يكون هدفها وغايتها، وكثير من الدول التي تنعم بالرخاء والازدها لا تملك شيئا من الموارد الطبيعية سوى انسانها، لكن التعليم في السودان أصبح طائفيا بعد أن كان قوميا وصفويا بعد أن كان حقا ديموقراطيا، ويختلف الأطفال في مواهبهم واستعداداتهم الطبيعية ونسبة أطفالنا خارج العملية التعليمية 35% فكم بينهم من المواهب المهدرة، وقد أصابنا الترابيون في أعز مانملك وهو الفيم المعيارية التي تقوم عليها الدولة وشعورنا القومي وحسنا الوطني ولولا ذلك لما استطاعوا البقاء في السلطة ثلاثين عاما، والطفل مشروع انسان مكلف ومصادرة مستقبله والتحكم في مصيره تدخل قي حكمة الله واستخفافا بمشيئته وقوانين الطبيعة ونواميسها الأزلية التي أودعها الله في خلقه، وفي العمر حتي الخامسة والعشرين يتقرر مصير الانسان ودوره في المجتمع، وقال علي بن أبي طالب ان قيمة كل انسان فيما يحسن، ويقول يوحنا لوك 1635/1704 خلق الانسان ليعيش ولكي يعيش يتوجب عليه أن يعمل ويتبادل المنافع مع الآخرين، وان العمل الذى يتناسب مع قوانين الطبيعة هو العمل المفيد للفرد والجماعة، ويجب التركيز علي ميول الطفل ومواهبه واستعداده الطبيعي وخصائصه الشخصية، ولا يجوز أن يخضع الأطفال الي برامج تعسفية، وتربية الشخصية السليمة قبل حشو عقل الطفل بالمعلومات، ويقول ان اللعب والمرح من وسائل التعليم، ويقول يوحنا نلوك ان التعليم ممارسة وليس قواعد ومفاهيم، وان المكافأة خير من العقاب، وان سلطة الأبوين تربية الطفل ليكون كائنا حرا، ولا يجوز تكبيل الفضول وحب الاستطلاع والمرح والنشاط الزائد، والعقاب ضرورى لكنه ليس بالعصا والتسفيه والتحقير والمكافأة خير من العقاب، وهذا ما أدركه عمر بن الخطاب عندما قال شدة بلا عنف ولين بلا ضعف.
قضاة الكيزان:
أذكر أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء طلبت من وزارة المالية التصديق بشراء حافلة اضافية لترحيل الموظفين، لكن ادارة الميزانية صدقت باستلام حافلة من مخلفات جهاز الأمن المايوى المنحل، واقترح اللواء الهادى بشرى رئيس لجنة التصفية اختيار بص من بصات ترحيل الفلاشا، وبعد معاينتها اتضح لي أنها لوارى نيسان بصناديق بلدية مصممة لترحيل الفلاشا سرا من أثيوبيا الي مطار الخرطوم فاخترت حافلة 15 راكب، وقد يقال بفساد جهاز الأمن المايوى من الجندى الي القائد العام بما في ذلك العميد عبدالله عبد القيوم ضابط الأمن المايوى الذى هرب الي السعودية وفضح عملية ترحيل الفلاشا في مؤتمر صحفي وكفا بك داءا أن ترى الموت شافيا فما ذنب ممتلكات الجهاز التي بيعت في المزاد العلني ولابد مما ليس منه بد ، وفي حديث صحفي قال عمر عبد العاطي النائب العام في حكومة الانتفاضة ان وثائق جهاز الأمن المايوى لم تسلم له لمقاضاة الفاسدين وأنها سلمت الي المجلس العسكرى الانقالي وربما أحرقت فلم يظهر لها ذكرفي التداولات السياسية والصحفية، وكان موظفو الدولة يترقبونها لمعرفة الزملاء الذين كانوا يتجسسون عليهم، وتكشف شنأن الصادق المهدى وحزب الأمة والبلد بلدنا حررناها من الترك ونحنا أسيادها وذلك باختيار مدير الجهاز الجديد من الموالين لحزب الأمة، ولدينا ما يكفي للاعتقاد بأن الكيزان أفسدوا قلة من القضاة ولا تزال الهيئة القضائية بخير بدليل تعديل قانون الاجراءات المدنية فأصبح القضاة غير مختصين بتنفيذ الأحكام التي يصدرونها متي ما كان المحكوم ضده طرفا حكوميا، وخير مثال لذلك ايقاف تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح ضحايا الصالح العام في البنوك الحكومية والهيئة القومية للكهرباء، ومن ذلك المحاكم والنيابات المتخصصة للدغمسة في اختار القضاة ووكلاء النيابة، وقواعد ومتطلبات العدالة من البديهيات التي يدركا الانسان العادى بحسه الفطرة والوجدان السليم وللخصوم والمحاميتن الشرفاء ما يكفي من الأحكام لكشف قضاة الكيزان. ولن يثق الناس في ادعاء محاربة الفساد الا بمحاكمة عمر البشير واسرته وهو كبيرهم الذ ى علمهم السحر، ولا قيمة لبراءات الذمة الا بنشرها للطن فيها أمام المحاكم الجنائية بتهمة الكذب في أوراق رسمية وتضليل العدالة.
[email][email protected][/email]