الازمة الاقتصادية وسلوك المواطن السوداني

من الواضح ان السودان اليوم لا يواجه ازمة اقتصادية وسياسية فقط بل هنالك ازمة اخلاقية ليست بالمعني الاخلاقي من الناحية الدينية التقليدية بل هنالك ازمة ضمير انساني ، فالازمة الاقتصادية التي يعيشها الوطن اليوم كافية الي تفجير ثورة شعبية تطيح بالنظام الحالي بعد ان اثبت فشلة الكبير في ادارة موارد البلاد .
فالوقت الحالي من عمر السودان يمكن ان يوصف بانه الانحطاط بعينه فالنظام الحاكم في اوج تخبطة السياسي وصراعة الداخلي مرتهناً بصورة كاملة الي قوي خارجية في مشهد اقرب الي العمالة والارتزاق منه الي الخيانة ويقابل ذلك حالة توهان غريبة لم تكن لدي السودانيين علي مر تاريخهم ، انعكست تلك الحالة المرضية في شكل رضوخ كامل وقصور واضح في درجة التعبئة التي تقود الي غضب جماهيري مقاوم حتي تبادر الي كثير من المراقبين والناشطيين الي ان شعب السودان يتقبل الانهزامية ويستكين الي المهانة .
فمشهد الصفوف الذي اصبحت سمة اساسية لكل مقومات الحياة من وقود الي خبز الي صرف الاموال من البنوك والذي تعج به وسائل التواصل الاجتماعي هو بالضبط ما يحاول النظام غرسة في نفسية السودانيين بان تلك الوضعية هي الطبيعة الازلية حتي من قبل مجئ النظام الي سدة الحكم وحتي يقطع بذلك كل محاولات التمرد التي تتوفر عناصرها والتي من الممكن ان تقود الي انتفاضة او ثورة ضد النظام .
يجزم الكثيرين بان الوضع الحالي ليس ازمة نظام حاكم بقدر ماهي ازمة المواطن نفسة الذي يستغل الاوضاع تلك للمتاجرة الرخيصة في السلع الاستهلاكية النادرة تلك ، وحتي اذا تم اخذ السوء الذي حدث من خلل بنيوي في بناء المجتمع السوداني نتيجة للازمة الحالية فان النموزج السئ في استغلال الوضع الاقتصادي والمعيشي هذا ماهو الا نتاج فعلي لسياسات النظام ، فالتردي الاجتماعي والانساني والانانية وحب الذات تلك الصفات التي ظهرت في التكوين الاشتراكي للنسيج الاجتماعي السوداني يتحمل وزرها النظام الحاكم فالمجتمع السوداني مجتمع تكافلي في حد ذاته قائم نسيجة وان كان يعاني من تهتك واضح وعلل في كثير من اجزئه الا ان طابعه التكافلي وعدم استغلال الاخرين كانت احد اهم مميزاتة فما الذي حدث حتي يكون استغلال الحاجة من قبل الموطنيين بهذه البشاعة و تتداخل الانانية مع مفهوم التجارة ويتم رفع اسعار السلع الاستهلاكية بهذه الطريقة .
نقول بان ثلاثين سنة من الكبت والبطش من شأنها ان تولد عدوانية وقهر ذاتي ينعكس في شكل مشاعر اثم ودونية علي الغير ، والشاهد في ذلك ما نشاهدة اليوم من جلد للذات ونبش وازدراء للمجتمع من قبل عناصر المجتمع نفسة فالسودانيين يكيلون الشتائم لبعضهم البعض متهمين انفسهم بالتقصير والتخازل والجبن ، وبدون دراية اصبح السودانيين حليف اصيل للنظام في حربه ضدهم .
فما يجمع السودانيين اليوم ليس كره النظام بقدر ما هو خلل بنيوي ومفهوم المواطنيين حول حقيقة النظام وطريقة ازاحتة والخوف من المجهول ومن فك حبل العبودية وفي هذا العك النفسي والوضع الاقتصادي الرهيب نمت علاقة ازدراء ضد بعضهم البعض ونقصد المواطنيين في السودان فالواقع لا يطاق والتغيير يحيطة غموض وتضحيات والجميع يخاف الخطوة الاولي في ظل كثير من الاحباطات والعراقيل وفي ظل العجز لذلك تولدت حاله الازدراء بين الشعب المشار اليها لانها باختصار تعكس مسأتهم وعارهم في الخنوع والاستكانة للقهر فما يلقاه السوداني اليوم من تبخيس ومهانه في معيشته اليومية ما يقوم به نفس المواطن في اسقاطة علي الاخرين من بني جنسه .
اذن يمكننا القول ان هنالك تؤاطو ما بين النظام والشعب وبدون ادراك للطرف الثاني ، فالخوف من ردة فعل المؤتمر الوطني وجنجويدة والهاجس من التضحية والبحث عن البديل كشخص وليس البديل البرنامجي هو في حد ذاته تؤاطو ، حتي كانت اتفاقية غريبة غير مكتوبة مابين الشعب والنظام تنص علي شراء الامن بالمهانة والاستحقار.
و حتي المناهضة من قبل قوي الوعي الثورى والتي اتخذت شكل الاحتجاج الجماهيري في وقت سابق كانت تاخذ شكل العمل العفوي غير الممنهج وباساليب تقليدية مكشوفة يسهل ضربها في المهد او بالتخويف المباشر بالتصفية كما حدث في سبتمبر وفي هذا النوع من المناهضة قلنا سابقا بأنه لايكفى فقط وجود رغبه قويه فى التخلص من نظام الانقاذ والذى طال مكوثه على صدر الوطن ما يقارب ال30 سنه ، لايكفى ان تكون هنالك رغبه فى التضحيه بالروح والدماء من اجل ذهاب النظام لابد من وجود خطه واضحة للمقاومة بحيث لاتكون المظاهرات والاحتجاجات ضد النظام مجرد ردود افعال ناتجه من تصرفات النظام وسياسته ومن الملاحظ أن اليأس والاحباط الذى لازم السودانيين طوال الثلاث عقود من الزمان فى التخلص من النظام الحالى دفعهم فى ايلول 2013سبتمبر / يناير 2018 كانون الثاني الى خوض مغامرة الخروج لمجرد ارضاء الضمير ولتسجيل موقف تاريخى فقط كحال تنظيمات بعينها فكانت ردة فعل حكومه الخرطوم قاسياً
أن عدم التخطيط السليم الذى صاحب سبتمبر/ يناير أدى الى تبديد طاقه المقاومة وبالتالى عزز من تكريس سلطه نظام البشير وادى الى زيادة القنوط لدى الجماهير ، وفى التخطيط لدى المقاومة كان لابد لنا من التفريق بين الاستراتيجيه العامه والاهداف والتكتيكات .
ادي كل ذلك العك الممنهج الي ظهور مقاومة خجولة من قبل الجماهير المستكينة للذل في شكل غير ممنهج وباساليب خفية كالكسل والتخريب او حتي في شكل مقاومة رمزيه ردئية تاخذ شكل النكات السياسية ، وتكمن الخطورة في هكذا امر ان هذا النوع من المقاومة يخلق ازدواجية في العلاقة ما بين النظام والشعب وبالتالي يكون المجتمع السوداني كما هو واضح الان قائم علي رضوخ واستكانة للوضع السئ الان وعدوانية خفية والمؤسف انها لا تترجم في شكل تلاحم جماهيري يؤدي الي انتفاضة حقيقية ولو بعد حين .