عدالة إعمال العقل ..لا قُضاة تنفيذ النصوص ..!

الكثيرون من أبناء جيلنا يذكرون الفيلم التسجيلي الشهير(موت أميرة ) و الذي إستوحاه أحدالمخرجين البريطانين من شهادة صديق صحفي من بني جلدته والذي حضر عملية إعدام إحدى الأميرات السعوديات رمياً بالرصاص وفي مكان عام على خلفية إتهامها بالزنا مع شاب من عامة الشعب حاولت الهرب معه عبر المطار متنكرة في زي رجالي ..بيد أن أمرهما إنكشف وأعدم الشاب بعد دقائق من مشاهدته تنفيذ الحكم في حبيبته ولكن بقطع رقبته ضربا بالسيف !

الفيلم أثار عاصفة قوية بين السعودية وبريطانيا أدت الى سحب سفيري البلدين .. والى مقاطعة الممثلين المصريين الذين جسدوا المشاهد ومنعوا من دخول المملكة وتم حينها منع عرض أفلامهم فيها ..بل ولوحقت الممثلة سوزان أبوطالب وهُددت بالقتل مما أضطرها الى تغيير إسمها فنيا الى سوسن بدر النجمة المعروفة الآن !

فالفيلم الى جانب أنه قدإخترق الأسوار العالية التي تحيط بها العائلة المالكة نفسها فقدطعن في قناة صحة الحكم على الشابين باعتبارهما غير محصنين مما يستوجب شرعا جلدهما ..رغم ما دفعت به العائلة من أن الشابة كانت متزوجة من رجل يكبرها سنا ولم تكن تطيق معاشرته وهودفعٌ شكك في صحته العارفون بالأمر حتى تجد العائلة مبررا لتصفية حساباتها مع الفتاة التي تجاوزت في أعرافهم كل الخطوط الحمراء جدا .. فبرر ذلك أيضا حكم القضاء بقتل الشاب غير المحصن حداً !

يحدث ذلك حينما يكون القضاء مجيراً لصالح الحاكم وبطانته المقربة ويضفي عليهم العرف بل والخنوع العام قي البلاد قداسة قد يتنازل حيالها القاضي غير المستقل مكرهاً عن ثوابت العدالة ولو كانت شرعية ..فما بالك حينما تكون رمادية مثل التي يتعاطى بها قضاؤنا السوداني وقد بات مؤدلجاً الى د رجة التزمت الذي يجعله مشدوداً بين محاولة إرضاء التوجه النفاقي للنظام المتظاهر بمراعاة أحكام الشرع ولكن بالطبع فيما يرضيه ولا ينتقص من سطوته أو يطعن في نزاهته المفقودة وإن كان فساده فائح الراحة.. وبين تمسك القضاة بجمود النصوص التي أصبح من الممكن تطويعها مع كل حالة على حده وليس تطبيقها في كل الحالات التي تتفاوت وتختلف فيهاالدوافع مع تطوروتنوع الجرائم المطردمع اندياح تطور حياة المجتمعات نفسها سلبا أو إيجابا!

بل أن عدم الركون الى فرضية عدم تشابه ظروف كل الجرائم وما ينتج عنه أحيانا من جعل بعض القضايا قضية رأي عام تتخطى حدود الوطن وتشعل غباراً .. قد يضطر ذات الحاكم الى تجاوز عدالته المزعومة الحياد وينكسر دون خجل أمام الضغوطات الخارجية ويتراجع عن الحكم بتبريرات لحفظ ماء الوجه ليس إلا..مثلما حدث في قضية الشابة مريم التي أدينت بالردة وحكم عليها بالموت وهي الآن تعيش في بلاد الغرب حرة وبالديانة التي إرتضها لنفسها !

الان القضاء السوداني يقف في محك جديد ومواجهة حرجة بين التعمق في قضية العروسة التي قتلت عريسها بزعم أنها ..زوُجت له بغير رضاها وإنه عاشرها إغتصابا بمعاونة بعض الأقارب وهومشهد يحتم التحري عنه لمساءلةالمشتركين في تصويره بتلك الطريقة البشعة المنافية للأخلاق والقيم الدينية والإنسانية إن هوحدث فعلا ..ولا بنبغي على القاضي أن يتمترس خلف حوائط النصوص التي تحصره في جريمة القتل التي لايقبل فيها إلا تنفيذ القصاص أو عفوأولياء الدم ..ومن ثم ينتهي الأمر دون محاكمة كل الذين تسببوا في جعل هذه الفتاة مجرمة بينما ظلوا هم إما بعيدين عن الصورة القبيحة التي رسموها أوهم شهود ضد القاتلة والتي هي الضحية في ذات الوقت !

لسنا هنا بصدد التدخل في شئؤن العدالة بغض النظر عن تحفظنا على تمتعها بأهلية الصفة الكاملة في هذا العهد الذي خلق منها آداة لأغراضه السلطوية..ولا نريدأن نصدرحكما مسبقا في القضية التي يبدوأنها تتجاوز معطياتها حدودالجريمة الفردية الى أبعد من ذلك إجتماعيا وأخلاقيا بكثير ..مما يتطلب أن يكون القاضي منفتح العقل على الجوانب الغائبة في صحائف الإدعاء .. وربما يجد ساعتها العديد من البوابات التي تخرجه من التقوقع في دوامة النصوص الجامدة ..ومن ثم يدفن الجرح بكل تعفنه تحت غطاء العدالتة على عجل ..إرضاء لدوره المهني دون الغوص في ضميره الإنساني .!

ويحضرني هنا موقف ذلك القاضي الإنسان في إحدى البلادالغربية الذي حكم على أحد المخالفين لقانون المرور بغرامة مالية ..فدفعها القاضي نفسه حينما عجزالمتهم عن سدادها مما سيؤدي به الى السجن في حالةعدم الدفع ..وهنا تجلت قيمة الموازنة بين الإمتثال لقيود المهنية والإنعتاق بروح الإنسانية في شخص ذلك القاضي المبدع الذي كسب كل الأطراف المعنية بلا ضرر ولا ضرار !

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..