هل هي حالة رضوخ ..أم في المسافة بين (حديث المدينة) و(النشوف آخرتا) !؟

احتار السودانيون في توصيف حالتهم . فمن واصل إلى درجة وصف الشعب كله بالجبن والخنوع لصبرهم على ما وصلت إليه الحالة دون حراك يرونه مفيداً،إلى مضيف على ذلك أقذع الأوصاف وفقاً لظواهر سالبة نتجت عن أزمة الوقود من استغلال سيئ من البعض وسحب ذلك على جموع الشعب.وكان آخر الأقلام البارزة ،الأستاذ عثمان ميرغني الذي ذهب إلى حد الحديث عن الحاجة إلى طبيب نفسي لتحليل الحالة التي تجعل السودانيين يحتفون في 1975 بكاس الثورة الصحية ،التي أفرزت قرارات الرياضة الجماهيرية . وفقدان الصحة والرياضة بعد ما يزيد عن الاربعة عقود من ذلك التاريخ.والكاتب محق في ذلك. فمن( سندق الصخر حتى يخرج الصخر لنا زرعاً وخضراً )، ومروراً بالسجال في بيت الشعر في رائعة وردي (ما لان فرسان لنا بل فر جمع الطاغية) بين الرقمين التجاني عامر وفضيلي جماع.ومروراً كذلك بأمة الأمجاد (وماك هوين سهل قيادك ). نهاية بأكبر صور الثقة بالنفس ،المربوطة بالدين والأيدولوجيا ، إذا تركناهما جانباً وأخذنا بالحماس الطاغي باستدعاء حتى المغتربين من الإخوان المسلمين لتنفيذ دولة الاسلام ليس بشعارات نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع وفشلها، ولكن مثل القائلين بـ( ما دايرين زبيب تينه..عرديبنا كتير بكفينا). والذين أصبحوا هم وابناؤهم من أكبر مستهلكيها بعد أن ابتنوا عماراتهم ، وحاكاهم الكثيرون ممن لا ينتمون إليهم فكرياً وأيدولوجياً.
ربما كانت هذه الحيرة ، هي التي دعت المبدع والصحفي الراحل سعد الدين إبراهيم ، إلى تسمية عموده باسم ( النشوف آخرتا) وعلل ذلك بملاحظة على الطبع السوداني الذي يجنح عبر هذه العبارة إلى انتظار مآلات الأمور في سكون وسلبية ، مع انه قد يصل إلى نفس حالة الانتظار ، ولكن على طريقة على وعلى أعدائي ،أو عدم المبالاة بالنتائج ، أو الثقة المبطنة بالنفس عندما يقول (الرهيفة التنقد) أو( محل رقيقة التنقطع) !؟
وربما تصلح الأوضاع هذه الأيام تماماً لملاحظة تجليات هذه الحالة.فالكل تقريباً ، إلا مكابر، قد وصل إلى قناعة تامة بأن النظام قد سجل فشلاً ذريعاً ولم يعد لديه ما يقدمه. ولكنهم وهم يتنقلون بين الصفوف ،أو انتظار المواصلات في موقف خال منها بأعداد كبيرة والقبول بأي تعرفة يحددها السائق المستغل،أو الانتظار في صف البنزين والمبيت ربما ليالي ، أياً كان هدفه ،تزوداً بالوقود أم حصولاً عليه لبيعة بأضعاف سعره.أو الانتظار في الريف بصف من عربات الكارو الصهريجية ، أو الجركانات المصفوفة في صف طويل. أو أنابيب الغاز في المدن ، يلوكون صبراً طويلاً مريراً يتساءلون فيما بينهم عن (آخرتا !!). ويحجمون عن التفكير في أي خطوة من جانبهم . حتى صار كل من تكلم في مجتمع أو في مواقع التواصل الاجتماعي لا يجد مندوحة من وصف الحالة التي هو جزء منها بالجبن والخنوع واليأس من الشعب كله.في حين أنه لا يوجد أحد يصف نفسه بالجبن . وقد يصل به الانفعال مداه حتى استخدام العنف وإسالة الدماء إن وصفه شخص آخر بذلك !!؟
الواقع في تقديري أن هذه الحالة في ما تعبر عنه ، هي حالة من الإحساس بانغلاق الأفق .وصل فيها الشعب إلى عدم الثقة بأي طرف معروف. والغريب أنه قد يتجاوب مع جهة غير معروفة. فالحركات الشبابية التي دعت إلى العصيان المدني في نوفمبر 2016، عند ارتفاع اسعار الدواء.قد وجدت تجاوباً كبيراً. لكن نفس الحركات ما ان عُرفت ،صار التشكيك فيها، وضعف التجاوب الحقيقي بالمستوى الذي كان في 2016، رغم أن الأوضاع قد تفاقمت إلى درجة مزرية !!؟ وهو امتداد لنوع النقاش في حلقات الجامعات يتحاشى النقاش في الفكرة ، والقفز إلى الحساب على المواقف ( قول لينا انت حزبك شنو عشان نقدر ننقاشك!!؟).
لكن إذا سبرنا إلى غور الحالة ،نجد أننا نرزح تحت قهر لا نشعر به ولا نبذل جهدا في استكناه صوره واغواره يستفيد منه كل المستغلين لنا في القبيلة ودعاة المشروعات الدينية والاستعمار.فنحن كما سبق وكتبنا ،منذ فترة الاستعمار ، مربوطون بالاقتصاد الكولنيالي. فابن محمد أحمد المهدي ، كان يزرع القطن لمصانع بريطانيا ،فهل يُتعجب من إهدائه سيف أبيه لملكها؟ وهكذا ، لم تكن الانقاذ رغم شعارتها الطنانة بالاعتماد على النفس ، صاحبة رؤية اقتصادية تخالف ما تركه فينا الاستعمار لربطنا به.0 بل كان غاية كلامهم في أمريكا ، يتركز في أنها تساومنا على الشريعة!! عليه، لم يكن غريباً أن نلاحظ هذه الهرولة وتوسيط دول الخليج لخطب ودها.ولم يكن غريباً ظهور الاقتصاد الطفيلي عبر تجارة العملة والبشر وغسيل الأموال وتهريب الصمغ ثم الذهب. ليستوي بذلك أثرياء البدو الطفيليون مع زعماء الحضر وطفيلييه ووزراءه في اقتناء آخر موديلات السيارات وأفخر العقارات، فالأمر أمر أموال متوفرة ، وليس أمر مستوى حضاري أو ثقافي.ما أدى إلى انسحاق الطبقة الوسطى والمتعلمة تحت عجلاتهم.لذلك فنحن بين فئتين . إما فئة مستفيدة من نمط الاقتصاد الطفيلي الذي لحق بهم باعة الوقود في السوق الأسود بسرعة في هذه الأيام. وليس في مصلحته زوال النظام واختلال المعادلة . أو فئة مسحوقة ومقهورة تلهث في اللحاق بهذا النمط الاستهلاكي من الاقتصاد.حتى صارت الدولة وللمفارقة ، تجاهد في بيع الأصول باسم الاستثمار لكل دول البترول المحكومة أمريكياً !! فهل يبدو غريباً كثرة ديننا الخارجي وتوقيع الاتفاقيات لجلب المحروقات والغذاء فصرنا مجتمعاً استهلاكياً بامتياز.ثم هل يبدو غريباً اضطرار الفئتين إلى الصبر بهدف الحصول مهما طال الانتظار ، على أبسط الحاجيات مثل المياه ، دون هز الشجرة كأضعف الإيمان ، وليس زلزلة الأرض تحت أقدام النظام. حتى ظللنا في انتظار أن يقف حمار النظام في العقبة ؟
كل ذلك ، سيجعل التغيير مزلزلاً ،يقضي على القواعد القديمة،هل لاحظتم كتابة دكتور عبد الله علي إبراهيم عن كتاب رأس المال لماركس وتذكر الغرب لكتابه إبان الأزمة الاقتصادية ؟. هي ليست مصادفة ، لكنها إحساس بأن نظامنا الرأسمالي الطفيلي ، قد بلغ مرحلة من الركود ثم التعفن الذي لن يقود زواله إلا إلى تغيير جذري يقلب الطاولة على قواعد اللعب القديمة .وهذا ما يحاول الناس تحاشيه عبر الحديث عن الحفظ على بيضة الدين أو نعمة الأمن . لكنها حيلة لو انطلت على القوم، لن تغير منطق الأشياء.وسنن التاريخ والمجتمعات0 فهل ما زلنا نحتاج إلى طبيب نفسي ؟
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هههههههههههههه شوف يا استازنا الشعب بقينا بالضبط مع الاحترام والله لكن زي الفتاة في مجتمعنا الشرقي التي كسرو عينها واضح قصدي مش لكن ده الحصاصل نحنا مجتاجين اعادة احياء انساني اولا
    وشكراا

  2. هههههههههههههه شوف يا استازنا الشعب بقينا بالضبط مع الاحترام والله لكن زي الفتاة في مجتمعنا الشرقي التي كسرو عينها واضح قصدي مش لكن ده الحصاصل نحنا مجتاجين اعادة احياء انساني اولا
    وشكراا

  3. ان وصف انفسنا بالجبن أمر يطابق حالتنا تماما” دون تزييف، أضف الى ذلك عدم المبالاة والكسل والتسيب في العمل والجهل والغباء والعبط والهبل وحتى الوسخ ،، شيئ واحد يمكن به البرهان على ما ذكرت، دع الرئيس يذهب لالقاء خطاب جماهيري في أي مدينة من مدن السودان، حتى في هذه الطروف الصعبة، وتعال شوف التجمع والتجمهر والتصفيق والتهليل عندما يخاطبهم وهو يهش عليهم كالانعام بعصاه تلك، وما ان يكلمهم عن الله والشريعة وحماية الدين وتحدي أميركا ، حتى تسري في نفوسهم الحماسة للدين ولحرب الغرب الكافر، ويصبحوا كالمجانين، رغم ان غالبيتهم لا يصلون ولا يحفظون حتى سورة الفاتحة، بل أن الكثير منهم لا يعرف كم عدد ركعات صلاة المغرب، ولكن العبط والجهل هو من يجعل تلك القشعريرة الدينية تسري في دمائهم حتى تتمثل فيهم مقالة الماركسيين: (الدين أفيون الشعوب).
    نحن لسنا شعب متخلف وبس ،، نحن شعب يعيش في غيبوبة موغلة، غيبوبة لا انعتاق منها .
    الشعب: اين هذا الشعب ؟؟؟؟!!!!!

  4. تحتاج الشخصية السودانية إلى بحوث معمقة من جانب علماء النفس الإجتماعيين وعلماء الاجتماع السياسي .. لسبر أغوار هذه الشخصية ومعرفة التغييرات العميقة التي ألمت بها على مدى ثلاثين عاماً من الكبت والقهر والتضييق.

  5. ان وصف انفسنا بالجبن أمر يطابق حالتنا تماما” دون تزييف، أضف الى ذلك عدم المبالاة والكسل والتسيب في العمل والجهل والغباء والعبط والهبل وحتى الوسخ ،، شيئ واحد يمكن به البرهان على ما ذكرت، دع الرئيس يذهب لالقاء خطاب جماهيري في أي مدينة من مدن السودان، حتى في هذه الطروف الصعبة، وتعال شوف التجمع والتجمهر والتصفيق والتهليل عندما يخاطبهم وهو يهش عليهم كالانعام بعصاه تلك، وما ان يكلمهم عن الله والشريعة وحماية الدين وتحدي أميركا ، حتى تسري في نفوسهم الحماسة للدين ولحرب الغرب الكافر، ويصبحوا كالمجانين، رغم ان غالبيتهم لا يصلون ولا يحفظون حتى سورة الفاتحة، بل أن الكثير منهم لا يعرف كم عدد ركعات صلاة المغرب، ولكن العبط والجهل هو من يجعل تلك القشعريرة الدينية تسري في دمائهم حتى تتمثل فيهم مقالة الماركسيين: (الدين أفيون الشعوب).
    نحن لسنا شعب متخلف وبس ،، نحن شعب يعيش في غيبوبة موغلة، غيبوبة لا انعتاق منها .
    الشعب: اين هذا الشعب ؟؟؟؟!!!!!

  6. تحتاج الشخصية السودانية إلى بحوث معمقة من جانب علماء النفس الإجتماعيين وعلماء الاجتماع السياسي .. لسبر أغوار هذه الشخصية ومعرفة التغييرات العميقة التي ألمت بها على مدى ثلاثين عاماً من الكبت والقهر والتضييق.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..