2020 انتخابات من؟ ولفعل ماذا ( رسالة مفتوحة الى المؤتمر السوداني

على هامش مناظرة المؤتمر السوداني

(لم يصدر قرار الحزب النهائي حول الانتخابات وقت كتابة هذه السطور)

من بعد مسيرة مذكرة الحزب الشيوعي الشهيرة في يناير المنصرم .. فإن المناظرة التي اقامها المؤتمر السوداني حول الانتخابات تعتبر بلا شك الحدث السياسي الابرز من قبل المعارضة في هذه السنة

ولعله ليس من المبالغ فيه القول بأن حزب المؤتمر السوداني هو نفسه يعد الحدث الابرز في السياسة السودانية بعد انفصال الجنوب … حيث انه ما برح .. ولسنوات قد خلت .. يجترح المبادرات و يتقدم العمل السلمي المعارض فينصب نفسه مثالا بارزا على مستوى المؤسسات وتقديم القيادات الشبابية و غير ذلك مما هو معلوم من أمره حتى انه قد فات الكبار والقدرو في صناعة الاحداث و التعامل المرن مع اليومي والاستراتيجي في عالم السياسة

المثير في الامر ان كل هذا الاجتهاد لم يخرج الحزب من دائرة الخطاب المعارض التقليدي الاخلاقي ان جاز التعبير المسجون تاريخيا في لحظة الانقلاب 89 والذي لا يتجاوز كليشيهات الديمقراطية/ الحرية و تأنيب الاسلاميين على الانقلاب و التنديد بفساد الحكومة

عجز الحزب (الى الان على الاقل) عن تقديم طرح مغاير للخروج من الازمة شأنه شأن غيره من الاحزاب والافراد في المعرضة

ظننت (وما زلت أظن) بأن هذا العجز في حالة المؤتمر السوداني ينتمي بلا جدال لخانة (نقص القادرين على التمام) … وهذا الظن تحديدا هو ما ساقني الى متابعة المناظرة حول الانتخابات … آملا في تشكيل خطاب جديد او رؤى مغايرة نافذة جديدة يطل منها الضوء

1- شرف الموقف الجالسون على شرفات التاريخ

كمتبني للفعل المدني السلمي خيارا في مواجهة السلطة الغاشم .. اجد موقفي من حيث المبدأ ضد الجلوس مكتوفي الايدي والتدثر بثوب المثالية الرافضة للمشاركة في الانتخابات ضد المؤتمر الوطني
هؤلاء اسميهم في السياسة السودانية اليوم … الجالسون على شرفات التاريخ
وهم كثر .. المكتفين بشرف الموقف .. تظن احدهم ينظر في سيرته العطرة المخلدة في التاريخ فيقرأ انه لم يهادن لم يفاوض لم يشارك في انتخابات النظام … يا له من بطل مغوار تسود باسمه الصحائف وتغني له العذروات وتسمي الامهات مولودهن البكر باسمه
هذا نمط تفكير لا يقدم للقضية او للوطن فالسياسة ابتداء هي فن الممكن .. التفاوض وتقديم التنازلات … التكتيكات المدروسة مع الحفاظ على الهدف الاستراتيجي النهائي .. فتفكير البطولة التاريخية وهم برجوازي يمني النفس بالمجد والعلياء دون ان يضطر الى قطع الطريق الموحل المليئ بالشبهات و المغامرات
وهذا منطقي الخاص في معارضة المقاربة المثالية التي قدمها عادل بخيت للمقاطعة … ففكرة رفض المشاركة الانتخابية مبدئيا يتعارض بالاساس مع المنهج السلمي للمقاومة وربط المشاركة بتوفر ظروف مثالية للمبارزة الانتخابية امر بعيد عن الواقع قريب من اليوتوبيا

مع اخذ كل هذا بعين الاعتبار كيف أفسر رفضي ابتداءا (وليس مبدئيا) مشاركة المعارضة في انتخابات ٢٠٢٠؟

2- خالد سلك … حساب ولا كوار ؟

مرافعة خالد سلك عن خيار المنازلة ابتدأت بمقدمة مفادها غياب العمق الجماهيري للقوى الحديثة (تاريخيا وحاليا) الامر الذي ينعكس على ضعف المشاركة في التظاهرات التي تدعو لها الاحزاب وانحصار هذا الامر في فئة قليلة من الناس قدر لهم خالد بنحو الألف في الاحتجاجات الاخيرة
مع وضع عنف السلطة كسبب مباشر بعين الاعتبار لا يمكننا الا ان نتفق مع هذه المقدمة كواقع معاش وتاريخ محكي
في هذا الاطار ينظر خالد للانتخابات كوسيلة للتغلب على هذه المعضلة حيث تتيح ايصال صوت الحزب والمعارضة للشعب الغائب او المغيب

يعيب خالد على دعاة التغيير الثوري خارج اطار الانتخابات المراهنة على قوى (غير ديمقراطية بحسب تعبيره) هي الجيش والنقابات مع تجاهل الشعب صاحب المصلحة الاول والاخير

وايضا رغم الاختلاف حول توصيف النقابة كقوى غير ديمقراطية لا يمكننا الا ان نتفق مع مجمل هذه الملاحظة

بيد انه لتحقيق الهدف الاسمى الذي يضعه خالد من موقفه هذا (الوصول والمراهنة على الشعب) لابد لنا من أن نسأل السؤال الصحيح الذي غاب عن خالد او تجاوزه لبداهته .. وهو لماذا لم تستجب الجماهير لدعوات التظاهر .. هل كان ذلك حقا بسبب ساعي البريد السياسي الذي لم يوصل لها الدعوات ام أن هناك اسباب اخرى أكثر موضوعية لتفسير الغياب …هذا مع وضع افتراض ضمني هنا هو ان الجماهير راغبة فعلا في التغيير

السبب الرئيسي في تقديري لم يكن في وصول كارت الدعوة بقدر ما انه كان في التكلفة الكبيرة المصاحبة لمثل هكذا نشاط و سبتمبر حاضرة في الاذهان

فهل تغير انتخابات خالد هذا الوضع ؟ … هل تصبح مشاركة الناس في الحملة الانتخابية اقل تكلفة من المشاركة في المظاهرة؟
خالد نفسه يدعو لانتخابات تظاهرية ان صح التعبير .. وسيلة للمقاومة … (ولو منعونا ندوة نشتغل مخاطبة) او كما قيل
هذه الرؤية المصادمة التي حاول خالد رسمها في مخيلة الناس تعاني من خلل جوهري وهو عجزها عن تخطي المشكلة الرئيسة المتمثلة في الاتصال مع الجماهير
وهذا ما اسميه (المكاورة الخطابية) فرغم التناقض الواضح في الحجة التي لا تتفق مقدماتها مع نتائجها والخلل الواضح في تشخيص سبب المشكلة كان الاسلوب الخطابي عامل عزل ممتاز يحجب عن السامعين خلل الخطاب

الندوة السياسية في انتخابات خالد لن تقل تكلفة عن المظاهرة من حيث التهديد الامني للمشاركين فيها … فما غاب عن خالد او لم يرد ايراده انه في ظل وجود قوانين مقيدة للحرية كالتي نملك يصبح الحديث عن اتصال جماهيري عن طريق الانتخابات ينتج نتائج مماثلة للفعل المصادم مباشرة مع الحكومة الى حد كبير

3- خالد سلك ومحمد فاروق .. رمتني بدائها وانسلت

لهذا فان ما يعرضه خالد ومحمد فاروق من تصور رومانسي لندوات حاشدة في الميادين يظهرون فيها امام الجماهير الغفيرة قدراتهم الخطابية الفذة ويستنهضون عزمها لمقاومة السلط الغاشمة … لا تعدو ان تكون احلام زلوط … والحديث عن الانتخابات كوسيلة ( جديدة غير مجربة) قد تنجح في زلزلة النظام لا يعدو ان يكون تفكيرا يائسا من قبيل تفتيش خشم البقرة و التعلق بالقشة حالة الغرق
يرى خالد ومحمد فاروق ان الطرف الاخر فاقد للخطة او الرؤية يائس غارق في بحر الاحباط بينما هما اصحاب الرؤية المتكاملة والطريق الجديد …. في حين يصدق قولهم ربما في حق الاخرين … فالامر ايضا بل وبدرجة اكبر ربما ينطبق عليهم مباشرة ويمكننا ان نضيف كذلك انهم رومانسيون غارقون في الاحلام والتهيؤات بلا اي مقاربة موضوعية للواقع

اتمنى ان ارى خالد ومحمد فاروق في ندوات جماهيرية حاشدة يعلو الهتاف بتحيتهم و يحملو على الاعناق (فهم ورغم كل شيء يستحقون ذلك بامكانياتهم الخطابية الفذة)
لكن للأسف لا يبدو ان هذا سيحدث في ٢٠٢٠ ما لم تتغير الظروف الموضوعية لهذا النزال

4- إن كان لابد من صراع .. فليكن من أجل الفوز

ملخص ما يدعو له خالد و فاروق هو ممارسة التهريج السياسي على خشبة المسرح الدولي … نشارك في الانتخابات .. فتسعد السفارات بتقدم في التحول الديمقراطي … يسعد النظام بفوز رمزي ذو قيمة عالية في موقفه التفاوضية المستقبلية .. بينما نرضى نحن من الغنيمة بما يسمى (توسيع دائرة الفعل السياسي)
تلك اذا قسمة ضيزى … اذا كان للمعارضة ان تشارك في هذه المسرحية فلتكن من اجل الفوز فعلا وانتزاع الانتصار من براثن النظام
هذا الامر ليصبح من قبيل الممكنات .. لابد من التغلب على مجموعة من العقبات اسردها فيما يلي

أولا .. #القوانين
بالقوانين اعني بصورة خاصة قانون الامن و الانتخابات و الصحافة و بعض المواد في القانون الجنائي
ففي دولة يصادر فيها الامن الصحف و يمنع فيها الحديث عن كثير من القضايا كالجيش مثلا وفعاله .. ومن يتعرض لحميدتي يلقى مصير ابراهيم الشيخ و الصادق المهدي .. يصيح السؤال ساخرا .. انتخابات من؟ … ولفعل ماذا؟
في القانون الجنائي تقريبا توجد مادة الازعاج العام التي يمكن بموجبها عقاب ومنع خطاب الجماهير في الاسواق و اماكن تجمعهم ودونكم امثلة قرفنا
كذلك فنيات مثل سجل الناخبين و عملية التسجيل نفسها وحياد المفوضية وتصويت منسوبي القوات النظامية وغيرها كثير
من دون تحقيق تقدم في هذه الملفات تصبح الدعوة للمشاركة هتر وهزل ليس اكثر

ثانيا ..#التمويل

وفي هذا شقان .. الاول هو كيف تستطيع المعارضة توفير التمويل اللازم للدخول في الصراع الانتخابي
و الثاني وهو المهم .. كيفية ضبط تمويل المؤتمر الوطني وعزله عن استخدام موارد الدولة في حملته الانتخابية

ثالثا … #الاعلام

جزء من هذا البند يتعلق بالقوانين .. في حرية الصحافة والرقابة القبلية وسلطة المصادرة وما الى ذلك
و جزئية اخرى تتعلق بحياد الوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة تجاه الانتخابات … في ظل وجود قنوات خاصة مملوكة لمنسوبي المؤتمر الوطني والمقربين منه

ختاما …

هذه بعض العقبات المادية التي تقف في وجه المنازلة الشريفة في الانتخابات
فالسؤال الموجه الى دعاة المشاركة بعيدا عن المكاورة الخطابية … ما هي خطتكم الواضحة للتعامل مع هذه الامور

ان كان ثمة من طريق لتحقيق اختراق في هذه الملفات … فنحن دعاة الصناديق وحراسها وان اتت بغيرنا …
وإلا فقومو الى ثورتكم يرحمكم الله

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ما قلنا ما عاوزين أحزاب ولا انتخابات؟ انتخابات ليه؟ عشان يفوز منو؟ ويعمل شنو؟ الكيزان شفناهم 30 سنة والقبلبلهم بسببهم جوا الكيزان! مفروض (حزب) المؤتمر السوداني يسحب كلمة حزب دي ويعتبر نفسه مؤتمر للسودانيين الرافضين لحكم السودان بالحزبية ويكون برنامجهم الانتخابي هو تغيير نظام الحكم الحزبي القائم سواء كان حزباً شمولياً أو أحزاب تعددية فقد جربنا كل ذلك فلم تؤصل لقيم المساواة ولم تجلب التنمية بل بالعكس تماما تفشت القبلية والجهوية وتوابعها من العنصرية والقتل على الهوية وأصبح اقتصاد الدولة اقتصاد معيشة ورزق اليوم شحدة وذلة ومتاجرة بالأرض وما تحت الأرض وبكافة مقدراته وموارده المدخرة للأجيال القادمة – فلماذا لا تروجون لدستور المساواة لدولة المؤسسات والقانون واطرحوا ذلك للقانونيين ليمدوكم بمقترحات صياغية مفصلة لهذه المساواة والشفافية والمشاركة المباشرة في هذه المؤسسات دون محسوبية ولا جهوية ولا تبعية ومن ثم المشاركة في حكم البلاد بالكفاءة والتأهيل والنزاهة ومن ثم استعادة كل القيم المفقودة في إدارة شئون الدولة وفي المجتمع الأسرة والمدرسة والمؤسسة ومن ثم النادي والمسرح والكرة وكافة الأنشطة؟

  2. نحن ضد أي انتخابات ولا يهمنا أن تزور كل الصناديق ولا نعترف بمن تجيء به ولو كانت مبرأة من كل عيب وتزوير!

  3. ما قلنا ما عاوزين أحزاب ولا انتخابات؟ انتخابات ليه؟ عشان يفوز منو؟ ويعمل شنو؟ الكيزان شفناهم 30 سنة والقبلبلهم بسببهم جوا الكيزان! مفروض (حزب) المؤتمر السوداني يسحب كلمة حزب دي ويعتبر نفسه مؤتمر للسودانيين الرافضين لحكم السودان بالحزبية ويكون برنامجهم الانتخابي هو تغيير نظام الحكم الحزبي القائم سواء كان حزباً شمولياً أو أحزاب تعددية فقد جربنا كل ذلك فلم تؤصل لقيم المساواة ولم تجلب التنمية بل بالعكس تماما تفشت القبلية والجهوية وتوابعها من العنصرية والقتل على الهوية وأصبح اقتصاد الدولة اقتصاد معيشة ورزق اليوم شحدة وذلة ومتاجرة بالأرض وما تحت الأرض وبكافة مقدراته وموارده المدخرة للأجيال القادمة – فلماذا لا تروجون لدستور المساواة لدولة المؤسسات والقانون واطرحوا ذلك للقانونيين ليمدوكم بمقترحات صياغية مفصلة لهذه المساواة والشفافية والمشاركة المباشرة في هذه المؤسسات دون محسوبية ولا جهوية ولا تبعية ومن ثم المشاركة في حكم البلاد بالكفاءة والتأهيل والنزاهة ومن ثم استعادة كل القيم المفقودة في إدارة شئون الدولة وفي المجتمع الأسرة والمدرسة والمؤسسة ومن ثم النادي والمسرح والكرة وكافة الأنشطة؟

  4. نحن ضد أي انتخابات ولا يهمنا أن تزور كل الصناديق ولا نعترف بمن تجيء به ولو كانت مبرأة من كل عيب وتزوير!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..